التأجيل: سوف أنجز المهمة غداً…كلا لن تفعل!
“حسناً، سأقوم بذلك اليوم!” كم مرة سمعت نفسك تردد هذه العبارة، لينتهي بك الأمر وقد قمت بتأجيل مهمة ضرورية وحرجة لساعات وأيام وربما لمدة أطول من ذلك بكثير! فلماذا نؤجل أعمالنا؟ وكيف نتخلص من هذه الظاهرة؟ هذا وأكثر سوف نتناوله في هذا المقال.
يمثل التأجيل لعدد كبير من الناس كابوساً يمنعهم من إنجاز الكثير من أعمالهم بشكل يومي، وهي قوة علينا بالفعل أن لا نستهين بما قد تفعله في حياة كل منا اليوم وغداً وعلى المدى الطويل إذا استسلمنا لها، من فشل دراسي، إلى تسريح من العمل، إلى تحطيم أواصر المحبة مع العائلة والأصدقاء (شاهد: نصائح لتجديد حياتك الجنسية)، وغيرها كثير.
في دراسة نشرت عام 1997 في مجلة الصحة النفسية (Psychology Today) من قبل مجموعة من الباحثين في جامعة ويسترن ريزيرف (Western Reserve University) في الولايات المتحدة الأمريكية، وجد أن الطلاب الجامعيين الذين اعتادوا تأجيل أعمالهم لوقت لاحق، انتهى بهم المطاف في نهاية كل فصل وهم يعانون من أمراض عديدة، مستويات توتر مرتفعة، تحصيل درجات دراسية منخفضة.
أسباب تأجيل الأعمال
احتار علماء النفس وبحثوا كثيراً في هذه الظاهرة، ومع ذلك لم يصلوا بعد لأي إجابة شافية، ولا زال الأمر لا يتعدى كونه مجرد تخمينات وفرضيات لم يتم إثباتها بشكل قطعي بعد، ونذكر منها:
- الفرضية الأولى: فشل البعض في التحكم بأنفسهم أو فرض نظام بعينه على حياتهم والالتزام به، تماماً كما نفعل مع العديد من أمور حياتنا اليومية فتخرج عن سيطرتنا في مرحلة ما، مثل: الإفراط في تناول الطعام (شاهد بالصور: 10 عادات قد تضر بالأسنان!)، الإفراط في النوم، الإفراط في إنفاق النقود، الخ.
- الفرضية الثانية: قد لا يكون الأمر مرتبطاً بعدم القدرة على تنظيم الوقت أو التحكم الضعيف بالنفس كما رجحت الفرضية الأولى، بل إن العديد من الأشخاص الأذكياء -والذين عرفوا بكثرة إنجازاتهم- يرجحون أن الأمر قد يعزى لأسباب مختلفة تماماً، مثل طريقة عمل الدماغ وإدراكه واستيعابه لمرور الوقت والأشياء من حوله بشكل مختلف من شخص لآخر.
- الفرضية الثالثة: عندما نشعر أن علينا إنجاز أمر صعب أو مهم قد نشعر بالقلق أو الخوف، لذا نلجأ إلى حلّ التفافي يخلصنا من المشاعر السلبية التي يفرضها علينا هكذا موقف، وهذه الحلول تشمل القيام بأمور بسيطة مثل اللجوء العالم الافتراضي أو تصفح الإنترنت بلا هدف وغيرها.
كيف يعمل التأجيل؟
يرى البروفيسور تيموثي بيشل (Timothy Pychyl)، المختص بدراسة ظاهرة التأجيل في جامعة كارلتون (Carleton University) في كندا، أن التأجيل هو تقنية يتبعها العديدون منا في محاولة لتجنب أمر مقلق (شاهد: أسئلة قد تدور في ذهن الفتيات عن الجنس)، ويقول البروفيسور”قد يقوم الشخص هنا بالاستسلام لظاهرة تأجيل إنجاز المهام، لما يعود عليه هذا به من راحة نفسية فورية”.
وتقول العديد من الدراسات بصريح العبارة: عندما تؤجل أعمالك، قد تشعر بتحسن آني في نفسيتك، ولكن هذا التأثير لا يعدو كونه لحظياً، لتعود نتائج التأجيل الكارثية لتلاحقك، فمهما اختلف علماء النفس على أسباب تأجيلنا لمهامنا، إلا أننا جميعاً متفقون على أن هذه الظاهرة تأتي دائماً بثمن قد يكون باهظاً.
ويربط علماء النفس ظاهرة تأجيل الأعمال، بالمشاعر السلبية والأمراض النفسية التالية، سواء من ناحية الأسباب أو النتائج:
- الاكتئاب.
- انخفاض الثقة بالنفس.
- القلق.
- التوتر.
- الاعتقادات والأفكار غير المنطقية.
- الشعور الدائم بالذنب.
هذا وقد وصلت جدية وخطورة ظاهرة التأجيل حداً جعل الباحثين يربطونها ويشبهونها بإدمان الكحول والمخدرات.
كيف نتخلص من ظاهرة التأجيل؟
في كل مرة تشعر فيها أن عليك إنجاز مهمة ما، قد تنتابك هذه المشاعر السلبية وقد تصادفك المصاعب التالية: مشتتات الانتباه، أفكار إبداعية لا علاقة لها بمهمتك الحالية، خوف من الفشل، حوارات سلبية مع النفس. فكيف نتخلص مما يحدث؟ وكيف نعود لنصبح منتجين؟
خطوات تحضيرية
عليك، قبل أن تبدأ في علاج هذه الظاهرة، أن تنتبه جيداً وتكون مدركاً لمجموعة من الأمور، منها:
- إن ظاهرة التأجيل أشبه بكرة الثلج المتدحرجة من قمة جبل مرتفعة، تبدأ صغيرة وتكبر بالتدريج إلى أن تصبح ذات قوة مدمرة عندما تصل أسفل الجبل، والتأجيل كذلك يبدأ بفعل صغير، مثل مشاهدة التلفاز لمدة ربع ساعة أو سماع أغنيتك المفضلة لمدة 5 دقائق وهكذا، إلى أن ينتهي اليوم والأيام التالية دون أي إنجاز يذكر!
- قوة الإرادة قد لا تخدمك كثيراً، لذا ضع لحياتك أنظمة وقوانين؛ فبينما نشعر أن الحرية والابتعاد عن الروتين قد يحفزاننا على العمل أكثر، إلا أن بعض الخبراء يرجحون أن العكس تماماً هو ما يحصل، فإذا أردت أن تكون شخصاً منجزاً، من الأفضل الالتزام ببعض القوانين التالية:
- مواعيد تسليم نهائية محددة.
- تقسيم العمل إلى فترات يفصل بينها أوقات استراحة معقولة.
- الالتزام بأداء التمارين الرياضية 30 دقيقة يومياً.
- الالتزام بنظام غذائي صحي (شاهد: الأغذية التي تسبب الإسهال).
- سيضع التزامك بهذه النصائح لحياتك نظاماً يمتد ليشمل كل جوانبها، بما في ذلك الأعمال التي اعتدت على تأجيلها كثيراً.
- لن ينفعك أي نظام تحاول اتباعه إذا لم يكن هناك هدف واضح تريد الوصول إليه، ويحمسك على الاستمرار في العمل. وفي حال كانت مهمة روتينية لا هدف واضح لها لك على الصعيد الشخصي، قم باختراع هدف وهمي تخدع به عقلك لتقوم بأداء المهمة.
خطوات عملية
- لا تبدأ بإنجاز المهام مباشرة، بل فكر فيها جيداً، وعلى وجه التحديد فكر في الهدف منها والعائد الناتج عن إنجازها.
- تشير دراسة قام بها مجموعة من الباحثين -من ضمنهم البروفيسور بيشيل في جامعة كارلتون عام 2010 – إلى أن التقنية الأكثر فاعلية في محاربة هذه الظاهرة هي مسامحة النفس على ما تقوم به من تأجيل. فقد أظهرت الدراسة أن الطلاب الذين سامحوا أنفسهم على ما قاموا به من تأجيل في الدراسة لامتحان الفصل الأول، أبلوا بلاء حسناً في امتحان الفصل الثاني، فمسامحة النفس تعمل على تخليص الفرد مما يحس به من مشاعر سلبية تعد إحدى الأسباب الرئيسية لما نقوم به من تأجيل.
- عليك أن تعي أنه ليس بالضرورة أن تكون على استعداد نفسي وفي مزاج عمل صحيح حتى تبدأ العمل الفعلي، تجاهل ما تشعر به من مشاعر سلبية وابدأ بالعمل. ففي الكثير من الأمور الهامة في الحياة، لن تكون أبداً مستعداً للبدء!
- قم بتقسيم المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة، حتى لو كانت المهمة لا تتعدى أكثر من قيامك بفتح مستند على حاسوبك المحمول، هذه الخطوات الصغيرة سوف تشعرك بالإنجاز والتقدم.
سنوات عمرك معدودة. وبينما قد يبدو الأمر كما لو أن لديك كل الوقت في الدنيا لتفعل وتقول وتحقق أحلامك، إلا أن السنوات لا تنتظر أحداً، ولا تستثني أحداً من جريها السريع، باغتها قبل أن تباغتك، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
المرجع : webteb.com