قصة اكتشاف الإنسولين: قصة تستحق القراءة

إن اكتشاف الإنسولين كان نقطة محورية في تاريخ مرضى السكري، فكيف اكتشف فريدريك بانتنج الإنسولين؟ التفاصيل في المقال.

قصة اكتشاف الإنسولين: قصة تستحق القراءة

قصة اكتشاف الإنسولين طريفة ومثيرة ومؤثرة، فكيف اكتشف العالم فريدريك بانتنج الإنسولين الذي أنقذ حياة آلاف مرضى السكري حول العالم؟ وكيف غيّر اكتشاف الأنسولين وجه مرض السكري وجعل بالإمكان التعايش معه لسنوات طويلة بأمان وسلامة؟ التفاصيل في ما يأتي:

بداية قصة اكتشاف الأنسولين

بدأت قصة اكتشاف الأنسولين عام 1920 ميلادي بعدما عاد الدكتور الجراح فريدريك بانتنج من إحدى جبهات الحرب العالمية الأولى، وكان عمره آنذاك 29 عامًا، وأسس عيادة للجراحة العامة في مدينة لندن الكندية مسقط رأسه.

كان دخل عيادته ضعيفًا، بل يكاد يكون معدومًا، ولكي يحسّن من دخله قرر أن يُعطي بعض المحاضرات في الجامعة، ومن هنا بدأت قصة اكتشاف الإنسولين كما التسلسل الآتي:

  • بدأ بانتج بمحاضرات عن استقلاب الأطعمة النشوية بعد أكلها، فاضطره هذا الموضوع إلى اللجوء للمراجع المتوفرة حول المواد النشوية وخاصةً الغلوكوز واحتمال أن يكون للبنكرياس دورًا في تحويلها واستقلابها.
  • استحوذ موضوع الغلوكوز على تفكيره ليلًا نهارًا، وقال لنفسه إن دخل العيادة لا يغطي نفقاتها، وبدون تردد أغلق عيادته وتوجه إلى جامعة تورونتو في كندا.
  • قابل بانتنج رئيس قسم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) البروفيسور جي جي ماكليود (J. J. Macleod) ليعرض عليه أفكاره، وطلب منه أن يعمل تحت إشرافه لعمل تجارب حول دور البنكرياس في استقلاب الأطعمة النشوية إلى سكريات، وكانت الفكرة التي تدور في ذهنه أن هناك مادة مجهولة يصنعها البنكرياس هي المسؤولة عن استقلاب المواد النشوية، وهذه المادة المجهولة التي لم يستطع أحد اكتشافها إلى ذلك الحين.
  • تردد البروفيسور ماكليود كثيرًا قبل أن يوافق على بداية تجارب بانتنج، لكنه وافق على ذلك تحت إلحاح وحماس الدكتور بانتنج، وقرر البروفيسور ماكليود أن يسمح له بإجراء تجاربه في مختبر صغير مهجور، وعين له مساعدًا من طلبة الماجستير هو شارلز بست (Charles Best).
  • سمح بروفيسور ماكليود لهما بإجراء التجارب على عشرة كلاب، ليستطيع بانتنج أن يجري تجاربه على كلبين كحد أقصى في اليوم الواحد.

من المفارقات الغريبة أن هذا الاختيار العشوائي لتشارلز بست حقق له شهرة لم يحلم بها جميع زملائه، حيث أنه نال جائزة نوبل كما سنرى فيما بعد.

قصة اكتشاف الإنسولين: قصة تستحق القراءة

التجارب الحاصلة لاكتشاف الأنسولين

كانت الفكرة التي سيطرت على عقل د. بانتنج هو الحصول على المادة المجهولة التي تصنعها بعض خلايا البنكرياس المسؤولة عن استقلاب الغلوكوز في الدم والتي لم يستطع أحد أن يحصل عليها بعد، وكان السؤال الأساسي في ذهنه هو: هل يمكن لهذه المادة أن تعالج آلاف بل ملايين المصابين بمرض السكري الذي كان يسلبهم الصحة والحياة ويقضي عليهم خلال بضعة أسابيع؟

حتى عام 1920 ميلادي كان يُعتقد أن خلايا غدة البنكرياس تفرز موادًا تساعد في هضم الأطعمة بعد أن ترسلها عبر قناة البنكرياس إلى الأمعاء، وأن هناك خلايا أخرى تتجمع في جزر متفرقة داخل البنكرياس تُسمى جزر لانجرهامز نسبة إلى الطالب الألماني الذي اكتشفها أثناء دراسته في قسم التشريح.

لعل الفكرة العبقرية التي فكر فيها د. بانتنج هي أنه إذا ربط قناة البنكرياس ومنع العصارة الهضمية من الخروج إلى الأمعاء، فإنها سوف تتراكم داخل هذه الخلايا وتتلفها، وهذا يعني أن الخلايا الأخرى في البنكرياس وربما هي خلايا لانجرهامز لن تتأثر بهذا الربط لتكون هي الخلايا التي تفرز المادة المجهولة.

من المواقف الطريفة أن بانتنج كان يجوب الشوارع الخلفية المظلمة في مدينة تورونتو يبحث عن أي كلب ضال من أجل تجاربه، فقد كان عدد الكلاب المخصصة له من الجامعة قليلًا، كما أن الكلاب في تورونتو غالية الثمن.

لعبة الحظ والكلب رقم 410

كانت كلاب التجارب تموت واحدًا بعد آخر في مختبر د. بانتنج، وجاء دور الكلب رقم 390، فبعد أن أجريت له عملية ربط قناة البنكرياس تأكد بانتنج وبست أن جميع خلايا البنكرياس قد أتلفت ما عدا خلايا جزر لانجرهامز، وهكذا تم استئصال البنكرياس من الكلب، وتقطيعه إلى أجزاء صغيرة، لحقنها في الكلب رقم 410 الذي كان قد تحول جراحيًا إلى مريض بالسكري.

مرت الدقائق بطيئة وهم يترقبون كيف سيكون حال هذا الكلب هل سيكون مصيره كغيره أم سينجو وتنجح معه التجارب؟ بعد ساعة حلل الأطباء دم الكلب ووجدوا أن نسبة الغلوكوز ما زالت مرتفعة كما كانت قبل حقنه بخلاصة خلايا لانجرهامز، فانتظرا ربع ساعة أخرى، وأعادا تحليل دم الكلب ثانية وكانت المفاجأة، فقد بدأت نسبة الغلوكوز بالانخفاض.

تسارعت نبضات قلب الطبيبين، وانتظرا قليلًا وحللا الدم مرة ثالثة ليجدا أن نسبة الغلوكوز عادت إلى المستوى الطبيعي.

تكللت التجربة بالنجاح ودخل الكلب 410 التاريخ من أوسع أبوابه، كأول مريض بالسكري تم علاجه بالإنسولين، وهكذا أيضًا دخل دكتور بانتنج والسيد بست التاريخ إلى الأبد في صيف عام 1921.

أعاد دكتور بانتنج التجارب مرة أخرى على كلب آخر، وكانت النتائج مبشرة بالنجاح، فأبلغ بانتنج البروفيسور ماكليود بالنتائج، فأعطاهما مختبرًا حديثًا مُعدًّا بأفضل التجهيزات العلمية، وعين لهما أحد أفضل الصيادلة في القسم وهو الصيدلي جيمس كوليب لمساعدتها في تقنية تحضير الإكسير من غدة البنكرياس، فهو لم يكن نقيًا في البداية إذ عانت كلاب التجارب من الحساسية والمضاعفات وكانت تموت.

دعي د. بانتنج والبروفيسور ماكليود لإلقاء محاضرة في أحد المؤتمرات الطبية العالمية في مدينة بوسطن الأمريكية، فكان بانتنج مضطراً للاعتذار عن السفر، بسبب تكلفته الباهظة، فسافر البروفيسور ماكليود وحده، وقدم الورقة البحثية ونال كل الشهرة والتقدير، فجنّ بانتنج لأن ماكليود نال كل الشهرة ولأنه قدم الورقة باسم قسم وظائف الأعضاء وقدم بانتنج على أن مسؤول عن التجارب فحسب.

قصة اكتشاف الإنسولين: قصة تستحق القراءة

التجربة على البشر والحصول على جائزة نوبل

يوم 11 كانون الثاني 1922 ميلادي تم اختيار الشاب ليونارد ثومبسون (Leonard Thompson) وعمره 14 عامًا لتجربة اللقاح الجديد، وكان ثومبسون على حافة الموت من مضاعفات مرض السكري، فكان شديد الهزال، وشديد الجفاف، وحرارة جسمه مرتفعة جدًا وكانت نسبة الغلوكوز في الدم 440 ملليغرام/ديسيلتر.

حُقن ثومبسون بالإكسير الذي أطلق عليه اسم الأنسولين، وكان الجو ملؤه الترقب والخوف والأمل مرت الدقائق ببطء شديد، ولكن بعد ساعة انخفضت نسبة السكر في دم الشاب إلى 220 ملليغرام/ديسيلتر، واستمرت بالانخفاض إلى أن وصلت إلى 100 ملليغرام/ديسيلتر بعد 12 ساعة.

إذن فقد نجحت التجربة، لكن ثومبسون عانى من مضاعفات الحساسية الشديدة، ما اضطر د. بانتنج إلى وقف العلاج، لأنه استنتج أن العلاج بحاجة إلى المزيد من البحث، وبعد 12 يومًا من العمل استطاع الصيدلي كوليب تنقية محلول الإنسولين واستأنق علاج ثومبسون الذي كتبت له حياة جديدة.

تناقلت جميع وسائل الإعلام خبر هذا النجاح العظيم، فببعد أربعة آلاف سنة على معرفة الإنسان لهذا المرض القاتل أصبح له علاجًا فعالًا، وبهذا الإنجاز تصدرت صورة الدكتور بانتنج غلاف مجلة التايم (TIME).

عرف العالم الإنسولين والدكتور بانتنج، وتوالت النجاحات بعد ذلك، ففي عام 1923 تم علاج 25 ألف طفل وشاب بالإنسولين في كندا وأمريكا.

في يوم من الأيام جاء رجل أعمال أمريكي إلى د. بانتنج ليعرض عليه مليون دولار مقابل التنازل عن براءة اكتشاف الإنسولين، ورفض الطبيب ذلك، قائلا: اكتشف الإنسولين في كندا وسيبقى كنديًا وسيُعالج جميع مرضى السكري في العالم على هذا الأساس.

عندما أُعلنت أسماء الفائزين بجائزة نوبل عام 1923، أُعطيت الجائزة مناصفة للدكتور بانتنج وبروفيسور ماكليود، فرفض بانتنج ذلك قائلًا إن من كان ينام في المختبر مع الكلاب لم يكن ماكليود بل السيد بست، فرد عليه ماكليود إن من يستحقها حقًا هو الصيدلي كوليب، وهكذا اقتسم الأربعة جائزة نوبل للمرة الأولى في التاريخ.

قصة اكتشاف الإنسولين: قصة تستحق القراءة


من قبل
الدكتور قيس أبو طه

الأحد 15 كانون الثاني 2017


آخر تعديل –
السبت 23 تشرين الأول 2021


المرجع : webteb.com