بريطانيا: “رجل أوروبا البدين”

يعاني واحد من كل أربعة بالغين في بريطانيا من البدانة وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وبهذا أصحبحت “رجل أوروبا البدين”.

بريطانيا: "رجل أوروبا البدين"

المملكة المتحدة لديها أعلى مستوى بدانة في أوروبا الغربية متقدمة على دول مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والسويد وفقاً لتقرير عام 2013. اذ تضاعفت مستويات السمنة في المملكة المتحدة أكثر من ثلاثة أضعاف في الأعوام الـ30 الماضية، ووفقاً للتقديرات الحالية يمكن أن يعاني أكثر من نصف السكان من البدانة بحلول عام 2050

البدانة في الاتحاد الأوروبي

• المملكة المتحدة: 24.9٪

• أيرلندا: 24.5٪

• إسبانيا: 24.1٪

• البرتغال: 21.6٪

• ألمانيا: 21.3٪

• بلجيكا: 19.1٪

• النمسا: 18.3٪

• إيطاليا: 17.2٪

• السويد: 16.6٪

• فرنسا: 15.6٪

المصدر: إعلان الأغذية والزراعة 2013، منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

 وأُلقي باللوم في سبب الزيادة السريعة في البدانة على أنماط حياتنا الحديثة، بما في ذلك انتشار السيارة والتلفاز والحاسوب والوظائف المكتبية والأغذية ذات السعرات الحرارية العالية.

وكتب البروفيسور تيرينس ستيفنسون “المملكة المتحدة رجل أوروبا البدين” في تقرير عام 2013 حول أزمة البدانة الوطنية من قبل أكاديمية الكليات الملكية الطبية (AoMRC).

ويقول: “ليس من قبيل المبالغة القول بأنّها أكبر أزمة صحية عامة تواجه المملكة المتحدة اليوم”.

وتشمُل الآثار المترتبة على السمنة على صحتنا السكري وأمراض القلب والسرطان ويموت الناس دون داعٍ من الأمراض التي يمكن تجنبها.

أصبحت بريطانيا “مجتمع بدين” حيث زيادة الوزن أمر “عادي”. و هي نزعة ثلاثة عقود وسوف تستغرق عدة عقود إضافية لعكسها وفقا للخبراء.

اقرأ المزيد حول السمنة

وباء البدانة في أرقام

يعتبر الشخص زائد الوزن إذا كان لديه مؤشر كتلة الجسم (BMI) بين 25 و29، وتترافق السمنة مع مؤشر كتلة الجسم من 30 وما فوق.

في إنكلترا يعاني 24.8٪ من البالغين من البدانة ويعاني 61.7٪ أيضا إما من زيادة الوزن أو السُمنة وفقا لمركز معلومات الرعاية الاجتماعية والصحية.

مستويات السمنة اليوم أكثر بثلاثة أضعاف مما كانت عليه عام 1980 عندما كان فقط 6٪ من الرجال و8٪ من النساء مُصابين بالبدانة.

يزداد وزن معظم الناس الذين يعانون من السمنة تدريجياً بين أعمار 20 و40، ولكن تُشير بعض الاقتراحات إلى أن مسار البدانة يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة.

“الأطفال ذوي الوزن الزائد أكثر عرضة ليصبحوا بالغين زائدي الوزن”، وفقاً لقول سوزان جب أستاذة التغذية والصحة السكانية في جامعة أكسفورد.

ويعتقد أن خطر الإصابة بالسمنة يبدأ في سن مبكرة وتزيد السمنة في أحد الوالدين من خطر السمنة لدى الأطفال بنسبة 10٪. في عام 2011 كان حوالي ثلاثة من 10 فتيان وفتيات (من سن سنتين إلى 15) إما زائدي الوزن أو بُدُن، وكان حوالي 16٪ بُدُن. ارتفع عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13-19 سنة والذين أجروا جراحة لفقدان الوزن من واحد في السنة عام 2000 إلى 31 عام 2009.

كان للشمال الشرقي أعلى معدلات سمنة في انجلترا بنسبة 13.5٪ خلال 2011/12 في حين كان للجنوب الغربي أدنى مستويات عند 10.4٪. في تامورث في ستافوردشير حوالي 31٪ من الناس يعانون من السمنة  وتملك عنوان لا تحسد عليه لتدُعى أسمن مدينة في بريطانيا من قبل وسائل الإعلام.

“ترتبط السمنة ارتباطاً وثيقاً بمستويات الحرمان” يقول الدكتور أليسون تدستون مدير النظام الغذائي والسمنة في الصحة العامة في إنجلترا. “الارتباط قوي خاصةً عند الأطفال، والأطفال في المجتمعات الفقيرة أكثر عُرضة للسمنة بكثير”.

الدَّخل والحرمان الاجتماعي والعِرْق لها تأثير هام على احتمال الإصابة بالسمنة. على سبيل المثال النساء والأطفال في مجموعات اجتماعية واقتصادية منخفضة أكثر عُرضة للسمنة من أولئك الذين هم أغنى.

 

ما الذي يسبب أزمة البدانة؟

واجه بحث أجري مؤخراً  فكرة أنّ السمنة ببساطة هي نتيجة إفراط الفرد في تناول الطعام والجهد القليل جداً.

ازدياد السمنة ليس نتيجة إخفاق قوة الإرادة الوطنية. وقد أظهرت الدراسات أنّ البيئة لها تأثير كبير على قرارات الناس حول نمط حياتهم. والتي تعرف باسم “العوامل البيئية المسببة للسمنة “، وهي الأماكن، وغالباً في المناطق الحضرية التي تشجع على الأكل غير الصحي والخمول.

وقد ساهمت السيارة، والتلفاز، والحاسوب، والوظائف المكتبية، والأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، وذكاء تسويق المواد الغذائية بتشجيع الخمول والإفراط في تناول الطعام. “السمنة هي نتيجة رفاهية وراحة الحياة الحديثة إضافة لميل الجسم البشري لتخزين الدهون” يقول البروفيسور جب.

وقد أظهرت الأبحاث أنّ لدينا ميل طبيعي لتخزين الدهون وهي آلية البقاء على قيد الحياة التي ساعدت البشر البدائيين في المجاعة ونقص الغذاء. “توفًر الغذاء بسهولة بالنسبة لمعظم الناس أصبح في غمضة عين بمصطلح التطور” يقول البروفيسور جب.

يقضي البالغون حوالي ست ساعات يومياً مُنشغلين بكثرة الجلوس (مشاهدة التلفاز وغيرها من النشاطات أمام الشاشة، والقراءة وغيرها من الأنشطة ذات الطاقة المنخفضة). يقضي الرجال والنساء وسطيا 2.8 ساعة في مشاهدة التلفزيون خلال أيام الأسبوع ويرتفع إلى نحو ثلاث ساعات في عطل نهاية الأسبوع.

انخفض متوسط المسافة التي يمشيها الشخص لأغراض النقل من 255 ميل عام 1976 إلى 192 ميل عام 2003، في حين ازداد استخدام السيارات لأكثر من 10٪. على الرغم من أنّ الناس يسافرون أبعد للوصول للعمل، فإنّ واحدة من خمس رحلات والتي تكون أقل من ميل واحد تُجرى بواسطة السيارة.

“احتمال كونك نشيطاً يُصاغ حسب البيئة التي تعيش فيها” يقول البروفيسور جب. “على سبيل المثال من المرجح أن تركب دراجة إذا كان هناك ممرات آمنة ومُناسبة”.

وافق في 2008 فقط 39٪ من الرجال و29٪ من النساء والذين تتراوح أعمارهم بين 16 سنة وأكثر توصيات الحكومة لممارسة النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أسبوعيا. فيما بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من سنتين إلى 15، وافق الصبيان أكثر (32٪) من الفتيات (24٪)، التوصيات للقيام بساعة نشاط واحدة كل يوم.

“ندرك كمجتمع أنّ السُمنة تُمثّل تهديداً خطيراً للصحة كالتدخين”.

 

الطبيب أليسون تدستون

يزداد قضاء وقت الفراغ في المنازل في حين انخفضت الدوافع لقضائه في الهواء الطلق بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة وضعف الوصول إلى المساحات الخضراء والمرافق الرياضية.

وقد أدّت ساعات العمل الأطول والوظائف المكتبية الأكثر على مدى العقود الماضية إلى الحد من الفرص لأشكال أخرى من النشاط خلال يوم العمل.

ارتبطت الرضاعة الطبيعية والفطام الصحي والنظام الغذائي لدى الأم بانخفاض السمنة في وقت لاحق من الحياة على الرغم أنً السبب لم يوضَّح تماماً.

 

العواقب الصحية للسمنة

تزيد السمنة أو زيادة الوزن من خطورة عديد من الأمراض الخطيرة مثل مرض السكري من النمط 2، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والسكتة الدماغية، إضافة للسرطان.

“يموت الناس دون داعٍ من الأمراض التي يمكن تجنبها” كتب البروفيسور ستيفنسون في تقرير القياس لـ AoMRC.

مقارنة مع الرجل ذو الوزن الصحي، فالرجل البدين هو:

• خمس مرات أكثر عرضة لتطوير مرض السكري من النمط 2

• ثلاث مرات أكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون

• مرتين و نصف أكثر عرضة لتطوير ارتفاع ضغط الدم، عامل خطر رئيسي للسكتة الدماغية وأمراض القلب.

المرأة البدينة مقارنة مع امرأة ذات وزن صحي هي:

• 13 مرة أكثر عرضة لتطوير مرض السكري من النمط 2

• أربع مرات أكثر عرضة لتطوير ارتفاع ضغط الدم

• ثلاث مرات أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية

الناس من بعض الجماعات العرقية كجنوب أسيا أكثر عرضة لزيادة الوزن والسمنة، وأيضا أكثر عرضة للداء السكري من النمط 2 وغيرها من الأمراض المرتبطة بالوزن.

يُنقِص مؤشر كتلة الجسم من 30 إلى 35 متوسط العمر المتوقع بمعدل ثلاث سنوات، في حين ينقص مؤشر كتلة الجسم أكثر من 40 طول العمر بمعدل ثمانية إلى 10 أعوام، وهو ما يعادل التدخين مدى العمر.

“ندرك كمجتمع أنّ السُمنة تُمثّل تهديداً خطيراً للصحة كالتدخين”. يقول الدكتور تدستون.

اعتبرت البدانة مسؤولة عن حوالي 30000 حالة وفاة سنوياً في المملكة المتحدة، 9000 منها تحدث قبل سن التقاعد.

إلى جانب المرض يمكن أن تؤثر السمنة على قدرة الناس في الحصول واستمرار العمل واحترام الذات ورفاهيتهم والصحة العقلية.

 

ماذا نفعل حيال ذلك؟

يتطلب عكس نزعة السمنة من المجتمع ككل التفكير بشكل مختلف. يعني للحكومة والشركات خلق بيئة تشجّع على الأكل الصحي والنشاط البدني. يعني للأفراد والأسر تناول كميات أقل وحركة أكثر.

وسوف يتطلب تحولاً كبيراً في التفكير، وليس فقط من قبل الحكومة، ولكن من قبل الأفراد والأسر وقطاع الأعمال والمجتمع ككل.

لا يوجد حالياً بلد في العالم لديه استراتيجية شاملة طويلة الأجل للتعامل مع التحديات التي تفرضها السمنة.

كوبا هي البلد الوحيد الذي نجح بعكس مشكلة السمنة، لكنه كان نتيجة لحدوث انكماش اقتصادي غير متوقع في بداية تسعينيّات القرن الماضي. سبّب هذا نقصاً شديداً في الغذاء والوقود، مما أدى إلى فقد وزن بمتوسط 5.5 كغ لكل مواطن على مدار الأزمة الاقتصادية لخمس سنوات. خلال هذا الوقت كان هناك انخفاض كبير في انتشار الأمراض القلبية الوعائية والسكري من النمط 2 وأمراض السرطان والوفيات الناجمة عنها.

خلصت دراسة أجريت على أساس التجربة الكوبية أن المبادرات الوطنية التي تشجع الناس على أكل أقل ونشاط أكثر يمكن أن تكون فعالة في معالجة مستويات السمنة.

اعترفت الحكومة البريطانية أنّ الجهود السابقة لم تنجح في إحداث تغيير جذري وأنّ هناك حاجة إلى نهج جديد.

نشرت الحكومة عام 2011 “الحياة الصحية، الأشخاص الأصحّاء”، وهي وثيقة سياسية تحدد رؤيتها لكيفية عمل المجتمع ككل في إحداث تغيير جذري بحلول عام 2020. من الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمُساعدة الناس على اتخاذ خيارات صحية أكثر:

• نصح الناس بشأن الخيارات الغذائية الصحية وممارسة النشاط البدني من خلال البرنامج تغيير مدى الحياة Change4Life

• تحسين لصاقات التوسيم على الطعام والشراب لمساعدة الناس على اتخاذ الخيارات الصحية

• تشجيع المَتاجر في الشوارع الرئيسية على إدراج معلومات عن السعرات الحرارية على قوائم الطعام الخاصة بها حتى يتمكن الناس من اتخاذ خيارات صحية

• إعطاء الناس إرشادات عن مقدار النشاط البدني الذي يجب أن يقوموا به

وطلبت الحكومة أيضاً من المَتاجر القيام بدورهم في مساعدة الجميع، من الموظفين للعملاء، في اتخاذ خيارات صحية من خلال تعهدات صفقة المسؤولية Responsibility Deal.

ألتزم مصنعو المواد الغذائية وبائعو المفرق وقطاع الضيافة بخفض كمية الدهون والسكر والملح في المنتجات الغذائية الشعبية، وتشجيع الناس على تناول المزيد من الفاكهة والخضار، وتقليل حجم الوجبات ووضع معلومات السعرات الحرارية على القوائم.

كل واحد منا مسؤول في النهاية عن صحته. يجب أن نكون أحراراً في اتخاذ قرارات بشأن النظام الغذائي والنشاط البدني لأنفسنا وعائلاتنا.

“ولكن المتاجر الكبيرة ومصنعي المواد الغذائية يقومون مسبقاً بالخيارات بالنسبة لنا من خلال تقرير كمية الدهون والسكر في منتجاتها وأي المواد تُوَفّر وتُروّج” يقول البروفيسور جب.

“يمكن للحكومة أن تلعب دوراً إيجابياً في العمل مع القطاع الخاص لمساعدة الناس على اتخاذ خيارات صحية لمنع زيادة الوزن”.

وبالنظر إلى كل الأسباب الخارجية لوباء السمنة، بالنسبة للفرد، فإنها تتلخص في الرسالة البسيطة: لإنقاص وزنك، عليك أن تأكل أقل وتتحرك أكثر.

“لا يختار الناس أن يكونوا بُدُن”، يقول البروفيسور جب. “يحدث ذلك فقط لعدد من الأسباب. يجب أن نتوقف عن لوم الناس لكونهم بُدُن، وبدلاً من ذلك نقدم الدعم لهم في التحكم بأوزانهم.

“لدينا كل الإمكانات لنكون بُدُن. في البيئة التي نعيش فيها من السهل تناول طعام أكثر ونكون أقل نشاطاً. بعض الناس بحاجة إلى العمل بجد أكثر من غيرها في ضبط وزنها”.


من قبل
ويب طب –
الأحد 3 كانون الثاني 2016


آخر تعديل –
الخميس 14 كانون الثاني 2021


المرجع : webteb.com