عجبا لطيف خيالك المتعاهد – الشاعر البحتري

عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَعَاهِدِ،
وَلوَصْلِكِ المُتَقَارِبِ المُتَباعِدِ
يَدنُو، إذا بَعُدَ المَزَارُ، وَيَنتَوِي
في القُرْبِ، لَيسَ أخو الهوَى بمباعد
ماذا أرَادَ مُلِمُّ طَيفِكِ، في الكَرَى،
مِنْ وَاغِلٍ بَينَ الحَوَادِثِ شارِدِ
مُتَحَيِّرٌ يَغْدُو بعَزْمٍ قَائِمٍ
في كُلّ نائبة، وَجِدٍّ قَاعِدِ
مَنْ كانَ يَحمَدُ، أوْ يَذُمُّ زَمَانَهُ
هَذا، فَما أنَا للزّمَانِ بِحَامِدِ
فَقْرٌ كَفَقْرِ الأنْبِيَاءِ، وَغُرْبَةٌ،
وَصَبَابَةٌ؛ لَيسَ البَلاءُ بِوَاحِدِ
كُفّي، فقَدْ ألْهَاهُ، عن حَرّ الهوَى،
حَدَثٌ أطَلُّ مِنَ الهَوَاءِ البَارِدِ
كَيفَ المَقَامُ بِآمِدٍ وَبِلادِهَا،
مِنْ بَعْدِ ما شَابَتْ مَفارِقُ آمِدِ
ضَحِكَتْ، فأبكَتْ عَينَ كلّ مُمَوَّه،
مُتحملٍ تَحْتَ الضّرِيبِ الجَامِدِ
يا يُوسُفُ بنَ أبي سَعيدٍ، وَالغِنى،
للمُغْمَدِ العَزَماتِ، غَيرُ مُسَاعِدِ
لَوْ شِئْتَ لَمْ تُفْسِدْ سَماحةَ حاتمٍ
كَرَماً، وَلَمْ تَهْدِمْ مَآثِر خالِدِ