قلب مشوق عناه البث والكمد – الشاعر البحتري
قَلْبُ مَشُوقٍ عَناهُ البَثُّ وَالكَمَدُ،
وَمُقْلَةٌ تَبذُلُ الدّمْعَ الذي تَجِدُ
تَدْنُو سُلَيْمَى، وَلا يَدْنُو اللّقاءُ بها،
فيَسْتَوي في هَواها القُرْبُ وَالبُعُدُ
بَيضَاءُ لا تَصِلُ الحَبلَ الذي قَطعتْ
مِنّا، وَلا تنجز الوَعْدَ الذي تَعِدُ
ظُلْمٌ مِنَ الحُبّ أنّا لا يَزَالُ لَنَا
فيهِ دَمٌ، مَا لَهُ عَقْلٌ وَلا قَوَدُ
هَلْ تُلْقيَنَي وَرَاءَ الهَمّ يَعْمَلَةٌ
مِنَ العِتاقِ، أمُونٌ، رَسلَةٌ، أُجُدُ
أوْ أشكُرَنّ أبَا نُوحٍ بأنْعُمِهِ،
وَكَيفَ يشكُرُ ما يَعيا بهِ العَدَدُ
ألحَقْتَني برجال كُنْتُ أتْبَعُهُمْ،
وَأطْلُبُ الرّفدَ منهُمْ، إنْ همُ رَفدوا
فصِرْتُ أُجدي كمَا كانَتْ سَرَاتُهُمُ
تُجدي، وَأحمَدُ إفضَالاً كما حمِدوا
مُقَسِّماً نَشَبي في عُصْبَتَيْ طَلَبٍ:
فعُصْبَةٌ صَدَرتْ، وَعُصْبَةٌ تَرِدُ
آلَيْتُ لا أجعَل الإعدام حَادِثَةً
تُخشَى، وَعيسَى بنُ إبراهيمَ لي سَنَدُ
قَدْ أخلَقَ المَجدُ في قَوْمٍ لنَقصِهِمِ
عَنْهُ، وَأخْلاقُهُ مَرْضِيّةٌ جُدُدُ
مَا إنْ تَزَالُ يَداهُ تُولِيانِ يَداً
بَيضَاءَ، أيْديهِمُ عَنْ مِثلِها جَمَدُ
موَفَّقٌ ما يَقُلْ فَهُوَ الصّوابُ جرَى
رَسْلاً، ومَا يَرْتَئيهِ الحَزم وَالسّدَدُ
يُؤيّدُ المُلْكَ مِنْهُ نُصْحُ مُجْتَهِدٍ
لله يُسْرِعُ بالتّقْوَى وَيَتّئدُ
مُباشِرٌ لصِغَارِ الأمْرِ، لا سَلِسٌ
سَهْلٌ، وَلا عَسِرُ التّنفيذِ، مُنعَقِدُ
وَلا يُؤخّرُ شُغْلَ اليَوْمِ يَذْخَرُهُ
إلى غَدٍ، إنّ يَوْمَ الأعجَزِينَ غَدُ
مُحَسَّدٌ بِخلالٍ فيهِ فاضِلَةٍ،
وَلَيسَ تَفترِقُ النَّعمَاءُ، والحَسَدُ
الله جَارُكَ مَكْلُوءاً، وَمُمْتَنِعاً
من الحَوادثِ، حتّى يَنفَدَ الأبَدُ
إذا اعتَلَلْتَ ذَمَمْنا العيشَ وَهوَ نَدٍ،
طَلْقُ الجَوانِبِ، ضَافٍ، ظِلُّهُ رَغَدُ
لَوَ أنْ أنْفُسَنَا اسطاعَتْ وُقيتَ بها،
حتّى تكونَ بنا الشّكْوى التي تَجِدُ
ما أنْصَفَ الأسَدُ الغَادي مُخاتَلَةً،
وَالرّاحُ تَسرِي، وَجُنحُ اللّيلِ محْتشدُ
وَلَوْ يُلاقيكَ صُبحاً مُصحِراً لَرَأى
صَرِيمَةً، يَنثَني عَنْ مِثلِها الأسَدُ
وَصَدّهُ عَنْكَ عَزْمٌ صَادقٌ، وَيَدٌ
طَويلَةٌ، وَحُسامٌ صَارِمٌ يَقِدُ