التَّمارين القوية تقي من الموت المُبكِّر
تُفيد الهَبَّات القصيرة من التّمارين القويّة في الوقاية من الموت المُبكِّر، “هذا ما ذكرتهُ صحيفة الإندبندنت، اليك تفاصيل الدراسة:
وجدَت دراسة أستراليَّة بأنّ التمارين القوية، مثل المشي السريع، تُنقص خطر الموت المُبكِّر. تضمنَّت الدِّراسة بالغينَ بعُمر 45 إلى 75 عَام، تمَّت مُتابعتَهم خلال 6.5 سنة. فكان الذين مارسوا نشاطاً بدنيَّاً أكثر قوةً (كجزءٍ من مستويات نشاطِهم الإجمالي المُعتدِل إلى القويّ) أقلَّ عُرضةً للموتِ خلال فترة المُتابعة مقارنة بالذين لم يمارسوا أيّ نشاطٍ بدنيٍّ قويٍّ.
صُمِّمت هذه الدراسة الكبيرة جيّداً، وحاول الباحثون أيضاً أخذ العوامل المُؤثِّرة على النّتائج (المُربِكَات) بالحسبان. لكن كَكُلّ الدّراسات، توجد بعض العوائق – على سبيل المِثال، سأَل الباحثون عن النّشاط البدنيِّ مرَّةً واحدةً فقط لكن قد يتغيَّر النشاط البدني مع مرور الوَقت.
تؤكِّد النتائج أيضاً الفوائدَ المُثبتَة للتّمرين، بغض النّظر عن مقدار التّمارين القويّة، وتدعم التّوصيات الحاليَّة حول مِقدار النّشاط البدنيِّ الّذي يَتوجَّب أن يقوم به الناس.
قد يجلِب إجراء بعض التمارين العنيفة بعض الفوائِد، لكن من الهامِّ أن يضَع النَّاس لأنفُسِهم أهدافاً واقعيَّةً يُمكِنُهم إنجازَها بأمان.
ما هو مصدَرُ الدِّراسة؟
أجرى الدِّراسة باحثون من جامعة جيمس كوك وجامعاتٍ أُخرى في أُستراليا. ومَوّلَتها مؤسَّسة القلب الأستراليَّة. نُشِرت الدِّراسة في المجلَّة الطبيَّة المُحكَمَة للطّب الباطني JAMA.
كانت تغطية الصُّحف مُتقلِّبة. فمع أنّ كُلّ الصُّحف صَائبةٌ في قولِها بأنّ التّمارين العنيفة قد تكون مُفيدَة، إلّا أنّه يوجد بعضُ الأخطاء في التقارير. يقول العنوان الرئيسي لصحيفة الديلي تلغراف أنّ ” السِّباحة أو أعمال البَستنة أو الغولف غيرُ كافيةٌ للوقاية من الموت المُبكِّر”، وهو أمرٌ خاطِئ.
حيث تُصنَّف السِّباحة الخفيفة وأعمال البَستنة المُجهدة ضمن النّشاطات البدنيَّة المُعتدِلة، وحتَّى الذين مارسوا النّشاط البدنيّ المُعتدِل كان خطر موتهم أقلّ من غير المُمارسين للنّشاط البدنيّ المُعتدِل أو القويّ على الإطلاق.
تحدَّثت التلغراف أيضَاً عن التّأثير على أمراض القلب وداء السّكري، ولكن لم تُقيَّم هذه النّتائج في هذه الدِّراسة.
وضعت الديلي إكسبرس اقتباسَاً مفيداً بأنّه ” لا يوجد شَكٌّ بأنّ بعض التَمَرُن أفضلُ من لا شيء. ولكن كُلّما كان النّشاط البدنيّ أشدّ، كان احتمال مُمَارسته مَرةً ثانيةً أقل، إذاً فالسّؤال هوَ: كيف يُمكن دفع النّاس لمُمارسَة بعض التّمرين – ومن ثُم دفعُ من يتمرّن قليلاً إلى التمرُّنِ أكثر قليلاً؟”
لكنهم أدرجوا في نهاية القصّة فيديو “لفتى بدين يرقُص مُرتديَاً السبيدو وهو ذاهبٌ إلى النَّادي الرياضيّ في العُطلة” من أجل تسلية النّاس، وهو أمرٌ لن يُشجِّع الآخرين على الأغلب لإجراء التّمارين.
أشارت صحيفة الإندبندنت إلى أنّ “الهبَّات القصيرة” من التَّمارين القويَّة قد تكون مُفيدة، ولكن الدِّراسة ذاتها لم تُقيِّم طول هذه الهبَّات.
اشتملت المقالة العلمية على تحذيرٍ من أحد مؤلِّفي الدِّراسة، الَّذي قال أنّه، “مِن المُهمِّ أن يتكلَّم المُصابون بحالاتٍ طبيّةٍ والمُسنِّون عموماً والذين لم يمارسوا أيَّ تمرينٍ قويٍّ سَابقاً إلى طبيبهم أولاً.”
ما نوع هذا البحث؟
كان هذا البحث دراسةً حشديّةً استباقيَّةً تقيِّم الصلة بين زيادة النشاط البدنيّ المُعتدل إلى القويّ (بخاصّةٍ التمارين القويَّة) وانخفاض خطَر الموت خلال مُتابعة المُشاركين.
بينما نعلَم أنّ النّشاط البدنيّ يرتبطُ بحياةٍ أطوَل، لكن من غيرُ الواضحٍ إن كان النَّشاط القويّ أفضل من المُعتدِل.
في حين أشارت مُراجعة مَنهجيَّة سابقة إلى أنّ النّشاط القويّ قد يُخفض خطر الموت أكثر من النّشاط المُعتدل، إلّا أنّه لم تأخُذ بعض الدِّراسات بالحِسبان إجماليّ النّشاط البدنيّ.
وهذا يعني أنّ هذه الدِّراسات لا تستطيع استبعاد أنّ بعضَ تأثيرات التَّمارين القويَّة ناجمة عن أنّ الأشخاص الّذين مارسوا مزيداً من النشاط القويّ كانوا أكثر مَيلاً لمُمارسَة النَّشاط البدنيِّ عُموماً.
أرادَت الدِّراسة الحاليّة تجنُّب هذه المُشكلة. فالدِّراسة الحشديَّة الاستباقيَّة أفضل طريقةٍ لتقييم هذا السّؤال. في حين أن تنفيذُ دراسةٍ مضبوطَة مُعشَّاة للإجابة على هذا السُّؤال بنجاح أمرٌ لا يمكن تحقيقه بسهولة، لأنَّه من الصَّعب الحصول على أشخاصٍ يرضونَ الالتزامَ بنموذجٍ تدريبيٍّ مُعيَّن لمُدَّةٍ طويلةٍ.
ولكن المُعوِّق الأساسي للدّراسة الحشديَّة هو أنّ العوامل الأُخرى غير العامل المدروس (مثل النَّشاط الإجمالي، في هذه الحَالة)، قد تؤثِّر على النّتائج، لذا يحتاج الباحثون لأخذ هذه العوامل بالحِسبان أثناء تحليلهم.
ماذا تضمَّن البحث؟
أدرجَ الباحثون في دراستِهم مجموعةً من البالغين بعُمر 45 وأكثر من مدينة نيو ساوث ويلز. سُئِل المُشاركون في بداية الدِّراسة عن مقدار النَّشاط البدنيّ الّذي مارسوه وعن درجة قوَّتِه.
ثُمَّ تمَّت مُتابعتَهُم خلال 6.5 سنة، وسَجّل الباحثون أسماء الوفيّات خلال هذه المُدَّة.
ثُمَّ حلَّل الباحثون فيما إذا كانت نسبة النشاط القويِّ إلى المُعتدِل الإجمالي الذي قام بهِ المُشارك مُرتبطةً بخطر الموت عندَه.
سُجِّل المُشاركون كجزءٍ من دراسة بالغين بعمر 45 وأكثر بين عامي 2006-2009. اختِير المُشاركون المُحتملُون عشوائيّاً من قاعدة بيانات التّأمين الطِّبي الوطني في أستراليا (Medicare)، والَّتي تَضُم كُلّ المُواطنين بالإضافة للمُقيمين الدّائمين في أستراليا.
لم تتضمَّن هذه الدِّراسة أشخاصاً فوق عُمر ال75، لأنَّها مُهتمَّةٌ بشكل أساسيّ بحالات الوفاة المُبكِّرة التي يُمكن منعَها.
مَلَأ المُشاركون استبيانَاً في بداية الدِّراسة عن نشاطهم البدنيّ الإجماليّ المُعتدِل إلى القويّ في الأسبوع الماضي. وسُئِلُوا عن مِقدار هذا النّشاط:
- القويّ – أيُّ شيءٍ يجعلُ المرءَ يتنفَّس بصعوبةٍ أو يلهَث، مثل الركض، أو ركُوب الدرَّاجة، أو التّمارين الهوائيَّة أو مباريات التّنس التنافُسيَّة، لكن ليس الأعمال المنزليَّة أو البستَنة
- المُعتدِل – السِّباحة الخفيفة أو التِّنس الاجتماعي أو البَستنة أو الأعمال المنزليَّة المجهدة
وسَجَّل المُشاركون أيضاً مقدار المشي الذي مَشوه، وتمَّ ضمه إلى نشاطهم البدنيّ الإجماليّ القوي إلى المعتدل.
سُجِّلت الوفيّات منذ بداية الدِّراسة وحتَّى شهر حزيران من عام 2014 من خلال مكتب تسجيل الوِلادات والوفيَّات والزّواج في مدينة نيو ساوث ويلز.
شَمَل التحليل الأساسيّ في هذه الدِّراسة 204,542 شخص سُجِّلَ إجراءَهُم ولو قليلاً من النَّشاط البدنيَّ المُعتدِل إلى القويّ. وأخذَ الباحثون بالحسبان العوامل المُؤثِّرة على النّتائج (المُربِكات المُحتمَلة)، وتتضمَّن:
- النَّشاط البدنيّ الإجماليّ المُعتدِل إلى القويّ.
- العُمر
- الجنس
- المستوى الثّقافي
- الحالة الاجتماعيَّة
- مكان الإقامة (المدينة أو الريف)
- مُشعر كتلة الجسم (BMI)
- الوظيفة الجسديَّة (هل يعاني المشارك من أي معوِّقات جسديّة)
- حالة التّدخين
- استهلاك الكحول
- استهلاك الخُضار والفواكه
ماذا كانت النتائج الأساسيّة؟
مات أثناء الدِّراسة 7,435 شخص من أصل 217,751 مُشارك.
- 8.3% من الوفيّات لم تُجري أيّ نشاطٍ بدنيٍّ مُعتَدلٍ إلى قويّ
- 4.8% منها أجرَت نشاطاً إجماليّاً مُعتَدل إلى قويّ لمُدَّة 10 إلى 149 دقيقة أسبوعيّاً
- 3.2% منها أجرَت نشاطاً بدنيّاً مُعتَدل إلى قويّ لمُدّة 150 إلى 299 دقيقة أسبوعيّاً
- 2.6% منها أجرَت نشاطاً بدنيَّاً مُعتَدل إلى قويّ لمُدّة 300 دقيقة أو أكثر أسبوعيّاً
وبعد أخذ العوامل المُربِكة بالحسبان، هذا يعني أنّه بالمقارنة مع الّذين لم يُجروا أيّ نشاطٍ بدنيٍّ معتدل إلى قوي كان خطر الموت أثناء المُتابعة لمُدّة 6.5 سنة:
- أخفض بنسبة 34% عند الَّذين مارسوا نشاطاً بدنيّاً معتدلاً إلى قوي لمُدّة 10 إلى 149 دقيقة أسبوعيَّاً (نسبة المخاطر [HR] 0.66، وحدود الثِّقة 95% [CI] من 0.61 إلى 0.71)
- أخفض بنسبة 47% عند الّذين مارسوا نشاطاً بدنيَّاً معتدلاً إلى قوي لمُدَّة 150 إلى 299 دقيقة أسبوعيّاً (نسبة المخاطر [HR] 0.53، وحدود الثِّقة 95% [CI] من 0.48 إلى 0.57)
- أخفض بنسبة 54% عند الّذين مارسوا نشاطاً بدنيّاً معتدلاً إلى قوي لمُدّة 300 دقيقة أو أكثر أسبوعيّاً (نسبة المخاطر [HR] 0.46، وحدود الثِّقة 95% [CI] من 0.43 إلى 0.49)
أما لدى الّذين مارسوا على الأقل بعض النّشاط البدنيّ المعتدل إلى القوي، فقد ارتبطَت ممارسة المزيد من النّشاطات التي تصنف كنشاطٍ قويّ بانخفاض خطَر الموت أثناء المُتابعة:
- مات 3.8% من الّذين لم يمارسوا أيّ نشاطٍ بدنيٍّ قوي.
- مات 2.4% من الّذين مارسوا نشاطاً بدنيّاً قوياًّ تُقدَّر نسبتَه بأقل من 30% من النّشاط البدنيّ الإجماليّ المعتدل إلى القوي – انخفضَت النسبةُ بمقدار 9% عن الّذين لم يمارسوا أيّ نشاطٍ قويٍّ (نسبة المخاطر [HR] 0.91، وحدود الثِّقة 95% [CI] من 0.84 إلى 0.98)
- ومات 2.1% من الّذين مارسوا نشاطاً بدنيّاً قويّاً تُقدَّر نسبتَه ب 30% أو أكثر من النَّشاط الإجمالي المعتدل إلى القوي – انخفضت النسبة بمقدار 13% عن الّذين لم يمارسوا أيّ نشاطٍ قويٍّ (نسبة المخاطر [HR] 0.87، وحدود الثِّقة 95% [CI] من 0.81 إلى 0.93)
وجد الباحثون نتائج مُشابِهة عندما درَسُوا أشخاصَاً لديهم قيَم مُختلفة من مُشعر كتلة الجسم، ولدى دراسة الذين مارسوا كميَّات مُختلفة من النّشاط البدنيّ المعتدل إلى القوي ولدى دراسة الأشخاص المُصابين أو غير المُصابين بأمراض قلبيَّة وعائيّة أو بالسّكري.
كيف فسَّر الباحثون النّتائج؟
استنتجَ الباحثون وجودَ “علاقة عكسيَّة بين الاستجابة [الموت] والمقدار [مقدار التمارين الرياضية]” وذلك بين نسبة النّشاط البدنيّ المعتدل إلى القوي المُنجَز كنشاطٍ قويٍّ وخطر الموت أثناء المُتابعة.
وقالوا: “تُشير هذه النتيجة إلى أنّه يتوجّب إدراج النّشاط البدني القويّ في الدّلائِل الإرشاديّة للصحّة السريريّة والصحة العامّة لزيادة منافع المجتمع من النشاط البدنيّ.”
اقرأ حول: فوائد ممارسة النشاط البدني والرياضة
الخُلاصة
تُشير هذه الدِّراسة الكبيرة إلى أنّ ممارسة المزيد من النشاط البدنيّ الإجماليّ المعتدل إلى القوي كنشاطٍ قويٍّ قد يُفيد في إنقاص خطَر الموت في مُنتصف العمر أو أكبر.
أحد أسباب قوَّة هذه الدِّراسة حجمُها، بمشاركة أكثر من 200,000 شخص. كما أن جمعَ المعلومات حول النّشاط البدنيّ المُنجَز تمّ عند بداية الدراسة بدلاً من طلبِ أن يتذكر المشاركون ما قاموا به في الماضي، أمرٌ مُفيدٌ أيضاً.
حاول الباحثون أيضاً أخذ العوامل الّتي من المُحتمل أن تُؤثِّر على نتائجهم بالحسبان، مُتضمِّنةً الحالات الطبيَّة القلبيَّة الوعائيَّة مثل الداء القلبي التاجيَ أو الحالات الأخرى الّتي تُنقِص مَقدرةَ المرءِ على القيام بالنشاط البدني مثل النمط الثّاني من الدّاء السكري.
ولكن كَكُلّ الدراسات، توجد بعض العوائق:
- فقد سأل الباحِثون عن النّشاط البدني مرَّةً واحدةً فقط، ومن المُمكن أن تختلف نشاطات المرء قبل أو بعد الأسبوع الذي قيَّمَهُ الباحثون.
- شملت الدِّراسة من هُم بعمر 45 إلى 75 عام فقط وقد لا تنطَبِق النتائج على الأكبر سِنَّاً.
- سُجِّلت كلّ تدابير نمط الحياة من قبل المُشاركين أنفسهم، وبالتّالي قد يكون بعضُها غير دقيقاً – وقال المؤلِّفون يميل الأشخاص إلى تسجيل النّشاط القويّ أكثر من باقي أنواع النّشاطات.
- قد لا تزال النّتائج مُتأثِّرة بالعوامل المُربِكة الّتي لم يقيسُها المُؤلِّفون – على سبيل المثال، تم تقييم مدخول الخضار والفواكه فقط كعلامةٍ على النّظام الغذائيّ الصحّي، لكن قد تؤثر نواحي النظام الغذائي الأخرى أيضاً.
في حين تُشير النتائج إلى أنّ كثرة النّشاط البدني القوي مُفيدة، تُوجد بعض النِّقاط الّتي يتوجَّب التفكير فيها. على سبيل المثال، من المُمكن أنّ الّذين مارسوا نشاطاً قويّاً أكثر قد أجرَوا نشاطاً قويّاً أكثر في سنوات شبابهم أيضاً، وقد يكون عامل الثّبات على النشاط البدني القويّ هو العامل الأهم.
لم تُقارِن الدِّراسة أيضاً النشاط المُعتدِل مع النشاط القويّ مباشرةً. وتلزَم أبحاث إضافيّةٌ لتقييم هذا الأمر وأسئلة أخرى.
تُلقي النّتائج الضّوءَ على التّأثير المُفيد لممارسة بعض النّشاط البدني المُعتدِل إلى القويّ، بغضّ النّظر عن نسبة النشاط القويّ فيه. وهذا ما يدعم التوصيات الحاليَّة حول ممارسة التمارين الرياضيَة.
في حين قد يُضيف بعضُ النشاط القويِّ بعض الفوائِد، من المُهم أن يضعَ الناسُ لأنفُسهم أهدافاً واقعيّةً يُمكن إنجازُها بأمان.
المرجع : webteb.com