هل يؤثر تاريخ ميلادك على مخاطر المرض؟

هل من الممكن أن يرتبط تاريخ ميلادك باصابتك باحد الأمراض؟ هذا ما قامت ببحثه الدراسة الاتية:

هل يؤثر تاريخ ميلادك على مخاطر المرض؟

ذكرت تقارير هافينغتون بوست “اكتشف العلماء وجود رابط مثير للدهشة بين شهر الميلاد ومخاطر الأمراض”. وباستخدام تقنيات استخراج البيانات على 1.7 مليون من السجلات الطبية الإلكترونية، اكتشف باحثون أمريكيون وجود ارتباط بين شهر الميلاد وبعض الأمراض المزمنة، فضلا عن الحالات الأقل خطورة مثل لدغ الحشرات.

وقد وجد أن خمسة وخمسين مرضا من الأمراض يرتبطون بشهر الميلاد – 19 ذكروا في المنشورات السابقة، و 20 حالة ذو علاقات وثيقة مع تلك التي ذكرت سابقا و 16 ذات ارتباطات جديدة.

وكانت الارتباطات الحديثة ذات مجموعة مختلطة، بدءا من مختلف الأمراض القلبية الوعائية (مثل ارتفاع ضغط الدم وفشل القلب) وسرطان البروستاتا، إلى الحوادث مثل الكدمات ولدغات الحشرات.

ويتكهن الباحثون، استنادا إلى النتائج التي توصلت إليها الدراسات الأخرى، لمعرفة سبب إسهام العوامل الموسمية في خطر الإصابة بأمراض محددة، مما يشير إلى أنها يمكن أن تكون نتيجة التعرض لمستضدات مثل حبوب اللقاح والمستويات المتفاوتة لفيتامين د، وربما ينضم إلى ذلك عمر الطفل عندما دخول المدرسة. وقد ينضم إلى ذلك أيضا بأي صلة العديد من العوامل التي لم يتم قياسها.

وعموما، فإن هذه الدراسة ليست دليلا على أن ميلادك في شهر معين يعني أنك أكثر أو أقل عرضة للإصابة بأي مرض معين.

ولكن هناك طرق فعالة يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة في المراحل اللاحقة من الحياة. وتشمل هذه الطرق الإقلاع عن التدخين، وشرب الكحول باعتدال، والحفاظ على الوزن الصحي من خلال إتباع نظام غذائي وممارسة الرياضة. وتساعد هذه الخطوات على الحفاظ على المستوى الصحي للكوليسترول وضغط الدم.

من أين نشأت القصة؟

وقد أجرى هذه الدراسة باحثون من جامعة كولومبيا وقام بتمويلها المكتبة الوطنية لمنح التدريب الطبي.

تم نشر هذه الدراسة في مجلة مراجعة الأقران للجمعية المعلوماتية الطبية الأميركية. وقد نشرت هذه الدراسة على أساس الوصول المفتوح، لذلك فمن المجاني قراءة هذه الدراسة على الانترنت أو تحميلها كملف بي دي إف.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه قد تم تم تغطية هذه القصة على نطاق واسع من قبل الصحافة. كما أن معظم المصادر سلكت منهج القلب الخالي واللسان المازح، بالإضافة إلى قول مترو: “انه لا يزال غير مفهوم بشكل تام لماذا ينبغي أن يكون هذا – ولكن ليهتف لك فقط ، ويشار هنا إلى أن تقويم الأمراض يدل على أنك في خطر متزايد للإصابة بمرض ما، استنادا إلى موعد ميلادك.”

ما هو نوع هذا البحث؟

تهدف هذه الدراسة المنمذجة إلى استكشاف العلاقة بين موسم أو شهر الميلاد ومخاطر المرض مدى الحياة.

وقد قام الباحثون بتنفيذ دراستهم باستخدام بيانات السجل الصحي التي تم جمعها من قاعدة البيانات الكبيرة للمركز الطبي بالولايات المتحدة. ويقولون أنه قد ركزت دراسات مماثلة على البحث في الارتباطات بأمراض معينة، حتى في بعض الأحيان لا يتم البحث في الأمراض النادرة.

ولهذا السبب، لم يقوموا بتنفيذ هذا البحث بالمصاحبة مع أي نظرية معينة مأخوذة في الاعتبار، ولكن تهدف فقط إلى البحث في أي ارتباطات تم اكتشافها عند البحث في ملايين السجلات.

وغالبا ما يشار إلى هذا التحليل الذي يتم على نطاق واسع لقطع البيانات الضخمة باستخراج بيانات. ومما تجدر الإشارة إليه أن استخراج البيانات يستخدم الآن على نطاق واسع بفضل التحسينات في سرعة أجهزة الكمبيوتر الحديثة وإمكاناتها.

وجدير بالذكر أن هذه الدراسة جيدة للنظر في الارتباطات على نطاق واسع، لأنها يمكن أن تشمل عدد كبير من الأمراض.

ولكن بدون اختبار أي نظرية معينة – مثل التعرض X يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض Y  – ولا يمكن أن تعطينا الدراسة إلا ملاحظات وارتباطات فقط. وقد لا تكون هذه الروابط سببية، ويمكن أن تتضمن العديد من العوامل الأخرى التي لم يتم قياسها في أي من الصلات التي تم اكتشافها.

الذي تتضمنه هذه الأبحاث؟

وقد سمى الباحثون منهجهم بدراسة الارتباطات الموسمية الواسعة، وهي عبارة عن لوغاريتمات للبحث عن الأمراض ذات الارتباطات الموسمية.  

وقد استخدم الباحثون بيانات السجل الصحي من المركز الطبي لجامعة كولومبيا، حيث تم تسجيل الأمراض باستخدام الرموز القياسية للأمراض (التصنيف الدولي للأمراض النسخة 9،آي سي دي – 9) التي تم تعيينها من ثم إلى رموز محددة وضعت لقاعدة البيانات هذه (التسمية المنهجية لمصطلحات الطب السريري).

ويقال إن هذه الطريقة للترميز تلتقط مزيد من المعلومات الطبية أكثر من ترميز التصنيف الدولي للأمراض – 9، وقد تم تصميمه ليكون قابلا للانتقال عبر المؤسسات، والتي من شأنها تعزيز تبادل البيانات.

وقد تم استخراج كافة البيانات للأفراد الذين ولدوا بين عامي 1900 و 2000 – بما يعادل 1749400 شخ – الذين تلقوا العلاج في المركز الطبي لجامعة كولومبيا بين عامي 1985 و2013. ويبلغ متوسط ​​أعمارهم (الوسيط) 38 عاما.

وقد تم تحليل هذه البيانات للتحقق ما إذا كان الاختلاف سنوي، ويقوم على الجنس في توزيع شهر الميلاد من شأنه أن يؤثر على النتائج. وقد اكتشف أن هذا يكون حدا أدنى.

وتم التحقيق في الارتباطات بين شهر الميلاد وجميع الحالات المسجلة. وقد تم استخدام مجموعة مراقبة من الأفراد الذين تم أخذ عينة عشوائية منهم من نفس السكان بدون أي مرض لمقارنة معدل المواليد الشهري بين الحالة ومراقبة السكان لكل حالة.

واستكملت الدراسة عن طريق البحث في المنشورات لتحديد الدراسات الأخرى التي نظرت أيضا في الصلات والروابط التي بين شهر الميلاد والمرض لنرى كيف يتم مقارنة نتائج دراسة الارتباطات الموسمية الواسعة.

ما هي النتائج الأساسية؟

اكتشف الباحثون أن هناك 55 نوعا من الأمراض يعتمد بشكل كبير على شهر الميلاد. وقد تم الإبلاغ عن تسعة عشرة مرض في المنشورات – 20 ذو علاقة وثيقة بتلك التي ذكرت، و 16 والتي لم تسجل سابقا.

وقد شملت الارتباطات الـ 16 التي لم تسجل سابقا تسعة ارتباطات تتعلق بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل الرجفان الأذيني، وارتفاع ضغط الدم وفشل القلب. وقد تضمن ما تبقى مجموعة مختلطة من الحالات الأخرى، بدءا من سرطان البروستاتا إلى السعال ونزلات البرد والأمراض المنقولة جنسيا، والكدمات ولدغات الحشرات غير السامة.

وعموما، فقد كشفت الدراسة أن معظم الارتباطات تتعلق بمواليد شهر أكتوبر وأقلها يتعلق بمواليد شهر مايو. وقد وجد أن مواليد شهري يوليو وأكتوبر أكثر عرضة للإصابة بمرض الربو، في حين أن مواليد شهر نوفمبر أكثر احتمالا للإصابة بمرض قصور الانتباه وفرط الحركة. بينما كان مواليد شهر مارس أكثر عرضة للإصابة بمشاكل القلب، في حين أن مواليد الشتاء عرضة للإصابة بالمشاكل العصبية.

كيف يفسر الباحثون النتائج؟

وخلص الباحثون إلى أن “دراسة الارتباطات الموسمية الواسعة تؤكد العديد من الارتباطات المعروفة بين شهر الميلاد والأمراض، بما في ذلك: الأداء التناسلي، وقصور الانتباه وفرط الحركة، والربو، والتهاب القولون [التهاب الأمعاء]، وأمراض العين، والتهاب الأذن الوسطى (عدوى الأذن)، وفيروس الجهاز التنفسي الخلوي [السبب الشائع لالتهاب الصدر عند الأطفال الصغار].
وقد ذهب الباحثون إلى التصريح بأنهم اكتشفوا 16 من الارتباطات التي تتعلق بشهر الميلاد التي لم تجر دراستها بشكل صريح من قبل، والتي يتعلق تسعة منها بحالات القلب والأوعية الدموية.

الخاتمة

استخدمت هذه الدراسة المنمذجة قاعدة البيانات الكبيرة للمركز الطبي بالولايات المتحدة لاستكشاف العلاقة بين شهر الميلاد ومخاطر الإصابة بالأمراض مدى الحياة. وقد وجدت الدراسة عدد من الارتباطات بين شهر الميلاد ومخاطر الإصابة بالأمراض، والتي قد ذكر بعضها سابقا في المنشورات، فضلا عن ارتباطات أخرى جديدة.

في حين أن هذه النتائج مثيرة للاهتمام، فإن هذه الدراسة لا يمكن لها إلا أن توضح الملاحظات والارتباطات فقط. ولا تقدم الدراسة دليلا على أن الميلاد في أي شهر معين من الشهور هو السبب المباشر للإصابة بأي مرض من الأمراض في المستقبل.

وقد يكون هناك العديد من العوامل التي لم يتم قياسها وراء أي صلة بين مخاطر المرض وشهر الميلاد. ولم تكن الدراسة قادرة على النظر إلى التفاعلات أو استكشاف تأثير الجيني أو الطبي أو نمط الحياة أو التأثيرات البيئية مدى الحياة على أي فرد من الأفراد.

وعلى الرغم من أن هذه الدراسة بها نقاط قوة والتي تتمثل في أنها تستخدم قاعدة بيانات طبية كبيرة حيث تم ترميز الحالات وفقا لنظام صالح، إلا أن هذه البيانات من مصدر واحد فقط. وتمثل النتائج أناس من منطقة واحدة فقط في الولايات المتحدة، وقد لا يمكن تعميمها على المناطق أو البلدان الأخرى.

وقد تناول الباحثون هذه المسألة وصرحوا بأن الآثار التي تمت ملاحظتها هي على الأرجح نتيجة للتغيرات المناخية في المنطقة قائلين بأن النتائج التي توصلوا إليها يمكن أن تكون أكثر مماثلة لأجواء شمال أوروبا. ويأمل الباحثون أن توصيات نمط الحياة والنظام الغذائي يمكن أن تسحب أحد الإرتباطات.

ولكن ينبغي أخذ التغطية الإعلامية لهذه الدراسة، التي تشير إلى أن الشهر الذي ولدت فيه هو سبيل للتنبؤ عن كيف سيصبح المرء مريضا أو يموت، بحذر شديد في هذه المرحلة. وستكون هناك حاجة في المستقبل إلى بحث لمعرفة ما إذا لوحظت نفس الروابط في الدراسات التي أجريت في مناطق مختلفة، ومن ثم يتم استكشاف الأسباب المحتملة وراء هذه الارتباطات.

أما في الوقت الراهن، فإن هذه الدراسة لا تقدم دليلا على أنه كونك ولدت في شهر معين فهذا يعني أنك أكثر أو أقل عرضة للإصابة بأي مرض معين.

ولا يوجد شيء يمكنك فعله حيال الشهر الذي ولدت فيه، ولكن يمكنك اتخاذ خطوات للحد من خطر الإصابة بالأمراض في الحياة اللاحقة: عليك إتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتجنب التدخين، وتعاطي الكحول باعتدال، والحفاظ على الوزن الصحي.


من قبل
ويب طب –
الخميس 23 تموز 2015


آخر تعديل –
الأحد 8 تشرين الأول 2017


المرجع : webteb.com