ما هو ارتفاع ضغط الدم الرئوي؟

يعاني المصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي من صعوبات التنفس والتعب لدرجة استصعاب أداء المهام اليومية البسيطة، بل إن الأمر قد يصل إلى حد إيجاد صعوبة في المشي لمسافة قصيرة في بعض الحالات.

ما هو ارتفاع ضغط الدم الرئوي؟

على مدار عدّة أشهر مضت، عانت سيدة تبلغ من العمر 30 عاما، من التعب والصعوبة في صعود الدرج، بالإضافة إلى شعورها بضعف عام في كل الجسم. ونظرا لأنها كانت تفتقر إلى اللياقة البدنية وتخجل من وزنها الزائد الذي اتهمته بأنه السبب وراء هذه الصعوبات، فقد تأخرت في التوجه إلى الطبيب. وحين توجهت إلى الطبيب، تم تحويلها لإجراء فحص “مخطط صدى القلب” (Echocardiogram) الذي أظهر أنها مصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي. عندها فقط، ربطت هذه السيدة بين هذا التشخيص وبين المرض الذي تسبب بوفاة والدتها قبل 20 عاما. 

يعتبر مرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي (Pulmonary Hypertension) أحد أخطر الأمراض التي قد يعاني منها الناس. يصيب هذا المرض الشرايين التي تنقل الدم من القلب إلى الرئتين، ويرفع ضغط الدم في هذه الأوعية الدموية. وفي أعقاب الجهد الزائد الذي يبذله القلب من أجل إيصال الدم إلى الرئتين، يقع ضغط كبير على البطين الأيمن مما قد يؤدي إلى الإصابة بقصور القلب في الجهة اليمنى، أو إلى الموت إذا لم تتم معالجته بالشكل الصحيح، وذلك نتيجة “انهيار” الجزء الأيمن من القلب الذي لا يستطيع الصمود ومواصلة إيصال الدم إلى الرئتين. من الممكن أن تستمر عملية تطور المرض وتفاقمه (وهو مرض يصيب السيدات بشكل اساسي) ما بين عدة أشهر حتى عدة سنوات. عند الإصابة بهذا المرض، تكون النساء ممنوعات من الحمل، خوفا من المس بشكل كبير بصحتهن نتيجة الضغط الكبير على القلب.

وكما في حالة السيدة المذكورة، التي أصيبت بالمرض وكانت تحمل نفس الجين المصاب الذي حملته أمها من قبل، يتم تشخيص طفرة وراثية في أحد الجينات لدى 10% من المصابين بالمرض، وهي التي تسبب الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم الرئوي. لكن على الرغم من أنه ليس كل من يحمل هذه الطفرة الجينية يصاب بالمرض، إلا أن هنالك بعض العائلات التي يصاب أكثر من واحد من أفرادها بالمرض. 

يعاني المصابون بالمرض من صعوبات التنفس والتعب لدرجة استصعاب أداء المهام اليومية البسيطة، بل إن الأمر قد يصل إلى حد إيجاد صعوبة في المشي لمسافة قصيرة في بعض الحالات. أحد الأعراض التي تميز الإصابة بهذا المرض هي ازرقاق الشفتين وأطراف الأصابع نتيجة نقص الأوكسجين في الدم. لا يتأثر هذا المرض بالتغذية السيئة أو بنقص النشاط البدني، ومع ذلك فإنه عادة ما يطلب من المصابين به الحفاظ على لياقة بدنية متوسطة وتحت الرقابة، من أجل منع الإصابة بالتعب في أعقاب بذل جهد زائد. 

نظرا لأن أعراض المرض ليست مميزة ولا تقتصر عليه وحده، ولأنها من الممكن أن  ترتبط بأمراض أخرى مثل ضيق التنفس، الربو، قلة اللياقة البدنية، أو حتى التوتر والقلق، فإن المصابين به غالبا ما لا يتوجهون إلى الطبيب، وحتى لو فعلوا، فإن الفحوص الأولية لا تسفر عما يشير إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم الرئوي. يؤدي هذا الوضع إلى تأخر تشخيص الإصابة بالمرض لفترة قد تصل إلى عدة سنوات، وهي فترة من الممكن أن تكون مصيرية بالنسبة للمريض. وفقا للإحصائيات، مقابل كل مريض يتم تشخيصه كمصاب بفرط ضغط الدم الرئوي،  هنالك مريض آخر يتأخر تشخيص إصابته بنحو ثلاث سنوات من يوم الإصابة، ونتيجة لذلك فإنه لا يحظى بالعلاج اللازم. 

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأنا نلاحظ ارتفاع مستوى الوعي لهذا المرض، سواء من جانب المرضى، أو من جانب الطواقم الطبية. وإذا كان فحص تخطيط صدى القلب، حتى قبل سنوات قليلة، يستخدم من أجل تصوير البطين الأيسر في القلب فقط بهدف تشخيص بعض الأمراض الأخرى، فإن هذا الفحص بات يشمل اليوم تصويرا للبطين الأيمن من أجل تقييم مستوى ضغط الدم في الرئتين وتشخيص المرض. كذلك، ومن أجل تأكيد التشخيص، على المريض أن يخضع لعملية قسطرة في البطين الأيمن. يدور الحديث هنا عن عملية قسطرة أبسط بكثير من عملية القسطرة العادية للبطين الأيسر، والتي تستغرق 15 دقيقة. خلال القسطرة، يتم قياس ضغط الدم الحقيقي داخل شريان الرئة لتأكيد التشخيص بشكل نهائي. 

من أجل تشخيص مسبب المرض، لا بد من إجراء بعض الفحوص، مثل فحص أداء الرئة (وظائف الرئة)، التصوير المقطعي المحوسب (CT) للصدر، وكذلك اختبارات دم من أجل استبعاد ونفي إمكانية الإصابة بأمراض المفاصل، الإيدز وتشمع الكبد. كما إنه بالإمكان إجراء فحص مسح تصوير الرئتين بالنظائر المشعة من أجل اكتشاف وجود جلطات دموية فيها.  

بعد التشخيص، يكون هدف العلاج توسيع الأوعية الدموية في الرئتين. في الحالات البسيطة جدا من المرض، بالإمكان الاكتفاء بمتابعة حالة المريض وإجراء فحوص صدى القلب مرة كل ستة أشهر. أما إذا كانت شدّة المرض بين الطفيفة والمتوسطة، فيتم علاج المريض بواسطة الأدوية الفموية التي تؤدي إلى خفض ضغط الدم، مثل مثبطات الإندوثيلين (Endothelin receptor antagonist) ومنها البوسينتان (Bosentan) أو السيلدينافليل (Sildenafil – الفياجرا). كذلك، يتم علاج المرضى بواسطة الأدوية الحالّة للدم، من أجل منع تكون الجلطات الدموية.

في الحالات الأكثر خطورة، يشمل العلاج الدوائي بعض العقاقير من عائلة البروستاسيكيلينات (Prostacyclin)، ويمكن أن يتم إعطاؤه من خلال عملية الاستنشاق (البخاخ) أو عبر الحقن الوريدي بجرعات ثابتة تم تحديدها سلفا. إذا لم يكن هذا العلاج ذا فائدة، فإن المريض سيضطر للخضوع إلى عملية زرع رئتين.

اليوم، ومع توفر إمكانيات حديثة لمعالجة هذا المرض، والتي تزيد من جودة حياة المرضى، يؤدي التأخر في تشخيص الإصابة به إلى المس بشكل خطير بالمرضى، ولذلك فإن هنالك أهمية كبيرة لتشخيص المرض مبكرا ومعالجته بشكل ناجع في الوقت المناسب. 

 


من قبل
ويب طب –
الأحد 12 أيار 2013


آخر تعديل –
الأحد 8 تشرين الأول 2017


المرجع : webteb.com