لأوشك شعب الحي أن يتفرقا – الشاعر البحتري
لأوْشَكَ شعَبُ الحَيّ أنْ يَتَفَرّقا،
فيُدمي الجَوَى، أوْ يَصْبِحَ الحبُّ، أو لِقَا
أمَا إنّ في ذاكَ النّقَا لأوَانِساً
تَثَنّى أعَاليهِنّ، ليناً، عَلى النّقَا
فَعَلّكَ تَقْضِي حَسرَةً، حينَ لمْ تَجدْ
عُيُونُ المَهَا، يَوْمَ اللّوَى، فيكَ مَعشَقا
أَرَيّا الصّبا مِنْ عِنْدِ رَيّا أتَى بهِ
نَسيمُ الصَّبَا وَهْنَاً، فَتَامَ وَشَوّقَا
دَنَتْ، فَدَنَا هِجْرَانُهَا، فإذا نأتْ
غَدا وَصْلُها المَطلوبُ أنأى، وأسحَقَا
تَجَمَّعَ فيها الحُسْنُ، حتّى انتَهَى بها،
وأَفَرطََ فيها الظَّرْفُ، حتّى تزَنْدَقَا
وَمَا رُبّما بَلْ كُلّما عَنّ ذِكْرُهَا
بكَيتَ، فأبكَيتَ الحَمَامَ المُطَوَّقَا
وَعَزَّكَ مِهْرَاقٌ مِنَ الدّمْعِ حيثُ ما
تَوَجّهَ، بعدَ البَينِ، صادَفَ مَهْرَقا
وَطَيْفٍ سَرَى، حتّى تَنَاوَلَ فِتْيَةً
سَرَوْا يجْذِبُونَ اللّيْلَ، حَتّى تمزّقَا
فَعَاوَدَ يَوْمُ الهَجْرِ أسْوَانَ، بَعْدَمَا
قَرَعْنَا لَهُ باباً، من الشّوْقِ، مُغْلَقَا
وَمَا قَصّرَتْ، في دَرْغَنونَ، رِماحُنَا
فيرْجعَ منها الطيْْفُ غَضْبانَ مُحنَقَا
أظالَمَةَ العينَينِ مَظلومَةَ الحَشَا،
ضَعيفَتَهُ، كُفّي الخَيَالَ المُؤرِّقَا
فَلاَ وَصْلَ حتّى تَقضِيَ الحَرْبُ أمرَهَا
بمُفْتَرَقٍ، أوْ فَضْلِ عُمْرٍ، فَمُلتَقَى
وَمَا هُوَ إلاّ يُوسُفُ بنُ مُحَمّدٍ،
وأعداؤهُ، والمَوْتُ غَرْباً وَمَشْرِقا
وَعَارِضُهُ المُستَمْطِرُ الجُودِ إنّهُ
تَجَهّمَ، فَوْقَ النّاطَلُوقِ، فأطرَقَا
وأضْعَفَ بالقَبّاذِقِينَ سِجَالَهُ،
وأرْعَدَ بالأَبْسِيقِ شَهْراً، وأبْرَقَا
فَحَرَّقَ، ما بَينَ الدُّرُوبِِ، أتِيُّهُ
إلى مَجمَعِ البَحرَينِ، حين تَخَرّقَا
إذا انْشَعَبَتْ، من جانِبَيْهِ، غَمَامَةٌ
إلى بَلَدٍ، كانَتْ دَماً مُتَدَفِّقَا
وَبُرْدُ خَرِيفٍ قَدْ لَبِسْنَا جَديدَهُ،
فلَمْ يَنْصَرِفْ حتّى نَزَعْنَاهُ مُخلَقَا
وَبَدْرَينِ أنْضَيْناهُمَا، بَعْدَ ثالِثٍ،
أكَلْنَاهُ بالإيجافِ، حتّى تَمَحّقا
فَلَمْ أرَ مثْلَ الخَيْلِ أبْقَى على السُّرَى،
ولاَ مِثْلَنَا أحنى عَلَيْهاِ، وأشْفَقَا
وَمَا الحُسْنُ، إلاّ أنْ تَرَاهَا مُغيرَةً،
تُجَاذِبُنَا حَبْلاً، من الصّبحِ، أبرَقَا
فكَمْ مِنْ عَظِيمٍ أدرَكَتْهُ صُدورُهَا
فَبَاتَ غَنِيّاً ثمّ أصْبَحَ مُمْلِقَا
وأَوْحَشَها مِنْ يوسُفٍ حَملُ يوسُفٍ
عَلَيْهَا المَعالي، جَامِعاً، وَمُفَرِّقَا
إذا أقْبَلَتْ مِنْ سَمْلَقٍ بِنُفُوسِهَا،
أعَادَ عَلَيْهَا رَائِدُ المَوْتِ سَمْلَقَا
حوَى كلَّ ما دونَ الخليجِ، وَلَمْ يَدَعْ
فؤاداً، بما خَلْفَ الخليجِ، مُعَلَّقا
قَلِيلُ السّرُورِ بالكَثِيرِ يَنَالُهُ،
فتَحسَبُهُ، وَهْوَ المُظَفَّرُ، مُخْفِقَا
يَرَى الغَزْوَ حَجاً، فالمُقَصِّرُ مَا لَهُ
كأجْرِ الَّذِي طَافَ الطَّوَافَ، مُحَلِّقَا
وَمَا لَيْلَةُ الغَازِي بِقَرّةَ مِثْلَها
بمَيْمَنَةِ الشّقْرَاءِ صُدغاً، ومَفْرِقا
وَمُحْتَرِسٍ، مِنْ أينَ رُمتَ اغتِرَارَهُ،
وَجَدْتَ لَهُ سَهْماً إلَيكَ مُفَوَّقَا
إذا جادَ كانَ الجُودُ منهُ خَليقَةً،
وإنْ ضَنّ كانَ الضّنُّ منْهُ تَخَلُّقَا
مَشاهِدُ مِنْ خَلْفِ الصِّفاتِ ودُونِها
إِذا المَادِحُ السَّكبُ اللِّسانِ تَلَهْوَقَا
فإنْ قَالَ بالإكْثَارِ، قالَ مُقَلِّلاً،
ولَوْ قَالَ بالإفْرَاطِ، قالَ مُصَدَّقَا
بنَتْ شَرَفاً في مَجدِ نَبْهَانَ، والتَقَتْ
على رَبَضِ الإسْلاَمِ، سوراً وَخنَدَقا
يَشُدُّ فَيلْقَى أَيْدِيَ الْقوْمِ أَرجُلاً
رَواجِعَ عَنْهُ ،والسَّوَاعِدَ أَسْوُقَا
فإنْ شَهَرُوا الماذِيَّ، كَي ْمَا يُرَهّبُوا،
شَهَرْتَ لَهُمْ بأساً علَيهِمْ مُحَقَّقَا
وَماذا على مَنْ يَمْلأُ الدّرْعَ نَجْدَةً
لدى الرّوْعِ، ألاّ يَلبَس الدّرْعَ يَلْمَقَا
وفي كلّ عَالٍ مِنْ قُرَاهُمْ، وَسَافِلٍ،
لَهيبٌ، كأنّ الوَشْيَ فيهِ مُشَقَّقَا
حَرِيقٌ، لَوِ النّعمانُ يَوْمَ أُوَارَةٍ
رَآكَ تُزَجّيهِ، دَعَاكَ مُحَرِّقَا
وَفي يَدِكَ السّيْفُ الذي امتَنَعَتْ بهِ
صَفاةُ الهُدَى مِنْ أنْ تَرِقّ فتُخرَقَا
وَما أظْلَمَ الإسْلامُ، إلاّ تألّقَتْ
نَوَاحِيهِ في ظَلْمائِهِ، فتألّقَا
إذا أُمَرَاءُ النّاسِ عَفّوا تَقِيّةً،
عَفَفتَ، ولم تَقصِدْ لشَيْءٍ سوَى التُّقَى
وَلَوْ أنْصَفَ الحُسّادُ يَوْماً تأمّلُوا
معاليكَ، هَلْ كانَتْ بغيرِكَ ألْيَقَا
قَطَعْتَ مَدَاهَا، وَهْيَ أبْعَدُ غَايَةً،
وجُزْْتَ رُبَاهَا، وَهْيَ أصْعَبُ مُرْتَقَى
وَكَانَ طَرِيقُ المَجدِ خلفَكَ وَاضِحاً،
وَفِعْلُ المعَالِي لَوْ أرَادُوهُ مُطْلَقاً
تَجُودُ على الطّلاّبِ سَحّاً، وَديمَةً،
وَهَطْلاً، وإرْهَاماً، وَوَبْلاً، وَرَيّقا
فإنْ قُلْتَ هَذي سُنّةٌ كُنْتَ حاتماً،
وإنْ قُلتَ فَرْضاً لازِمٌ كنتَ مَصْدَقَا
وَجَدْنا غِرَارَ السّيفِ عندَكَ واسِعاً،
وإنْ كَانَ مُفضَى الجُودِ عندكَ ضَيّقا
وَمَا أنَا إلاّ غَرْسُكَ الأوّلُ الذي
أفَضْتَ لَهُ ماءَ النّوَالِ، فأوْرَقَا
وَقَفْتُ بِآمَالي عَلَيْكَ جَميعَهاً،
فَرأيَكَ في إمْسَاكِهِنّ مُوَفَّقَا