تطور الفكر الاقتصادي

الفكر الاقتصاديّ

الفكر الاقتصاديّ (بالإنجليزيّة: Economic Thought) هو مجموعة من الدراسات التي تتابع الخطوات البشريّة المُستخدمة في البحث عن القوانين الاقتصاديّة واكتشافها؛ عن طريق دراسة أبحاث وآراء العُلماء حول ظواهر الاقتصاد الماديّة، منذ العصر البدائيّ مروراً في العصرين الإغريقيّ والرومانيّ ووصولاً إلى كلٍّ من العصر الأوروبيّ والعصر الحديث؛ حيث شكّلت كافة هذه العصور الأُسس والدراسات التي أدّت إلى تأسيس وظهور علم الاقتصاد.[١]

تطور الفكر الاقتصاديّ

لا يُمكن فهم وإدراك علم الاقتصاد وطبيعته دون التعرف على التاريخ الخاص به، كما لم يكن تاريخ الفكر الاقتصاديّ مجالاً فكريّاً مُنتشراً بين الكثير من الناس، فاعتمد انتشاره على ظهور العديد من الكُتب والمُؤلفات العلميّة الاقتصاديّة التي قدمت فوائداً للباحثين الاقتصاديين، ولكن افترضت مجموعة من هذه المُؤلفات أنّ الفكر الاقتصاديّ يمتلك حياةً خاصة به، أمّا الحقيقيّة العامة تُشير إلى أن كافة أفكار الاقتصاد مرتبطة مع الإنتاج المكانيّ والزمانيّ لها، ولا يمكن اعتبارها تمتلك حياةً خاصة بها ومُنفصلةً عن الواقع؛ أيّ عن الحياة العاديّة المرتبطة مع العالم الذي تهتمّ هذه الأفكار بتفسيره، ومثلما يشهد العالم تطوراً كذلك يتطور الفكرُ الاقتصاديّ حتى يتمكن من المحافظة على أهميته،[٢] فاعتمد تطوره على تأثره بالأفكار الناتجة عن المدارس الاقتصاديّة؛ لذلك من الممكن تلخيص هذا التطور وفقاً للآتي:[٣]

الفكر الاقتصاديّ البدائيّ

وُلِدَ الفكر الاقتصاديّ البدائيّ بالتزامن مع ظهور الحضارات القديمة الأولى، مثل الهنديّة والإغريقيّة والرومانيّة والصينيّة حتى الوصول إلى الحضارة العربيّة، وظهر العديد من الفلاسفة والمُفكّرين المُنتمين إلى هذه الحضارات، مثل أرسطو في الحضارة الإغريقيّة، وابن خلدون في الحضارة العربيّة، ويرى الكاتب شومبيتير أنّ باحثي وعُلماء الاقتصاد الذين ظهروا في الفترة الزمنيّة الواقعة بين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر للميلاد هم الذين ساهموا في تأسيس قواعد علم الاقتصاد، كما شكّلت نظريات العالم والمُفكّر العربيّ ابن خلدون نوعاً من أنواع الريادة الاقتصاديّة؛ حيث لم تكن الكثير من نظرياته حول علم الاقتصاد معروفةً في أوروبا بشكلٍ كبير، ومن ثمّ حرصت كلّ من المدرستين الطبيعيّة والتجاريّة على إضافة عدّة مفاهيم ومُصطلحات اقتصاديّة؛ ممّا أدّى إلى ظهور الاقتصاد القوميّ والرأسماليّ في أوروبا.[٣]

الفكر الاقتصاديّ الكلاسيكيّ

ساهم نشر العالِم والمُفكّر والفيلسوف الاقتصاديّ آدم سميث لكتابه “ثروة الأُمم” في تعزيز انطلاق علم الاقتصاد كواحدٍ من العلوم؛ حيث حرص هذا الكتاب على تحديد العوامل الإنتاجيّة والمُتمثّلة في رؤوس الأموال، والأيدي العاملة، والأراضيّ، وأشار إلى أنّ هذه العوامل الرئيسيّة تُعدّ أساس الثروة الخاصة بالأُمم، كما يرى سميث أنّ نظام الاقتصاد المثاليّ هو المعروف باسم نظام السوق ذاتي التنظيم؛ لأنّه يحرص على توفير كافة حاجات الأفراد بشكلٍ تلقائيّ، ووصف السوق بأنّه يُساهم في تشجيع الأفراد على العمل لتحقيق حاجاتهم؛ ممّا يؤدي إلى الوصول لأفضل منفعة للمُجتمع.[٣]

الفكر الاقتصاديّ الماركسيّ

يعود ظهور مرحلة الفكر الاقتصاديّ الماركسيّ إلى أفكار الفيلسوف والمُفكّر ماركس؛ حيث اهتمّ بعدم وجود أي مُلكيّة فرديّة للأملاك والعناصر الإنتاجيّة؛ عن طريق سعي طبقة العُمال إلى الثورة على طبقة المالكين والمُسيطرين على عوامل الإنتاج، وأُطلِق على الدولة التي ستُؤسَّس بالاعتماد على أفكار ماركس والثورة العُماليّة اسم دولة البروليتاريا الديكتاتوريّة؛ حيث يهتمّ اقتصادها ومُجتمعها بضرورة تحقيق العدل والمساواة بين الأفراد في الموارد الاقتصاديّة، وشجّع ذلك على إنشاء الفكر الشيوعيّ.[٣]

مع مرور الوقت شهِدَ الفكر الاقتصاديّ الماركسيّ والماركسيّة بشكلٍ عام تراجعاً ملحوظاً في كافة جوانبها؛ حيث أصبح الفكر الماركسيّ منسيّاً نتيجةً للجهل فيه والانقلابات التي حدثت في مطلع الستينات من القرن العشرين للميلاد، فقد شهدت الماركسيّة انقلاباً كان من أهمّ نتائجه سقوط الاتّحاد السوفيتيّ.[٣]

الفكر الاقتصاديّ الكينزيّ

اعتمد تأسيس الفكر الاقتصاديّ الكينزيّ على نظرية المُفكّر وعالم الاقتصاد جون كينز؛ حيث اهتمّ بدراسة كلٍّ من قطاعي الاقتصاد العام والخاص، والمعروفان اقتصاديّاً باسم الاقتصاد المُختلط، واختلفت أفكار كينز الاقتصاديّة عن أفكار اقتصاد السوق الحُرّ؛ حيث شجّع على تدخل الدول بمجموعةٍ من المجالات الاقتصاديّة، ويرى من خلال نظريته أنّ كافة الاتّجاهات الخاصة بالاقتصاد الكُليّ تُساهم في تحديد السلوك الفرديّ ضمن الاقتصاد الجُزئيّ، ويتّفق ذلك مع آراء مُفكّري الاقتصاد الكلاسيكيّ حول تأثير الطلب على السّلع، وتميّزه بدورٍ مُهمٍ في حالات الركود الاقتصاديّة؛ إذ يُعتقد أن الحكومات تعتمد على الطلب الكُليّ في مُحاربة الكساد والبطالة.[٣]

انتشر اعتقاد أثناء مرحلة ظهور الكساد الكبير أشار إلى عدم ميل الاقتصاد للتوظيف الكُلي الطبيعيّ وفقاً لمبدأ الاقتصاديين الكلاسيكيين والمُعروف باسم اليدّ الخفيّة، كما أنّ النظرية الحديثة للتوظيف لم تتّفق مع النظرية الكلاسيكيّة، فترى النظرية الحديثة أنّ الاقتصاد الرأسماليّ لا يضمن توظيفاً كُليّاً، وقد يسعى الاقتصاد الوطنيّ إلى تحقيق التوازن في ناتجه بالتزامن مع وجود التضخم والبطالة؛ لذلك تُعدّ حالة التوظيف الكُليّة وفقاً للفكر الاقتصاديّ الكينزيّ حالةً غير دائمة.[٣]

أهمية دراسة الفكر الاقتصادي

ارتبطت أهمية دراسة الفكر الاقتصاديّ وتاريخه مع نوعية وطبيعة آراء المُفكّرين الاقتصاديين؛ ممّا أدّى لانقسامهم إلى عدّة مجموعات، فترى مجموعة منهم ألّا حاجة للاهتمام بدراسة الفكر الاقتصاديّ وتاريخه؛ لأنّه يحتوي على العديد من الأخطاء، بينما ترى مجموعة أُخرى أنّه لا يُمكن فهم علم الاقتصاد إلّا من خلال دراسة تاريخه؛ لذلك من الممكن تلخيص أهمية دراسة الفكر الاقتصاديّ وفقاً للآتي:[٤]

  • التعرف على طبيعة ارتباط الأفكار الاقتصاديّة مع العصور القديمة.
  • فهم أُسس نشأة وأصول علم الاقتصاد.
  • معرفة دور الفكر الاقتصاديّ في بناء وإعداد الأنظمة السياسيّة والاقتصاديّة للدول.
  • القُدرة على المُقارنة بين الأفكار الاقتصاديّة المُتنوعة؛ ممّا يُساهم في الوصول إلى أحكامٍ متوازنة.

المراجع

  1. د. محمد العروسي (8-11-2016)، “الفكر الاقتصادي ومساهمة المسلمين فيه قديماً وحديثاً 1-2”، صحيفة العالم الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2017. بتصرّف.
  2. تأليف: جون جالبريت، ترجمة: أحمد بلبع (2000)، تاريخ الفكر الاقتصادي – سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، صفحة 15، 16. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د. جميل خالد (2014)، أساسيات الاقتصاد الدولي (الطبعة الأولى)، عمّان – الأردن: الأكاديميون للنشر والتوزيع، صفحة 20، 21، 22، 23. بتصرّف.
  4. Samia Rekhi, “History of Economic Thought: Meaning and Significance”، Economics Discussion, Retrieved 24-7-2017. Edited.