مفهوم علم الاقتصاد السياسي
علم الاقتصاد
حاول العديد من المُفكرين على مرّ التاريخ الإجابةَ عن التساؤلات حول القوانين التي تحكم عمليّات الإنتاج والتوزيع في المجتمع، وذلك حتى أواخر القرن الثامن عشر وما حدث فيه من طفرات في النّشاط الاقتصاديّ في القارّة الأوروبيّة، وقد صاحب هذا النّشاط حركة فكريّة قويّة، تمثّلت في العديد من المدارس الفكريّة التي بلورت أكثر من فرع علميّ، وكان من بينها علم الاقتصاد الذي وُضِعَت لَبِناتُه الأولى على يد “آدم سميث” في كتابه الشهير ثروة الأممّ، وقد حاول آدم سميث في كتابه الإجابةَ عن التساؤلات حول كيفية استدامة إمداد الأفراد في المجتمع باحتياجاتهم من المنتجات المختلفة، وتهيئة الوضع لهم لتحقيق تلك الوفرة، وحول تزويد الدولة بالثروات التي تساعدها على زيادة النفوذ السياسيّ، وقد صكّ سميث مصطلح الاقتصاد السياسي لهذا الفرع الذي اعتبره أحد علوم السياسة، ولكن بعد أقل من مئة عام تمّ الاستغناء عنه واستخدام مصطلح “اقتصاد” مُجرّداً، وبقى الاقتصاد السياسيّ حبيسَ الفكر الاقتصاديّ الدوليّ والأيديولوجيات المُختلفة.
علم الاقتصاد السياسي
تعريف الاقتصاد السياسي
يُشكّل الاقتصاد السياسيّ من حيث التعريف والمفهوم، موضوع نقاشٍ وجدالٍ حادٍّ بين الباحثين في العلوم الاجتماعية في العالم؛ إذ إنَّ التفاعُلَ بين علومِ الاقتصاد والسياسية الدَّوْليّة وتأثير كلٍّ منهما على الآخر يُعدُّ التعريفَ الأبسطَ للاقتصاد السياسي، وقد طوّرت النظريّات الأيديولوجيّة وشرحت ذلك التعريف وَفقَ النموذج الفكريّ الخاصّ بها، فنجد أنّ القوميين ينظرون إلى هذا الفرع العلمي بشكل يختلف عن الماركسيين، والليبراليين يتعاملون معه كدراسة مختلفة تماماً عن سابقيهم، ويعتمد علم الاقتصاد السياسيّ على الدراسات والأبحاث في مجالات التاريخ، وعلم الاجتماع، والقانون، وذلك بعد أن تمّ إهماله لفترة طويلة من الزمن، ثم إعادة الاهتمام به مع ظهور الأزمات الاقتصادية العالمية.
الاقتصاد السياسي والمدارس الفكرية
أثّرت المدارس الفكرية السياسية الكبرى في العالم على علم الاقتصاد السياسي ودفعت إلى تطويره بشكل كبير، وقد أحدث علم الاقتصاد السياسي الماركسي ثورةً في أسلوب النظر إلى العلاقات الاقتصادية بين البشر، وكيفيّة تفسيرِ حركةِ التاريخ وفقَ تلك العلاقات، حيث ادّعى أنّ المتحكمَ في أدوات الانتاج وقوة عمل الأفراد في المجتمع يكون دائماً هو المسيطر على عمليّة اتخاذ القرارات المصيرية، وتمّ ربط ذلك بالدعوة إلى الشيوعيّة والتحرّر من سُلطة الطبقات البرجوازية والرأسمالية، وفيما بعد تأثرت الليبرالية الكنزية بتلك الأفكار ودعت إلى نظام اقتصاديّ مختلَط تتدخّل فيه الدولة في تحديد الاتّجاهات الاقتصاديّة، وذلك بعد الأزمات التي أحدثها نظام السوق الحر الكلاسيكي في الاقتصاد العالميّ، وقد حافظت تلك النظرية على الاقتصاد العالميّ في ظلِّ ما عُرِفَ بنظام بريتون وودز الذي ساهم في إعادة التنمية الاقتصادية في أوروبا بعد الحرب العالميّة الثانية.