مرت على عزمها ولم تقف – الشاعر البحتري
مَرّتْ على عَزْمِها، وَلمْ تَقِفِ،
مُبْدِيَةً للشَّنَانِ وَالشَّنَفِ
أيهات ما وجهها بملتفٍ
َفاسْلُ وما عطفها بُمْنعطِفِ
أبَا عَليٍّ أعْزِزْ عَليّ بِمَا
أتَتْهُ ذاتُ الرِّعاثِ، وَالنُّطَفِ
ما للغَوَاني فَوَارِكاً شُمُساً،
وَأنْتَ بَرٌّ بالغانِيَاتِ حَفي
وَما نَكِرْنَ الغَداةَ مِنْ غُصُنٍ،
يَحسُنُ في الإنْثِنَاءِ وَالقَصَفِ
َأحلى وأشْهَى، مِنْ مَعْبَدٍ نَغَماً،
وَابنِ سُرَيْجٍ، وَنَازِلِ النّجَفِ
وَقَد تَقُولُ الأبْياتَ تُصْبي بها الـ
ـغادَةَ خَلْفَ الأبْوَابِ، وَالسُّجُفِ
وَقد تؤدّي عنكَ الرّسالةَ في الحبّ
فَتَأتيكَ دُرّةُ الصّدَفِ
قَاتَلَهَا الله كَيْفَ ضَيّعَتِ الـ
ـعَهْدَ، وَجاءَتْ باللّيّ وَالخُلُفِ
رَكَنْتَ فيها إلى الهَدايا، وَلَمْ
تَحْذَرْ عَلَيْهَا جَرَائِرَ التُّحَفِ
وَقَد رَأتْ وَجْهَ مَنْ تُرَاسِلُهُ،
فانحَرَفَتْ عَنكَ شرّ مُنحَرفِ
قَد كانَ حَقّاً عَليكَ أن تَعرِفَ الـ
ـمكنُونَ من سرّ صَدرِها الكَلِفِ
بما تَعاطَيتَ في الغُيوبِ، وَمَا
أُوتيتَ من حكمَةٍ، وَمن لُطُفِ
أَلسْتَ بالسِّندِ هِنْدِ ذَا بَصَرٍ
إِلاَّ تَفُقْ حاسِبيهِ تنَتَصِفِ
وَقد بحَثتَ العُلومَ أجمَعَ وَاستَظْـ
ـهَرْتَ حِفْظاً مَقَالَةَ السّلَفِ
ما اقتَصّ وَاليسُ في الفَضَاءِ وَجابا
نُ، وَما سَيّرَا مِنَ النُّتَفِ
وَما حَكَاهُ ذُرُوثِيُوسُ وَبَطْلِمـ
ـيوسُ من وَاضحٍ لكُمُ وَخَفي
فكَيفَ أخطأتَ، أَي أخَيّ، وَلمْ
تَرْكًنْ إلى ما سَطَرْتَ في الصُّحُفِ
وَكَيفَ ما دَلّكَ القُرْآنُ عَلى
ما فيهِ مِنْ ذاهبٍ، وَمُؤتَنَفِ
هَلاّ زَجَرْتَ الطّيرَ العَلِىَ، أوْ
تعيَِّفْتَ المَهَا أوْ نَظَرْتَ في الكَتِفِ
حَمَلْتَها، وَالفِرَاقُ مُحتَشِدٌ
لرَاكِبٍ مِنكُمَا، وَمُرْتَدِفِ
وَرُحتُما، وَالنّحوسُ تُنبِىءُ عنْ
حَالٍ، مِنَ الرّائحينَ، مُختَلِفِ
أمَا أرَتْكَ النّجُومُ أنّكُمَا
في حَالَتَيْ ثَابِتٍ، وَمُنصَرِفِ
وَما رَأيتَ المِرّيخَ قَدْ جاسَدَ الـ
ـزُّهْرَةَ في الحَدّ مِنْهُ، وَالشّرَفِ
تُخْبِرُ عن ذاكَ أنّ زَائِرَةً
تَشْفي مَزُوراً مِنْ لاعجِ الدَّنَفِ
مِن أينَ أغفَلتَ ذا، وَأنتَ على التّقـ
ـوِيمِ وَالزِّيجِ، جِدُّ مُعْتَكِفِ
رُذِلْتَ في هذِهِ الصّناعَةِ، أمْ
أكدَيتَ، أمْ رُمتَها معَ الخَرَفِ
لمْ تَخطُ بابَ الدّهليزِ مُنصَرِفاً،
إلاّ وَخَلْخالُها مَعَ الشُّنُفِ
فأينَ حَلْفُ الفَتى، وَذِمّتُهُ،
وَأينَ قَوْلُ العَجوزِ لا تَخَفِ
ما أخْوَنَ النّاسَ للعُهُودِ، وَمَا
أشَدّ إقْدامَهُمْ عَلى الحَلَفِ
لَمْ تُصِبِ الرّأيَ، في أزَارَتِهَا،
مَنْ لا يُجازِي بالوِدّ، وَاللَّطَفِ
يا ضَيعَةَ العِلْمِ، كَيفَ يُرْزَقُهُ
ذو الخَرْقِ فيكُمْ وَالعُجبِ وَالصَّلَفِ
تَقُودُها ضِلّةٌ إلى مَلِكٍ،
يَرُوقُها بالقَوَامِ، وَالهَيَفِ
تَصْبُوا إلى مِثْلِهِ، إذا نَظَرَتْ
منكَ إلى جِيفَةٍ مِنَ الجِيَفِ
يُسُوءُني أنْ تُسَاءَ فيها، وَأنْ
تُفجَعَ منها بالرّوْضَةِ الأُنُفِ
قدْ خبَّروُها قِيامَ شَيْخِكَ في الحمّـ
ـامِ، فاستَعبَرَتْ مِنَ الأسَفِ
وأَعْلَموها بأَنَّ كُنْيتَهُ
أَبو قُماشِ الحُشُوشِ والكُنُفِ
وحَدُّثُوها بالدَّسْتَبانِ وَبالصِّنّ
وَكَادَتْ تُشْفي عَلى التّلَفِ
وَقَد تَبَيّنْتُ ذاكَ في الكَمَدِ البَا
دي عَلَيها وَالوَاكِفِ الذّرِفِ
وَزُهْدِها في الدّنُوّ منكَ، فَمَا
تُعْطيكَ إلاّ بالتّعْسِ وَالعُنُفِ
أنتَ كمَا قَد عَلِمتَ مُضْطرِبُ الهيـ
ـئةِ وَالقَدّ، ظاهرُ الجَلَفِ
والسِّنُّ قَدْ بَيّنَتْ فَنَاءَكَ في
شِدقٍ، على ماضِغيَكَ، مُنخَسِفِ
وَجْهٌ لَعِينُ القِسمَينِ، يَقطَعُهُ
أنفٌ طَوِيلٌ، مُحَدَّدُ الطّرَفِ
وَرُتّةٌ تَحْتَ غُنّةٍ قَذَرَتْ،
مِنْ هالِكِ الرّاءِ،دَامِرِ الألِفِ
كأنّ في فيهِ لُقْمَةً عَقَلَتْ
لسَانَهُ، فالتَوَى عَلى جََنَفِ
تَنَاصَرَ النَّوْكُ وَالرّكَاكَةُ في
مُخَبَّلِ الإنْحِنَاءِ، وَالحَنَفِ
وَأعرَضَتْ ظُلْمَةُ الخِضَابِ عَلى
عُثْنُونِ تَيْسٍ، باللّؤمِ مُنعَقِفِ
مُحَرِّكٌ رَأسَهُ، تَوَهَّمُهُ
قَدْ قَامَ مِنْ عَطسَةٍ على شَرَفِ
سَمَاجَةٌ في العُيُونِ، فاحِشَةٌ،
خَلَفتَ، في قُبْحِها، أبَا خَلَفِ
تَرُومُ وَصْلَ المَهَا وَأنتَ كَذا؟
هَذا لَعَمْرِي ضرْبٌ منَ السَّرَفِ