يهدي الخيال لنا ذكرى إذا طافا – الشاعر البحتري
يُهدي الخيَالُ لَنَا ذِكْرَى، إذا طَافَا
وَافَى يُخادِعُنَا، وَالصّبحُ قَد وَافَى
تَصْدُقُنا المَنعَ سُعدى، حينَ نَسألُها
نَيْلاً، وَتَكْذِبُنَا بَذْلاً وَإسْعَافَا
إنّ الغَوَاني، غَداةَ البَينِ، قِضْنَ لنَا
ماأمّلَ الدّنِفُ المُضْنَى بما خَافَا
فَتَنّ طَرْفاً، وَقد وَدَّعْنَ عَنْ نظَرٍ
ساجٍ، وَتَيّمْنَ، إذْ صَافحنَ أطرَافَا
إذا نَضَوْنَ شُفُوفَ الرَّيطِ آوِنَةً،
قَشَرْنَ عن لُؤلؤِ البحرَينِ أصْدافا
نَوَاصِعٌ، كسُيوفِ الصَّقْلِ مُشعِلَةٌ
ضَوْءاً، وَمُرْهَفَةٌ في الجَدلِ إرْهافَا
قَضَى لَنَا الله بَلوَى في نَوَاظِرِهَا،
تُقضِي عَلَينا، وَعَافَى الله مَن عَافَى
كأنّهنّ، وَقد قارَبنَ مِنْ طرَفي
ضِدّينِ في الحُسنِ، تَبْتيلاً وَإخطافَا
رَدَدْنَ ما خَفّفَتْ منهُ الخُصُورُ إلى
ما في الَمآزِرِ، فاستَثْقَلْنَ أرْدافا
ما للسّحابِ خَلاقٌ، أوْ يَصُوبَ عَلى
عَلْيا سَوِيقَةَ، أجزَاعاً، وأخْيَافَا
إذا أرَدْتُ لرَاقي الدّمْعِ مُنْحَدَراً،
ذَكَرْتُ مُرْتَبَعاً فيها، وَمُصْطَافَا
إنْ أُتْبِعِ الشّوْقَ إزْرَاءً عَلَيْهِ، فَقَد
جافَى منَ النّوْم عَنْ عينيّ ما جَافَى
أزَاجِرٌ أنا جُرْدَ الخَيْلِ أجْشَمُهَا
سَيراً إلى الشّامِ، إغْذاذاً وإيجَافا
خُوصُ العُيونِ إذا أبدتْ سُرًى مَثَلتْ
بالأرْضِ، أوْ أجحَفَتْ باللّيلِ إجحافا
دَوَافِعٌ، في انخِرَاقِ البَرّ مَوْعِدُها،
مَدافعُ البَحرِ مِنْ بَيرُوتَ أو يَافَا
حتّى تَحُلَّ، وَقد حَلّ الشّرَابُ لَنَا،
جَنّاتِ عَدْنٍ على السّاجُورِ ألْفَافَا
نُضِيفُ نَازِلَةً تَقْرِي النَّوال كمَا
كُنّا نُزُولاً على الطّائيِّ أضْيَافَا
إنّ لقَوْمي، على الأقْوَامِ، مَنزِلَةً،
يُعطَونَ فيها، على الأشرَافِ، إشرَافَا
مَنْ يَنْأ كِبْرٌ بِهِ عَنّا، وأُبّهَةٌ،
نَحْمَدْ أبَا جَعْفَرٍ قُرْباً، وَإنْصَافَا
رَدَّ الحَوَادِثَ مُلْقَاةً أوَائِلُهَا
عَلى أوَاخِرِها، رَدْعاً وَإيقَافَا
إنْ تُرْمَ آلاؤهُ، في الدّهْرِ عن وَتَرٍ،
تَكُنْ لَهَا نُوَبُ الأيّامِ أهْدافَا
عَزَّ العِرَاقَيْنِ، حتّى ظَلّ مُخْتَتِياً
لَهُ العِرَاقَانِ، أقْلاماً وَأسْيَافَا
كَمْ مِنْ أبيِّ أُنَاسٍ في وِلاَيَتِهِ،
قَدْ ذَلّ عارِضَةً، أوْ لانَ أعْطافَا
سَاسَ البِلادَ بتَدْبيرٍ يُطَبّقُهَا،
أيَّدَ واسِطَةً مِنْهَا وَأطْرَافَا
لمْ يَرْتَفِعْ عَنْ مُرَاعَاةِ الصّغِيرِ، وَلَمْ
يَنزِلْ إلى الطَّمَعِ المَخْسوسِ إسْفافا
باسِطُ عَدْلٍ على الأعداءِ، لوْ عصَبوا
بغَيرِهِ لتَوَخّى الجَوْرَ، أوْ حَافَا
لمْ يَتّسعْ للأداني في أمَانَتِهِ،
وَقَدْ َرأََى خِلَلاً مِنهُمْ وَأُلاّفا
تَنَاذَرَتْهُ أعَارِيبُ السّوَادِ، فَمَا
شَتَا بِهِ قاطِنٌ مِنْهُمْ، وَلاَ صَافَا
وَكنتُ أعهَدُ عَينَ التّمرِ جامِعَةً
منَ الخَليطَينِ، أزْياداً، وأعْوَافَا
ما مَنْ هَوًى منهُ باتَ السّيفُ مُلتِهماً
أوَاصِراً وَشَجَتْ منهُمْ، وأحْلافَا
مُنخَرِقُ اليَدِ بالمَعْرُوفِ، يَخبِطُ في
عَرْضٍ منَ المَالِ، لا يألُوهُ إتْلاَفَا
إذا وَعَدْتُ التّجافي عَنْ مَوَاهِبِهِ،
دافَعتُ بالنُّجحِ، أوْ أخلَفتُ إخلافا
آلَيْتُ لا أُجْهِدُ الطّائيَّ، مُلتَمِساً
جَدوَى، وَلا أسألُ الطّائيَّ إلْحَافَا
بحَسْبِنَا مِنْهُ ما يَزْدَادُ مِنْ حَسَبٍ،
وَمَا قَضَى من فُرُوضِ القَوْمِ، أوْ كَافَا
قضَيتُ عَنّي ابنَ بِسطامٍ صَنيعَتَهُ
عِندي، وَضَاعَفتُ ما أوْلاهُ إضْعَافَا
وَكَانَ مَعرُوفُهُ قَصْداً إِلي، وَمَا
جازَيْتُهُ عَنهُ تَبْذيراً، وإسْرَافَا
مِئُونَ عَيْناً، تَوَلّيْتُ الثّوَابَ بهَا،
حتّى انثَنَتْ لأبي العَبّاسِ آلاَفَا
قَدْ كَانَ يَكْفيهِ، فما قَدّمَتْ يدُهْ،
رِباً يَزِيدُ إَِلى الآحَادِ أنْصَافَا
تِلْكَ المَدائحُ أحرَارُ الرّقاب فيهاِ
أرَى عَلَيْهِ دُيُوناً لي، وإسْلافا
فَلاَ تَزَلْ مُرْصِداً للخَيْرِ تَفْعَلُهُ،
وَثَابِتاً دونَ ما تَخْشاهُ، وَقّافَا