أحاديث الرسول عن الظلم

الأحاديث النَّبويَّة

حفلت سيرة النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بأحداثٍ كثيرة ومواقف متنوعةٍ في مناحٍ وجوانب شتى، وفي مواضيع وقضايا مختلفة -من عقيدة وعباداتٍ ومعاملاتٍ وأمور حياتيَّة- غايتها مجتمعةً الرقي بالمجتمع الإسلاميّ، وتهذيبه، وضبط سلوكاته وأخلاقياته، والدّالّ على ذلك قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ( إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)؛[١] فزخرت الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة بقدَرٍ عظيمٍ من الترغيب على حُسْنِ الخُلُق، والذَّم والترهيب من سوء الخُلُق وذمّه، ومن بين الأخلاق المذمومة والمنهي عنها الظُّلم، وفي ما يلي تعريفٌ للظُّلم، وبيانٌ لأنواعه، وتعدادٌ لجملةٍ من الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة التي تناولته وبيَّنت عواقبه ومساوئه.

أحاديث الرَّسول عن الظُّلم

جاءت أحاديث نبويَّةٌ شريفةٌ كثيرة تتحدث عن الظُّلم وتبيِّن حرمته وتحذِّر منه، ومنها ما نصَّ على الظُّلم بلفظه، ومنها ما تحدَّثت عن صورٍ وأمثلةٍ له.

أحاديث نصَّت على الظُّلم

  • حديث النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- فيما يرويه عن الله عزَّ وجلَّ: (يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظَّالموا، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم، يا عبادي إنَّكم تُخطئون بالليلِ والنَّهارِ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفرُ لكم، يا عبادي إنَّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني، يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل إنسانٍ مسألتَه، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ، يا عبادي إنَّما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثمَّ أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه)؛[٢] ففي هذا الحديث القدسيِّ حرَّم الله تعالى الظُّلم على نفسه ونهى العباد عن أن يظلموا بعضهم بعضاً؛ ذلك في دلالة على عِظَم حرمته، وشدّة قبح ارتكابه.
  • ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، أنَّه أمر باتّقاء الظُّلم وشبَّهه بالظُّلُمات التي ستحيط الظَّالم يوم القيامة؛ حيثُ قال صلى الله عليه وسلم : (اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم).[٣]
  • وردت أحاديثٌ في تحذير النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- للظَّالم من دعوةٍ تصيبه ممَّن ظلمه، وكيف أنَّها ليس بينها وبين الله حجابٌ أو حاجزٌ، كما في رواية أنس بن مالك عنه -عليه الصلَّاة والسَّلام- أنَّه قال: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ ، و إن كان كافرًا ، فإنه ليس دونها حجابٌ).[٤]
  • ما حدَّث به أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حثِّه للمسلمين على نُصرة إخوانهم المسلمين ظالمين ومظلومين، ففهم الصحابة -رضي الله عنهم- أن ينصروا المظلوم، وتعجّبوا وتساءلوا عن نُصرة الظالم، فبيَّن لهم رسول الله أن نُصرة الظالم تكون بنهيه ومنعه عن الظُّلم، كما في قوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنصرُه إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه ؟ قال: تحجِزُه، أو تمنعُه من الظلمِ فإنَّ ذلك نصرُه).[٥]

أحاديث في بعض صور الظُّلم

جاءت بعض الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة تتحدَّث وتذكر بعض صور وأشكال الظُّلم دون النَّص الصَّريح على لفظة الظُّلم فيها، لكنَّها داخلةٌ تحت تعريف الظُّلم، ومنها على سبيل المثال:

  • روى النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- عن الله تعالى أنَّه خصمٌ يوم القيامة لثلاثة أصنافٍ من النَّاس ظلموا غيرهم، وتمثَّل ظلمهم في إعطاء العهد بالله تعالى ثمَّ عدم الوفاء به، ومن يأكل حقَّ الغير؛ كالرجل الذي يبيع حُرَّاً وهو يعلم أنَّه حرٌّ فيسلبه حقَّه في العيش الحرِّ والتَّصرف في شؤونه وأموره بحريَّةٍ، وكالرجل الذي يستأجر أجيراً في عملٍ ولا يعطي هذا الأجير حقَّه بعد أن أدّى العمل المستأجر لأَجلِه، كما في الحديث القدسيّ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (قال اللهُ: ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامةِ: رجلٌ أعطى بي ثم غدرَ، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنَه، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفى منهُ ولم يُعْطِه أجرَه).[٦]
  • ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: ( أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ)،[٧] ففي هذا الحديث الشَّريف ذكر النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسلَّام- صوراً متعدِّدةً للظُّلم؛ كالاعتداء على الآخرين بالشتم والقذف والضرب والإيذاء، وأخذ أموالهم دون حقٍّ، ونعت فاعل مثل هذه الأفعال بالمفلس؛ لأنَّه يوم القيامة يفلس من حسناته بعد توزيعها على من ظلمهم ردّاً لحقِّهم، فإن أفلست حسناته قبل أن يأخذ كلُّ من ظلمهم حقَّهم؛ أخذ هو من سيِّئاتهم، فترجح كفَّة سيئاته وتفيض، فيُلقى في النَّار عاقبةً لظلمه، وعقاباً له عليه.

تعريف الظُّلم

الظُّلم لغةً

الظُّلم في اللّغة جذره ظَلَم، فالظّاء واللام والميم أصلان صحيحان؛ أحدهما يدلُّ على ضدّ الضِّياء والنور، والثَّاني دالّ على وضع الشيء في غير موضعه تعدِّياً وتجاوزاً،[٨] وهو المعنى المراد في هذا المقال.

الظُّلم في أصله وضع الشيء في غير موضعه، ومنه المثل العربي: (من استرعى الذئب ظلم)؛[٩] أي من جعل الذئب راعٍ للغنم فقد ظلم الغنم لما سيحلُّ بهنَّ، أو ظلم الذِّئب لتحميله ما لا يطيقه طبعه.[١٠]

الظُّلم اصطلاحاً

يتقاطع معنى الظُّلم في الاصطلاح مع معناه اللغويّ؛ فقد عرَّفه الجرجانيُّ بذات معناه اللغوي: (وضع الشيء في غير موضعه)، وزاد عليه بأنَّه في الاصطلاح الشرعيِّ بمعنى التَّعدي عن الحقِّ إلى الباطل، والتَّصرف في ما يملكه الآخرون بغير حقٍّ، ومجاوزة الحدِّ، وهو رديفٌ للجُور.[١١]

أنواع الظُّلم

إنّ للظُّلم أنواعاً ثلاثةً بحسب تقسيم بعض الحكماء، هي:[١٢]

  • ظلمٌ بين الإنسان والله تعالى، ويتمثَّل بالكفر بالله تعالى أو الشرك به أو النِّفاق، ومنه قول الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).[١٣]
  • ظلمٌ بين الإنسان وغيره من النَّاس؛ وذلك بأن يتعدّى عليهم أو على حقوقهم.
  • ظلم الإنسان لنفسه، ومنه قول الله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[١٤]

والنَّوعان الأوّلان من أنواع الظُّلم داخلان في النَّوع الثَّالث من ظلم الإنسان لنفسه؛ لأنَّ في همِّ الإنسان بالظُّلم وارتكابه له ظلمٌ لنفسه، فعاقبة الظُّلم وضرره السيء عائدٌ على نفس الإنسان الظَّالم.[١٢]

المراجع

  1. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 45، حديث صحيح.
  2. رواه مسلم، في الجامع الصحيح، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577.
  3. رواه مسلم، في الجامع الصحيح، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2578.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 119، حديث حسن.
  5. رواه البخاري، في الصحيح، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6952.
  6. رواه البخاري، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2227.
  7. رواه مسلم، في الجامع الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2581.
  8. ابن فارس (2002)، مقاييس اللغة، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، صفحة 366، جزء 3. بتصرّف.
  9. الحموي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 386، جزء 2. بتصرّف.
  10. محمد فاروق النبهان (25-8-2014)، “من استرعى الذئب الغنم”، http://www.dr-mfalnbhan.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2017. بتصرّف.
  11. الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 144. بتصرّف.
  12. ^ أ ب صالح بن حميد وآخرون، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة، صفحة 4873، جزء 10. بتصرّف.
  13. سورة لقمان، آية: من الآية 13.
  14. سورة القصص، آية: 16.