احاديث الشيخ الشعراوى

ولد الشيخ متولي الشعراوي في مصر ، تربى و ترعرع فيها ، و ظهر حبه للعلم و القرآن الكريم منذ أن كان طفلاً صغيراً ، للشعراوي عدد كبير من المؤلفات أشهرها و أهمّها تفسير القرآن الكريم.

يقول الله تبارك وتعالي في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والبيهقي في سننه الكبري والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي ذر رضي الله عنه
(يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)
أصل الظلم هو محبة الانتفاع بجهد الغير فعندما تظلم واحداً فهذا يعني أنك تأخذ حقه , وحقه هو ما جاء به بجهده وكده وتأخذه أنت بلا كد ولا تعب ويتبع هذا أن يكون الظالم قوياً
ولكن ماذا عن الذي يظلم إنساناً لحساب إنسان آخر ؟
إنه لم ينتفع بظلمه ولكن غيره هو الذي انتفع وهذا شر من الأول لأنه ظلم إنساناً لنفع عبد آخر ولم يأخذ هو شيء لنفسه إذن فالظلم نوعان :
1- إما أن يكون الانتفاع بثمرة جهد غيرك من غير كد
2- وإما أن تنفع شخصاً بجهد غيره
إن الله تبارك وتعالي يريد ان تكون حركة حياتنا شريفة نظيفة , حركة كريمة فلا يدخل بطنك إلا ما تعبت فيه ويأخذ كل إنسان حقه وهذا أمر دائر بين الحق والباطل
يقول الحق سبحانه في سورة آل عمران
((تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين))
فالحق سبحانه وتعالي لا يريد الظلم مطلقاً لا من نفسه ولا منكم أنتم أيها العباد وللظلم مظاهر كأن تأخذ إنسان بغير جريمة أو أن تعاقب إنسان فوق مستوي جريمته أو ألا تعطي إنساناً مستوي احسانه والظالم يريد بظلمه أن يعود الأمر بالنفع له
إذن لا يمكن أن يذهب إنسان من الحق إلي الظلم إلا وهو يريد أن يحقق لنفسه منفعة أن يدفع عن نفسه ضرراً أما الحق سبحانه جل جلاله فلن يحقق لذاته منفعة بظلم أو يدفع ضرراً يقع عليه من خلقه إنه منزه عن ذلك فهو القاهر فوق عباده
والحق سبحانه وتعالي إذا نظرنا إليه وهو قوة القوي إذا أراد أن يظلم – وحاشا لله أن يظلم – فماذا يكون شكل ظلمه ؟
إن الظلم يتناسب مع قوة الظالم فقوة القوي عندما تظلم فإن ظلمها لا يطاق , ثم لماذا يظلم ؟
وماذا يريد أن يأخذ وهو الذي وهب ؟
إنه سبحانه مستغن ولن يأخذ من هذا ليعطي ذاك فالعبيد أمام الله سواء لأنه سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولد , إن الظلم بالنسبة لله محال عقلياً ومنطقياً
وحينما أراد الله أن ينفي عن نفسه الظلم ماذا قال ؟
قال في سورة فصلت (( وما ربك بظلام للعبيد))
ولم يقل وما ربك بظالم للعبيد
قالوا : لأن الله لو أباح لنفسه الظلم فلن يكون ظالماً فقط وإنما يكون ظلاماً لأن الظلم يتناسب مع قوته وقدرته
ونحن قلنا أن هناك اشياء تسمي مبالغات مثل قولك : فلان آكل . فكلنا آكلون ولكنك إذا قلت فلان أكول أو اكال فمعناها أنه يبالغ في الأكل إما بزيادة كمية الطعام التي يأكلها فيبالغ في الحدث ذاته وإما أن يأكل خمس مرات في اليوم مثلاً إذن المبالغة في الوصف إما أن تكون بتضخيم الحدث أو تكراره
وكذلك لم يقل الحق سبحانه وما ربك بظلام للعبد ولكنه قال للعبيد فلو أنه سبحانه ظلم هذا العبد وذاك وغيره فهذا التكرار في الظلم يتناسب معه كلمة ظلام وليس كلمة ظالم

والله سبحانه وتعالي لم يمتنع عن الظلم لأنه لا يستطيع أن يظلم ولكن لأنه لا ينبغي له أن يكون ظالماً لأن الظالم يأخذ حق غيره لنفسه أما الله فهو مالك كل شيء فلا يمكن أن يظلم ولا ينبغي له إذن عدم ظلمه سبحانه ليس عن ضعفه عن الظلم ولكن لتنزهه عنه ولذلك يقول الحق في سورة العنكبوت
((وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))
وكلمة (ما كان) تختلف عن (ما ينبغي) فساعة تسمع “ما ينبغي لك أن تفعل ذلك” فهذا يعني أن لك قدرة علي أن تفعل ولكن لا يصح أن تفعل , ولكن حينما يقال “ما كان لك أن تفعل” أي أنك غير مؤهل لفعل هذا مطلقاً , ومثال ذلك ولله المثل الأعلي : أن يقال لفقير “ما كان لك أن تشتري فيديو” لأنه بحكم فقره غير مؤهل لشراء مثل هذا الجهاز
ولكن حين يقال لآخر “ما ينبغي لك أن تشتري فيديو” أي أنه عنده القدرة علي الشراء ولكن القائل له يري سبباً غير الفقر هو الذي يجب أن يمنع من الشراء , إذن فهناك فرق بين نفي الإمكان ونفي الانبغاء
والحق سبحانه لا يظلم أحداً ولو مثقال ذرة إذن فهو ليس بظلام للعبيد لأنه لو ظلم كل عبد من عباده ذرة لكانت كمية الظلم هائلة لكثرة العباد ولكن حتي هذه الذرة من الظلم لا تحدث من الله لأنه سبحانه ليس بظلام للعبيد وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الأخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتي إذا أفضي إلي الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها))
والظالم من البشر جاهل لماذا ؟
لأنه قوي الذي ظلمه ولم يضعفه , فالظالم يظلم ليضعف المظلوم أمامه فنقول له : أنت قليل الذكاء لأنك قويته علي نفسك وفعلت عكس ما تريد كيف ؟
لنوضح ذلك بمثال ولله المثل الأعلي الواحد منا له أولاد فإذا ما جاء يوماً أحد أولادك وقد ظلم أخاه يوماً فقلب الوالد يكون مع من ؟ الظالم أم المظلوم ؟
فقلب الوالد يكون مع المظلوم بل ويحاول الوالد أن يسترضي المظلوم إذن فالولد الظالم ضر أخاه ضرراً سناسب طفولته ولكنه أعطاه نفعاً يناسب قوة والده وما دمنا جميعاً عبيداً لله فماذا يفعل الله حين يري سبحانه واحداً من خلقه قد ظلم آخر ؟
لابد أن الحق سيشمل المظلوم برعايته