كيف أتعلم حفظ القرآن الكريم بالتجويد
أهميّة حفظ القرآن الكريم
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم ليُتلى، وتُتدبّر آياته، ويُعمل به، ليكون أصل العلم ومصدره الأساسيّ، حيث وصف الله -تعالى- الذين يحفظونه في صدورهم بأنّهم من أهل العلم، مصداقاً لقَوْله -تعالى-: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)،[١] ولذلك فإنّ حفظ القرآن الكريم من أهم الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يركّز عليها، ولا يعني ذلك أنّ حفظ القرآن الكريم شرطٌ لتحصيل العلم، فبالنظر إلى أخبار السلف الصالح يتحصّل أنّ كثيراً منهم كانوا متقدّمين في العلم، ولم يكونوا حفظةً لكتاب الله كلّه، ويُمكن القول بشكلٍ عامٍ إنّ حفظ القرآن الكريم سبيلٌ لحفظ العلم وفهمه، وحريّ بالمسلم أن يُخصّص من وقته لحفظ القرآن، ولو كان وقتًا بسيطاً، ففي هذا الوقت يحفظ ولو وجهاً، أو وجهَين، أو ثلاثة وجوهٍ من المصحف، وبذلك فإنّه يجد المسلم نفسه مع مرور الأيام والشُّهور قد أتمّ حفظ كتاب الله في عددٍ قليلٍ من السنوات، قد يكون ثلاث أو أربع سنواتٍ فقط، بالمواظبة على حفظ القرآن، وعدم الانقطاع عن ذلك.[٢][٣]
ويُشار إلى أنّ تعلم القرآن وحفظه لا يتعارض مع العلوم الأخرى، فيُمكن للمسلم أن يجمع بين علوم القرآن وعلوم الدنيا النافعة الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنّ ابن عبد البرّ -رحمه الله- قد أشار إلى أنّ أول مراتب طلب العلم؛ حفظ القرآن الكريم، وتدبّر آياته، في كتابه جامع بيان العلم، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يحثّ أصحابه -رضي الله عنهم- على حفظ القرآن الكريم، ولم يعتنوا بحفظ القرآن الكريم وحسب؛ بل كانوا يتدبّرون آياته ويعملون بها، مصداقاً لِما ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- أنّه قال: “كان الرجلُ منا إذا تعلَّم عشرَ آياتٍ لم يجاوزْهنَّ حتى يعرفَ معانيهن والعملَ بهن”، ويجدر التنويه إلى أهميّة الحرص على تفسير القرآن الكريم، وفَهْم مقاصد الآيات ومعانيها؛ حتى يتحقّق التدبّر، وينعكس القرآن إيجاباً على حياة المسلم وأخلاقه.[٢][٣]
كيفية تعلّم حفظ القرآن الكريم بالتجويد
أشار أهل العلم إلى الصِلة الوثيقة بين القرآن الكريم وأحكام التجويد؛ حيث إنّ الله -تعالى- أنزل القرآن الكريم بالتجويد، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ القرآن الكريم، ويعرضه على الصحابة -رضي الله عنهم- بأحكام التجويد، وكذلك كان القرّاء في كلّ عصرٍ؛ يقرأ المعلّم على المتعلّم بالتجويد؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وبقيت أحكام التجويد تُتلقّى مع القرآن الكريم من أفواه الشيوخ، ولذلك ينبغي إتقان أحكام التجويد من خلال القراءة على شيخٍ ضابطٍ، بالإضافة إلى حفظ الحروف؛ لأنّ الخلل في التجويد يُعدّ خللاً في القراءة، وإن كان حفظ الحروف مُتقناً.[٤]
التعلّم على شيخٍ مُتقنٍ
يجدر بالذكر أنّ القراءة المجوّدة من خلال مراعاة الحدّ الأدنى من أحكام التجويد؛ كالإدغام، والمدود، وإتقان مخارج الحروف أثناء الحفظ تزيد من إتقان الحفظ وتثبته، لا سيما أنّ القراءة السريعة التي تُشبه قراءة الكتب تصعّب الحفظ، وتسرّع من نسيان المحفوظ، ومن الأمور التي تساعد على تثبيت الحفظ؛ القراءة على شيخٍ متقنٍ؛ لأنّ تصحيح الأخطاء مُقدّمٌ على حفظ القرآن، وحريّ بالمتعلّم أن يُدرك أنّه مُعرّض للخطأ، وواجبه حين وقوع الخطأ؛ تعلّم الوجه الصحيح للقراءة، وإتقان ما يُعلّمه إيّاه شيخه أو معلّمه، وفي الواقع فإنّ المُعلّمين ينهجون طريقة من اثنتين؛ إمّا أن يقرأ الطالب القرآن الكريم كاملاً؛ فيُصحح شيخه تلاوته، ولا يسمح له بالحفظ في السنة التي قرأ فيها، وفي السنة الثانية؛ يُسمح له بالحفظ، أمّا الطريقة الثانية؛ بأن يُصحح الشيخ لطالبه الآيات التي يُريد أن يحفظها، ومن الجدير بالذكر أنّ تصحيح التلاوة قبل الحفظ يجعل الحفظ أسهل بكثيرٍ، فخلال التصحيح تُعاد قراءة الآيات، ولذلك فإنّ أغلب المتعلّمين يحفظون ما يُقارب ثلاثين بالمئة من الآيات أثناء تصحيحها فقط، فيتبقّى عليهم سبعين بالمئة فقط، إلى أن يُتمّوا الحفظ على الوجه الكامل.[٥]
ومن النصائح الأخرى التي تساعد على تعلم حفظ القرآن الكريم بالتجويد؛ الارتباط العلميّ، والتربويّ، والعقليّ بالشيخ الذي يُعلّم القرآن الكريم وأحكام تجويده، واعتماد شيخٍ واحدٍ لهذه المهمّة، وذلك حتى لا يتشتّت المتعلّم بين طريقةٍ وأخرى، وكذلك بين شيخٍ وآخرٍ، ويجب اعتماد طريقةٍ معيّنةٍ في حفظ القرآن الكريم بالتجويد من الشيخ، بحيث لا يتشتت ذهن المتعلّم بأكثر من طريقةٍ، حتى وإن كانت هذه الطرق من الشيخ نفسه، مع ضرورة الاقتصار على الحفظ والقراءة بطبعةٍ واحدةٍ من المصحف، ومن أهمّ الأمور التي تساعد على الحفظ بالتجويد، وإتقان الحفظ؛ إخلاص النيّة لله -تعالى-، والحرص على اختيار المكان والوقت المناسبَين للحفظ، والتقرّب إلى الله -تعالى-، واللجوء إليه بطلب العون على الدوام، فالحفظ توفيقٌ وتيسيرٌ من الله -تعالى-، ويُنصح بربط آيات القرآن الكريم بالمعاني وتفسيرها، وتركيز النظر على الآيات أثناء الحفظ، مع أهميّة تكرار الحفظ، وترك المعاصي والذنوب والمحرّمات، والتزام الطاعات والعبادات، كما يُنصح بتخصيص وِرْدٍ يوميٍّ للحفظ؛ حتى يشعر المتعلم بضرورة وأهميّة الانتظام في حفظ القرآن الكريم، وبالتالي يواظب عليه دون انقطاعٍ.[٥]
وسائل وطرقٌ أخرى
الخيار الأمثل في تعلّم القرآن الكريم وحفظه بالتجويد؛ هو الاستعانة بشيخٍ لتعليم ذلك، إلّا أنّه في حال عدم توفّر شيخٍ، أو عدم القدرة على التعلّم على يد شيخٍ على الإطلاق، فإنّه من الممكن تعلّم القرآن الكريم وحفظه دون شيخٍ، وذلك باستخدام المصحف المُعلّم، والاستماع لدروس التجويد، واستخدام التطبيقات الخاصة بعلوم التجويد، سواءً كانت مسموعةً أم مقروءةً، ويُمكن كذلك اللجوء إلى ما يُعرف بالمقارئ الإلكترونية، أو الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة بطريقةٍ صحيحةٍ؛ للوصول إلى متقني تجويد القرآن، وطلب المساعدة والعون منهم كما يحبّ الله ويرضى،[٦] ويُمكن كذلك القراءة والتعلّم من الكتب النظريّة، بما فيها الكتب الخاصة بأحكام التلاوة والتجويد، ومنها الكتب الحديثة ومنها القديمة، ومنها ما هو متوفّرٌ على شكل نسخةٍ إلكترونيةٍ على مواقع الإنترنت، ولكن يجدر التنويه إلى أننّ هذه الطرق يُلجأ إليها في حال عدم القدرة على تعلّم القرآن الكريم من شيخٍ مُتقنٍ.[٧]
فَضْل حفظ القرآن بتجويدٍ وإتقانٍ
ورد في فَضْل حفظ القرآن الكريم بإتقانٍ وتجويدٍ عددٌ من الأدلّة الشرعيّة، ومنها: قَوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ)،[٨] فقد بيّن الحديث السابق فَضْل المُتقن لقراءة القرآن الكريم بأنّه مع السَّفرة، والسَّفرة هم: الملائكة الذين يُحصون أعمال العباد ويُسجّلونها، فهم كالرُّسل بين الله -تعالى- وخلقه، وقيل كذلك إنّ الملائكة هم السَّفرة؛ لأنّهم يسفرون برسالات الله -تعالى- إلى خلقه، وإنّ اعتبار المُتقن لتلاوة القرآن الكريم مع الملائكة دليلٌ على عِظَم المكانة عند الله -تعالى-، والمُتقن للقرآن كذلك مع الكِرام؛ أيّ المطهّرين من المعاصي والآثام، والبَرَرَة هم: المطيعون، أمّا الشقّ الثاني من الحديث؛ فقد بيّن أجر من يتتعتع بالقرآن، والقصد الذي تثقل عليه قراءة القرآن، أو يستصعب نطقه، فمثل هؤلاء الناس لهم أجرَان، أجر قراءة القرآن، وأجر التعتعة كذلك، ومن الأحاديث التي وردت في أجر قارئ القرآن المُتقن لتلاوت؛ قَوْل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، حيث قال: (ما أذِنَ اللَّهُ لِشيءٍ ما أذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ يَجْهَرُ بهِ)،[٩] فقد بيّن الحديث النبوي الشريف أنّه كما لكلّ شيء حِليةً؛ فإنّ حِلية قراءة القرآن الكريم ترتيله وإحسان الصوت عند تلاوته، ويُفهم من ذلك أنّه يفضل تحسين الصوت عند تلاوة القرآن الكريم، فإذا كان القارئ صاحب صوتٍ حَسنٍ كان به، وإن لم يكن فليبذل ما استطاع لتحسين صوته، وترتيل القرآن ترتيلاً، أمّا بالنسبة للجهر بالقرآن الكريم الذي ورد في الحديث النبوي الشريف؛ فمن المقاصد الطيبة لذلك: الجهر بقراءة القرآن صرف الكسل والنوم، أو تثبيت الحفظ، شريطة ألا يكون في ذلك تشويشٌ على الآخرين.[١٠]
وإضافةً إلى ما سبق، فإنّ لتعلم علم التجويد فضلٌ عظيمٌ، يُمكن تلخيص أهمّ ما يندرج في فَضْل تعلّم هذا العلم فيما يأتي:[١١]
- وسيلةٌ لحفظ اللسان، وصونه عن الأخطاء التي تندرج تحت مُسمّى اللحن الجَلْي عند قراءة القرآن الكريم.
- وسيلةٌ تساعد على تدبّر آيات الله -تعالى-، والتفكر في كلامه -عزّ وجلّ-، والتأمل في مقاصد الآيات الكريمة ومعانيها، وقد ورد في ذلك قَوْل الله -تبارك وتعالى- في مُحكم كتابه الكريم في سورة ص: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).[١٢]
- تعلّم التجويد، ودراسة أحكامه؛ من طُرق فَهْم محاور اللغة العربية، وتقوية النطق بها، وبذلك يتم تصحيح اعوجاج اللسان، وتُقوّى قدرة الشخص وملكته على النطق باللغة العربية الفصحى، وبذلك يتمّ إحياء اللغة العربية، ولفهم الرابط بشكلٍ أفضلٍ بين علم التجويد واللغة العربية؛ يُشار إلى أنّ مباحث القراءات ومباحث علم التجويد في صُلب اللغة العربية؛ إذ إنّها مواضيع لغويةٌ، كما هو الحال عند دراسة مبحث همزة الوصل وهمزة القطع، وكذلك مبحث الإمالة، وغيرها الكثير، وإنّ إتقان هذه المباحث يتطلب تمرّس اللغة العربية، وإتقان النطق بها.
- اتخاذ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الميادين لتدريس التجويد وتعليمه، وذلك ليتم ترسيخ فَهْم هذا العلم بأكثر من طريقةٍ، وإنّ اتّباع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لهذا الأسلوب؛ دليلٌ على فَضْل علم التجويد ومدى أهميّته، أمّا بالنسبة للطُّرق التي كان يتّبعها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لتعليم التجويد ونشره؛ فمنها: قراءة القرآن الكريم قراءةً جهريّةً، بحيث يسمعها مَن حوله من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن الناس، ولا سيّما في صلاة الجماعة، هذا فضلًا عن أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يرفع صوته في القراءة الفرديّة كذلك، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الأمر كان لمقصدٍ، ومن تلك المقاصد؛ تعليم الناس كيفيّة قراءة القرآن على الوجه الصحيح، ومن أساليبه -عليه الصلاة والسلام- كذلك حلقات التعليم التي كان يعقدها ويحرص على استمراريتها، وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- جميعاً قد نقلوا هذه الأساليب عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واتّبعوها، وعلّموا تلاميذهم أهميّة قراءة القرآن الكريم بالترتيل، وعلى الوجه الصحيح، وأكّدوا أنّ القصد من قراءة القرآن تدبّره وليس قراءته قراءةً مُجرّدةً، وقد ذمّ الصحابة -رضي الله عنهم- قارئ القرآن على عَجَلٍ الذي لا يُعطي الحروف حقّها، ولا يقرأ الآيات بتدبّرٍ، وقد ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال لمصحفٍ قد زُيّن: “إنّ أحسن ما زُيّن به المصحف تلاوته بالحقّ”، ولذلك يجدر بالمسلم الاقتادء بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة من بعده.[١٣]
المراجع
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 49.
- ^ أ ب سلمان بن فهد بن عبد الله العودة، دروس للشيخ سلمان العودة ، صفحة 25. بتصرّف.
- ^ أ ب “أهمية حفظ القرآن وتفهم معانيه”، www.islamweb.net، الثلاثاء 12 رجب 1434 هـ – 21-5-2013 م، اطّلع عليه بتاريخ 12-5-2020. بتصرّف.
- ↑ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية،مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 392-391 جزء 43. بتصرّف.
- ^ أ ب “طرق إبداعية في حفظ القرآن الكريم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2020. بتصرّف.
- ↑ “طرق تعلم القرآن بالتجويد بدون شيخ”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2020. بتصرّف.
- ↑ “كيف أحفظ القرآن بدون معلم؟”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 798 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 792، صحيح.
- ↑ أبو خالد سعيد عبد الجليل يوسف صخر المصري (1418 هـ – 1997 م)، فقه قراءة القرآن (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة القدسى، صفحة 77-78. بتصرّف.
- ↑ محمد أحمد مفلح القضاة, أحمد خالد شكرى، محمد خالد منصور (1422 هـ – 2001 م)، مقدمات في علم القراءات، عمان: دار عمار، صفحة 185. بتصرّف.
- ↑ سورة ص، آية: 29.
- ↑ عبد السلام مقبل مجبرى، إذهاب الحزن وشفاء الصدر السقيم (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الإيمان، صفحة 237. بتصرّف.