أول سورة نزلت كاملة

نزول القرآن على النبي

أنعم الله -تعالى- على البشرية جمعاء بأن أرسل إليهم محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسولاً خاتماً وأنزل معه الكتاب المبين، الذي جعله الله -تعالى- منارة وهداية للناس؛ فكان نزوله حدثاً فارقاً عظيماً يبيّن مكانته عند أهل السماوات وأهل الأرض، وقد أنزله الله -تعالى- في ليلة القدر إلى بيت العزّة في السماء الدنيا وكان هذا النزول الأوّل؛ فعلم أهل السماء من الملائكة أنّ لهذا الكتاب مكانة عظيمة، وأنّ لهذه الأمّة خصيصة مميّزة بتميّز هذا الكتاب، ثم أنزله الله -تعالى- مفرّقاً على النبي -عليه السلام-، وهو الكتاب الوحيد الذي نزل مفرّقاً وليس جملة واحدة، وفي ذلك شرف وميزة للأمّة الإسلامية، ولنزوله مفرّق حكم عديدة؛ كتثبيت قلب النبيّ -عليه السلام- بتتابع الوحي، وفي ذلك تبيين للأحكام أوّلاً بأوّل.[١]

أول سورةٍ نزلت كاملةً

اختلف العلماء في أوّل سورة أنُزلت كاملة، وكانت تدور آراءهم حول ثلاث سور؛ وهي العلق، والمدثّر، والفاتحة؛ وكون أكثر العلماء قالوا بأنّ سورة العلق لم تنزل كاملة كالسيوطي؛ فبقي الخلاف يدور بين سورتي المدّثر والفاتحة،[٢] وقيل أنّ الفاتحة هي أوّل سورة نُزلت كاملة؛ أي مرّة واحدة عندما فُرضت الصلاة؛ فصلّى بها المسلمون، وقد ذهب إلى ذلك الشيخ محمد رشيد رضى في تفسيره المسمّى بالمنار، لكن بداية سورة العلق كانت سابقة لها؛ فكانت بدايات سورة العلق تمهيداً للمنهج الذي نزل فيه القرآن الكريم، ليخرج النّاس من الظلمات إلى العلم، وأشار إلى أنّ العلم يكون بالقلم، وهو دلالة على الكتابة، وقد جعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سورة الفاتحة في ترتيب سور القرآن السورة الأولى، وقد أجمع العلماء على ذلك.[٣]

وقد سُميّت بالفاتحة لأنّها السورة التي افتتح بها القرآن، وهذا ما قاله ابن عثيمين،[٤] وذهب الإمام القاسمي في تفسيره إلى أنّ الفاتحة هي السورة الأولى التي نزلت كاملة،[٥] وقال السيد طنطاوي: إنّ الأحاديث الواردة في أنّ أوّل سورة نزلت هي الفاتحة ذلك أنّ أوّل سورة نزلت كاملة هي الفاتحة، في حين أنّ الأحاديث التي وردت في كون الأولى هي المدثر إنّما حمل على أنها كانت أوّل ما نزل بعد فتور الوحي، وقد ذهب الآلوسيّ إلى أنّ أوّل شيئ نزل هو أوّل سورة العلق، ثمّ سورة المدّثر بعد فتور الوحي، ونفى نزول سورة الفاتحة بالأوّل،[٦] وفي كتاب الإتقان للحافظ السيوطي بيّن أنّ سورة المدّثر هي أوّل سورة نزلت كاملة.[٧]

واستدلّ فريق القائلين بأنّ سورة المدّثر هي أوّل سورة نزلت كاملة بالذي رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ أبا سَلَمَةَ: أيُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قالَ: {يا أيُّها المُدَّثِّرُ})،[٨] أمّا الذين قالوا بأنّ الفاتحة هي أوّل سورة نزلت استدلّوا بالحديث المنقطع الذي أخرجه البيهقي عن قصّة نزول الوحي أنّ النبيّ -عليه السلام- أخبر ورقة بن نوفل بذلك فقال: (إذا خلوتُ وحدي سمعتُ نداءً خلفي : يا محمدُ ، يا محمدُ ، فأنطلقُ هاربًا في الأرضِ ، فقال : لا تفعل فإذا أتاك فاثبُتْ حتى تسمعَ ما يقولُ ، ثم ائتِني فأخبِرني ، فلما خلا ناداه يا محمدُ قُل : ] بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . حتى بلغ . وَلَا الضَّالِّينَ).[٩][١٠]

كيفية نزول القرآن

نزل القرآن الكريم على ثلاث مراحل؛ الأولى أنّه نزل جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)،[١١] وكيفية نزوله إلى اللوح المحفوظ لا يعلمها إلّا الله -تعالى- ومن أُذن له بمعرفة ذلك، والمرحلة الثانية هي نزول القرآن إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، والذي أُنزل في ليلة القدر، وقد ورد هذا في قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)،[١٢] وثالث المراحل هو نزول القرآن مفرّقاً على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل أمين الوحي -عليه السلام- على امتداد ثلاث وعشرين عاماً؛ ابتدأ التنزيل ببعثته وانتهى بوفاته -صلى الله عليه وسلم-، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ).[١٣][١٤] وكان نزوله مفرّقاً له حكمٌ كثيرة، ومنها أنّ في ذلك مسايرة للأحداث والوقائع الجديدة التي تحدث، ولأنّ الحكمة والضرورة تقتضيان ذلك.[١٥]

المراجع

  1. مناع القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 100. بتصرّف.
  2. “أول سورة نزلت كاملة”، www.islamweb.net، 28-8-2002، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2020. بتصرّف.
  3. محمد رشيد رضا (1990)، تفسير المنار ، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 32، جزء 1. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 32، جزء 1. بتصرّف.
  5. محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي، محاسن التأويل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 506، جزء 9. بتصرّف.
  6. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار نهضة مصر، صفحة 453، جزء 15. بتصرّف.
  7. “أول سورة أنزلت كاملة”، www.islamweb.net، 28-8-2002، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2020. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 161، صحيح.
  9. رواه البيهقي، في دلائل النبوة، عن عمرو بن شرحبيل ، الصفحة أو الرقم: 2/158، منقطع.
  10. محمد فاروق النبهان، المدخل إلى علوم القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، حلب: دار عالم القرآن، صفحة 100-101. بتصرّف.
  11. سورة البروج، آية: 22-23.
  12. سورة القدر، آية: 1.
  13. سورة الشعراء، آية: 192.
  14. محمد معبد (2005)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 19. بتصرّف.
  15. أ.د. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1395، جزء 2. بتصرّف.