أسرار وفضائل سورة الضحى

سورة الضحى

سورة الضحى سورةٌ مكيةٌ، مُحكمةٌ كلّها، يبلغ عدد آياتها إحدى عشرة آية، كان نزولها بعد سورة الفجر، وسمّيت بالضحى؛ لافتتاح الله -تعالى- السورة بلفظ الضحى، إذ قال: (وَالضُّحَى)،[١] وقيل إنّ المقصود بالضحى النهار، وقيل بل الساعة التي سجد فيها السَّحرة بعد إيمانهم برسالة موسى -عليه السلام-، وقيل إنّ الضحى نور الجنة، أو نور قلوب المؤمنين.[٢][٣]

فضائل سورة الضحى

لم يرد في فضل سورة الضحى حديث صحيح، إلّا أنّه يستحب التكبير عند الانتهاء من سورة الضحى وكل سورة بعدها حتى يختم القرآن في إحدى القراءات العشر وهي قراءة ابن كثير؛ والحكمة من التكبير أن فيه إظهار فرحٍ بعودة الوحي إلى النبي بعد انقطاعه كما سيرد لاحقاً،[٤][٥][٦] ويجدر بالذكر أنه لم يرد دليلٌ على قراءة سورة الضحى عند فقدان شيء أو ضياعه، فالأولى ترك تخصيص قراءة السورة بشيء لم يرد عليه دليل أو نص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما من ناحية العموم فيجوز قراءة القرآن على سبيل التوسل إلى الله -سبحانه- لقضاء الحوائج، فذلك من التوسل بالعمل الصالح وهو مشروع.[٧][٨]

علاقة سورة الضحى بما قبلها وما بعدها

علاقة سورة الضحى بسورة الليل

تتعلّق سورة الضحى بسورة الليل السابقة لها ببيان أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- سيد الأتقياء والأصفياء، كما أنّ سورة الليل نزلت بشأن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وسورة الضحى بشأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وبذلك يتّصل رضى النبي -عليه السلام- برضى خليفته، وقدم ذكر أبي بكر؛ لبيان أهمية إخلاص النيات والأعمال لله -سبحانه-،[٢][٣] وفيما يأتي بيان الترابط بين آيات السورتين:[٩]

  • قال الله -تعالى- في سورة الليل: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)،[١٠] ثمّ بيّنت سورة الضحى أنّ محمداً -عليه الصلاة والسلام- أفضل المتقين بذكر ما أنعم الله -تعالى- عليه.
  • يُقصد بقوله -تعالى-: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى)،[١١] النبي محمدٍ -عليه السلام-؛ بدليل قوله -تعالى- مخاطباً إيّاه: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).[١٢]
  • قوله -تعالى-: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى)،[١٣] تمّ بيانه بأنّ الحياة الآخرة أفضل من الدنيا، بقوله -تعالى-: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى).[١٤]
  • قال -تعالى- في سورة الليل: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)،[١٥] وقد ذكرت بعض صور التقوى والعطاء، بقوله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ*وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر*وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).[١٦]

علاقة سورة الضحى بسورة الشرح

العلاقة بين سورة الضحى وسورة الشرح التي نزلت بعد الضحى، تتمثّل أنّ فيهما ثناءً من الله -جلَّ وعلا- على نبيه -عليه السلام-، ومواساةً له، وتثبيتاً لقلبه، ممّا يدل على صحة الرسالة التي بُعث بها محمدٌ -عليه الصلاة والسلام-، وصدق نبوته، وفي ذلك بيانٌ وتذكيرٌ بعناية الله -تعالى- لرسوله، وأنّه لن يقطع عليه الخير والفضل، بل يمنّ عليه بتيسير الأمور، ورفع الهمّ والحرج عنه.[١٧]

سبب نزول سورة الضحى

أُصيب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بالهمّ والغمّ في بداية دعوته؛ لانقطاع الوحي؛ أي جبريل عنه خمس عشرة ليلةً؛ لحكمةٍ عَلِمها الله -عزّ وجلّ-، وقيل انقطع الوحي اثني عشر يوماً، وقيل خمسة وعشرين يوماً، وقيل أربعين يوماً، فبدأ كفّار قريش، ومنهم زوجة أبو لهب بالاستهزاء من الرسول، وتعييره بعدم نزول الوحي عليه، بقولهم: “ودّعك ربّكَ وقَلاك”؛ أي انقطع عنك، وقيل إنّ السيدة خديجة التي قالت له ذلك ألماً وحسرةً لا سخريةً منه، كما ورد في صحيح مسلم: (أَبْطَأَ جِبْرِيلُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ المُشْرِكُونَ: قدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: [وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلَى*])،[١٨] وورد أيضاً في صحيح البخاري: (اشْتَكَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ -أوْ ثَلَاثًا-، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقالَتْ: يا مُحَمَّدُ، إنِّي لَأَرْجُو أنْ يَكونَ شيطَانُكَ قدْ تَرَكَكَ، لَمْ أرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ -أوْ ثَلَاثَةٍ- فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجَى، ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى})،[١٩] وقيل إنّ سبب انقطاع الوحي عن الرسول موت جروٍ تحت الفراش في حُجرته، وبعد تطهير الحُجرة نزل الوحي على الرسول، وقال له جبريل: (إنَّا لا ندخُلُ بيتًا فيهِ صورةٌ ولا كَلبٌ).[٢٠][٢١][٢٢][٢٣]

تفسير وبيان سورة الضحى

افتتح الله السورة بالقَسَم؛ إذ أقسم بمتقابلين؛ أي متاضدين، فقال: (وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)،[٢٤] وهما: الضحى؛ وهو وقت شروق الشمس وسطوعها، وأقسم بالليل ممّا بعد غروب الشمس،[٢٥] وورد جواب القسم بطمأنة النبي -عليه السلام- أنّ الله لم يتركه، ولم يستغنِ عنه، ولم يُبغضه أبداً كما ادّعى المشركون، فقال: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)،[٢٦] وورد جواب القسم في قوله -تعالى-: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى)،[١٤] وبيّن الله لنبيه محمداً أنّ ما أعدّ له في الدار الآخرة، من المقام، والحوض، والشفاعة، والخير العظيم؛ خيرٌ من الحياة الدنيا وما فيها، وقال -تعالى-: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)،[١٢] فالله منح نبيه العديد من العطايا التي ستُرضيه وتُسعده، ثمّ عدّد الله -تعالى- نِعَمه على نبيه، قائلاً: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى*وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى*وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)،[٢٧] فالله -سبحانه- يسّر لنبيه كفالة عمّه أبو طالب رحمةً منه، كما هداه إلى أمور الشريعة، ومنحه العلم الكثير، وأغناه عن السؤال والحاجة، وقد أوصاه بأمرين، قائلاً: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ*وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)،[٢٨] فأوصى الله نبيه بالرحمة والعطف على اليتيم، وأداء حقّه، وعدم غلبته، كما كان الله رحيماً بنبيه، إضافةً إلى عدم ردّ السائل، والحرص على البذل والعطاء، وقال الله في ختام السورة: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)،[٢٩] ويُقصد بذلك تحديث النبي بالنبوة التي آتاها الله إيّاه، أو بكلّ النعم التي أنعم بها الله -سبحانه-؛ كتعليم القرآن، والشريعة، وبذلك تشمل النِعَم كلّ نعمةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ.[٣٠][٣١]

أهداف سورة الضحى

لسورة الضحى العديد من الأهداف والغايات، فيما يأتي بيان البعض منها:[٣٢]

  • إبطال ما يزعُم المشركين على النبي محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ الله قد قطع الوحي عنه.
  • بيان أنّ الدار الآخرة خيرٌ من الدارالدنيا، وبِشارة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعطاء الذي يُرضيه من الله؛ لإغاظة المشركين.
  • إعلاء منزلة النبي -عليه السلام- بالكرامات التي مُنحت له، من الشفاعة، وانتشار رسالته، والتمكين له.
  • بيّن الله -تعالى- لُطفه وعنايته بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنّ على العبد مقابل ذلك شكر الله، والثناء عليه، ونفع الغير بما أنعم الله.
  • ذكّر الله -سبحانه- نبيّه بحاله وهو صغيرٌ؛ من اليُتْم، والفقر، والضياع، وذكّره بأنّه أغناه وأحاطه بالعناية والحماية.
  • أوصى الله نبيه في ختام السورة بالعطف والحنان على اليتيم، والرحمة بالمحتاج، والوقوف بجانب المسكين.

العبِر والدروس المستفادة من سورة الضحى

نزلت سورة الضحى مواساةً لخير الخلق محمدٍ، عندما شقّ عليه فتور الوحي عدة ليالٍ، فأراد الله أن ينزع من قلبه اليأس، ويبعث فيه التفاؤل والأمل، ومن صور التفاؤل في السورة:[٣٣][٣٤]

  • التأكيد على أنّ الضيق لا يبقى، ولا بدّ أن يتبعه الفرج، وأنّ الله يرحم عباده مهما طالت مدة العناء والضيق، والعلم أنّ ما من عبدٍ يُبتلى إلّا وفرّج الله عنه، والقدوة في ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي ابتُلي بعدّة ابتلاءاتٍ؛ كالفقر، واليُتم، وعلى العبد أن يتذكّر نعم الله عليه وقت ابتلائه، ولا يُنكر فضل الله عليه، ورحمته به.
  • نزول السورة في بداية الدعوة الإسلامية، حين عانى المسلمون أشدّ أنواع العذاب النفسي والجسدي، فكانت السورة بمثابة الدعم للمسلمين؛ ليثبتوا على دينهم.
  • تعميق قيم التكافل الاجتماعي بين المسلمين؛ وذلك من خلال العطف على اليتيم، من جميع نواحي الحياة الاجتماعية، والعلمية، والاقتصادية.
  • التأكيد على الأخلاق الحميدة، التي يجب الحرص عليها في التعامل مع المساكين والفقراء؛ اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • شُكر الله -تعالى- الدائم على نِعَمه، صغيرةً كانت أم كبيرةً، قال الله -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).[٣٥]
  • التأكيد على أهمية التعامل الحسن مع الآخرين، بالتشجيع، والتحفيز، وتعزيز الثقة بالنفس لديهم.

____________________________

الهامش

* ما ودّعك ربك وما قلى: أي ما تركك وما أبغضك الله يا محمّد -عليه الصلاة والسلام-.[٣٦]

المراجع

  1. سورة الضحى، آية: 1.
  2. ^ أ ب سراج الدين النعماني (1998م)، اللباب في علوم الكتاب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 380، جزء 20. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد الشافعي (2001 م)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار طوق النجاة، صفحة 80، جزء 32. بتصرّف.
  4. “التكبير بين السور عند ختم القرآن”، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2020. بتصرّف.
  5. “.فصل في فضل السورة الكريمة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2020. بتصرّف.
  6. “التكبير من سورة الضحى إلى سورة الناس”، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2020. بتصرّف.
  7. 9-7-2009 “حكم قراءة سورة الضحى عند فقدان الشيء”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  8. “هل تقرأ سورة الضحى طلبا لرد الضالة؟”، www.islamweb.net، 15-3-2004، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2020. بتصرّف.
  9. سعيد حوى (1424 هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 6566، جزء 11. بتصرّف.
  10. سورة الليل، آية: 17.
  11. سورة الليل، آية: 21.
  12. ^ أ ب سورة الضحى، آية: 5.
  13. سورة الليل، آية: 13.
  14. ^ أ ب سورة الضحى، آية: 4.
  15. سورة الليل، آية: 5.
  16. سورة الضحى، آية: 9-11.
  17. محمد الدبيسي (2010)، السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية، القاهرة: رسالة دكتوراة، كلية الآداب – جامعة عين شمس، صفحة 183، جزء 1. بتصرّف.
  18. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1797، صحيح.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جندب بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4950، صحيح.
  20. رواه الألباني ، في صحيح ابن خزيمة، عن ميمونة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 299، صحيح.
  21. جلال الدين السيوطي (2002م)، لباب النقول في أسباب النزول (الطبعة الاولى)، بيروت-لبنان: مؤسسة الكتب الثقافية، صفحة 258-260. بتصرّف.
  22. أبو حفص النعماني (1998م)، اللباب في علوم الكتاب (الطبعة الأولى)، لبنان-بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 384-385، جزء 20.
  23. “كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.
  24. سورة الضحى، آية: 1-2.
  25. عامر مهدي صالح، عبد الكريم محمود (2010)، “مظاهر أسلوبية في إجراءات تفسير سورة الضحى”، مجلة ديالي، العدد 43، صفحة 434-435. بتصرّف.
  26. سورة الضحى، آية: 3.
  27. سورة الضحى، آية: 6-8.
  28. سورة الضحى، آية: 9-10.
  29. سورة الضحى، آية: 11.
  30. أبو السعود العمادي ، تفسير أبي السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 169-171، جزء 9. بتصرّف.
  31. سعيد حوّى (1424 هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 6568-6570، جزء 11. بتصرّف.
  32. جاسم حرجان، الأساليب التربوية في سورة الضحى، بغداد: كلية العلوم الإسلامية -جامعة بغداد، صفحة 293-294. بتصرّف.
  33. محمد بني طه ( 01-07-2018)، “التفاؤل في سورة الضحى”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.
  34. جاسم حرجان، الأساليب التربوية في سورة الضحى، بغداد: كلية العلوم الاسلامية – جامعة بغداد، صفحة 320-321. بتصرّف.
  35. سورة إبراهيم، آية: 7.
  36. محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري، مصر: دار المعارف، صفحة 481، جزء 24. بتصرّف.