تعريف سورة الفتح
سورة الفتح
تُعدّ سورة الفتح من السور المدنية؛ إذ إنّها نزلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما رجع مع أصحابه من الحديبية، وقد بلغ عدد آياتها تسعاً وعشرين آية، أمّا كلماتها فبلغت خمسمئةٍ وثلاثين كلمة، وحروفها ألفين وأربعمئةٍ وثمانٍ وثلاثين حرفاً،[١] وكان نزول سورة الفتح قبل نزول سورة التوبة وبعد نزول سورة الصف، أمّا موضع نزولها فكان في المنطقة الواقعة بين مكة والمدينة والتي يُطلق عليها كُراع الغميم، وتقع سورة الفتح في الترتيب الثامن والأربعين في المصحف العثماني.[٢]
سبب تسمية سورة الفتح
سمّيت سورة الفتح بهذا الاسم لِما تضمّنته من ذكر الفتح الذي تحقّق للنبي -عليه الصلاة والسلام- والمسلمين بعد الذي اعتراهم يوم الحديبية من منع المشركين لهم من أداء المناسك، وقد وردت تسمية سورة الفتح على لسان الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُعرف لها اسمٌ آخرٌ، وتعدّدت الروايات والأحاديث التي ورد فيها ذكر سورة الفتح، منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنّه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ علَى ناقَتِهِ، وهو يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ، وقالَ: لَوْلا أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كما رَجَّعَ)،[٣] إضافةً إلى ما رُوي عن سهل بن حنيف يوم صفّين حين قام بين الناس وقال: (اتَّهِمُوا أنْفُسَكُمْ فَلقَدْ رَأَيْتُنَا يَومَ الحُدَيْبِيَةِ -يَعْنِي الصُّلْحَ الذي كانَ بيْنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُشْرِكِينَ- ولو نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ فَقالَ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ أليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ، وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا ونَرْجِعُ، ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا، فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أبَداً، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظاً فَلَمْ يَصْبِرْ حتَّى جَاءَ أبَا بَكْرٍ فَقالَ: يا أبَا بَكْرٍ ألَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ قالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ إنَّه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أبَداً، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ).[٤][٢]
سبب نزول سورة الفتح
تمثّل سبب نزول سورة الفتح بصلح الحديبية؛ حيث كان ابتداء الأمر حينما عزم النبي -عليه الصلاة والسلام- على أداء مناسك العمرة، فتوجّه إلى مكة المكرمة مُحرماً وساق الهدي معه، وحينما علمت قريش بمقدم النبي تجهّزت لقتاله وبعثت رسولها إلى النبي، فبعث -عليه الصلاة والسلام- عثمان بن عفان رسولاً إليهم ليبيّن لهم أنّه ما جاء إلّا مُحرماً معظّماً بيت الله الحرام، وأنّه لا يريد قتالاً، إلّا أنّ قريشاً حبست عثمان بن عفان ووصل الخبر إلى المسلمين بأنّه قُتل، فدعا النبي المسلمين إلى مبايعته على قتال الأعداء والصبر على ذلك، ثمّ وصلت أخبارٌ إلى النبي تؤكّد سلامة عثمان من القتل، وحينما علمت قريش بأمر البيعة وأظهرت نوايا الصلح بعثت سهيل بن عمرو للنبي ليعرض عليه الصلح فوافقه النبي، وعُقدت بين الفريقين معاهدةٌ عُرفت بصلح الحديبية، وقد أظهر النبي مرونةً كبيرةً في إتمام هذا الصلح، ومن ذلك أمره لعلي ابن أبي طالب أن يكتب “باسمك اللهم” بدلاً من “بسم الله الرحمن الرحيم” حينما اعترض عليها سهيل بن عمرو، وكذلك كتابته “محمد بن عبد الله” بدلاً من “محمد رسول الله”، وبعد إتمام الصلح تحلّل النبي من إحرامه، فحلق رأسه، ونحر هديه، ثمّ ارتحل عن الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة.[١]
فضل سورة الفتح
تعدّ سورة الفتح من المثاني التي أُوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، إذ قال: (أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ)،[٥] كما أنّ سورة الفتح من أحبّ السور إلى قلب النبي؛ فقد وصف نزولها عليه بأنّها أحبّ إليه من الدنيا وما فيها، فقد رُوي عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أنّه قال: (كنا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفَرٍ، فسأَلْتُه عن شيءٍ ثلاثَ مرَّاتٍ فلم يَرُدَّ عليَّ، قال: فقُلتُ لنَفْسي: ثَكِلَتْكَ أمُّك يا ابنَ الخطَّابِ، نزَرْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ مرَّاتٍ فلم يَرُدَّ عليكَ، قال: فرَكِبتُ راحِلَتي، فتقَدَّمتُ مَخافَةَ أن يكونَ نزَل فيَّ شيءٌ، قال: فإذا أنا بمُنادٍ يُنادي يا عُمَرُ، أينَ عُمَرُ؟ قال: فرجَعتُ وأنا أظُنُّ أنه نزَل فيَّ شيءٌ، قال: فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نزَلَتْ عليَّ البارِحَةَ سورةٌ هي أحَبُّ إليَّ منَ الدنيا وما فيها، إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)،[٦][٧] كما كانت بعض آيات سورة الفتح سبباً في إدخال السرور إلى قلوب المسلمين كما أدخلت آياتها السرور إلى قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فحينما نزل قوله تعالى: (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)،[٨] تساءل المسلمون عن نصيبهم من السورة فنزل قوله تعالى: (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا).[٩][١٠]
مقاصد سورة الفتح ودلالاتها
تضمّنت سورة الفتح العديد من المقاصد والدلالات والدروس والعِبر، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[٢]
- بدأت السورة الكريمة بذكر الفتح المبين والتأييد العظيم الذي منّ به الله -تعالى- على رسوله وعلى المؤمنين.
- بيان حُسن العاقبة التي ظفر بها المسلمون بصلح الحديبية، فقد أزال الله الحزن من قلوب المؤمنين الذي أصابهم بسبب عدم أداء العمرة ومنحهم في المقابل السكينة والطمأنينة.
- التأكيد على أنّ تحقيق الإيمان في قلوب الناس وانتشار الخير والطاعات وتعظيم الله -تعالى- كانت نتيجةٌ من نتائج بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.
- التأكيد على كرامة النبي ومكانته عند الله؛ فقد بشّره الله بفتوحاتٍ كثيرةٍ تعقب صلح الحديبية.
- التأكيد على حقيقة البيعة التي حصلت يوم الحديبية، وبيان أنّها مبايعةٌ لله على القتال والاستشهاد في سبيله، وقد أيّد الله تلك البيعة بنصره وتمكينه للمسلمين.
- بيان صفات المنافقين المتخلّفين عن المشاركة في صلح الحديبية، ومن تلك الصفات: سوء ظنّهم بالله، وجُبنِهم.
- ذكر أصحاب الأعذار الذين يُباح لهم ترك القتال والتخلّف عنه، وبيان رفع الحرج والإثم عنهم.
- الثناء على المؤمنين الذين بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكر صفات النبي والذين آمنوا معه، وبيان أنّ تلك الصفات مذكورةٌ في التوارة والإنجيل من قبل، وذكر ما أعدّه الله من الأجر العظيم والثواب الحسن لمن آمن منهم وعمل الصالحات.
تفسير سورة الفتح
فسّر الإمام السعدي سورة الفتح، وبيّن العديد من الأمور التي اشتملت عليها، وبيان ذلك فيما يأتي إضافةً إلى ما ورد في كتاب الدرّ المنثور في التفسير المأثور للإمام السيوطي:[١١][١٢]
- قال تعالى في مستهلّ سورة الفتح مخاطباً نبيّه: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)،[٨] فقد سمّى الله -جلّ وعلا- صلح الحديبية فتحاً مبيناً؛ للآثار العظيمة التي ترتّبت عليه من دخول عددٍ كبيرٍ من الناس إلى الإسلام، وبالتالي ظهرت رسالة الإسلام وعَلا شأن المسلمين، وقد اعتبر أنس بن مالك -رضي الله عنه- صلح الحديبية هو الفتح، وروى الإمام البخاري عن البراء بن عازب أنّه قال: (تَعُدُّونَ أنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وقدْ كانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحاً، ونَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً، والحُدَيْبِيَةُ بئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذلكَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأتَاهَا، فَجَلَسَ علَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بإنَاءٍ مِن مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ ودَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إنَّهَا أصْدَرَتْنَا ما شِئْنَا نَحْنُ ورِكَابَنَا).[١٣]
- قال تعالى: (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)،[١٤] فقد تحمّل النبي في سبيل إتمام صلح الحديبية الكثير من المشاقّ والصعاب، ولذلك أكرمه الله بمغفرة ما تقدّم وتأخّر من ذنوبه، وبإظهار الدين والهداية إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، وممّا ورد في تفسير الآية السابقة ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شُعبة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى حتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: أَتَكَلَّفُ هذا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، فَقالَ: أَفلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً).[١٥]
- قال تعالى: (وَيَنصُرَكَ اللَّـهُ نَصْرًا عَزِيزًا)،[١٦] فالنصر الذي تحقّق للمسلمين في صلح الحديبية تمثّلت فيه كلّ معاني العزّة دون أي ضعفٍ، وروى ابن المنذر * عن ابن جريج * أنّ المقصود بالنصر العزيز فتح مكة وخيبر والطائف.
- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)،[١٧] فقد اطمأنّت قلوب المؤمنين بصلح الحديبية بما أنزله الله عليهم من السكينة إضافةً إلى الإيمان واليقين الراسخ في قلوبهم، كما بيّن الله أنّ له جنوداً يسخّرها لنصرة أوليائه، وتمكين دينه، وهو العالم بمصالح عباده، ويدبّر أمورهم وفق حكمته وإرادته، وذكر ابن المنذر وابن جرير * والبيهقي * في الدلائل والطبراني * وابن مردويه * عن ابن عباس أنّ الله -تعالى- قد بعث نبيّه بشهادة التوحيد، ثمّ أمرهم بالصلاة، ثمّ بالزكاة، ثمّ بالصيام، ثمّ بالحج، وختم بالجهاد، فكان التوحيد أوثق وأكمل معاني الإيمان.
- قال تعالى: (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّـهِ فَوْزًا عَظِيمًا)،[٩] بيّن الله بعض الثمار المترتبة على الفتح، منها: رضاه عن عباده المؤمنين ودخولهم الجنات التي أعدّها لهم والتي وصفها بجريان الأنهار من أسفلها، كما يمنّ الله عليهم بمغفرة سيئاتهم ووقايتهم من العذاب، وقد رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (نزلَت على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ مرجعَهُ منَ الحديبيةِ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لقد نزَلت عليَّ آيةٌ أحبُّ إليَّ ممَّا على الأرض).[١٨]
- قال تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّـهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)،[١٩] فقد بيّن الله -تعالى- مصير المنافقين والمشركين الذي ظنوا بالله ظن السوء، واعتقدوا بأنّه لن يُظهر الدين الذي ابتعث به نبيّه محمداً، وبأنّه لن ينصر نبيّه، فكانت عاقبتهم دخول نار جهنّم والطرد من رحمة الله.
- قال تعالى: (وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)،[٢٠] فقد أعدّ الله -تعالى- جنوداً لا يعلمها إلّا هو لتأييد أوليائه المؤمنين، والله القوي صاحب الحكمة البالغة في الأمر والتدبير.
- قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)،[٢١] فقد بيّن الله -تعالى- الهدف من إرسال محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- الذي تمثّل بإقامة الحُجّة على العباد، وبيان أحكام الدين لهم، وتبشيرهم بالجنة والمآل الحسن إن أطاعوا الله واستقاموا على أمره، وينذرهم العذاب والعقاب الآجل والعاجل إن عصوا الله وأضلّوا سبيل الحق.
- قال تعالى: (لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[٢٢] فمن أهداف رسالة الإسلام تحقيق الإيمان بالله ورسوله في القلوب ونصرة الدين، وتعظيم الله في النفوس، وذكر ابن جرير وابن أبي حاتم * وابن المنذر عن ابن عباس أنّ المقصود من لفظ: “تعزّروه” أي: إجلال الله سبحانه، ولفظ: “توقّروه” يُقصد به تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام.
- قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)،[٢٣] فقد وصف الله -تعالى- بيعة المسلمين لنبيّهم يوم الحديبية على القتال بأنّها مبايعةٌ لله سبحانه، فالغاية منها بلوغ رضى الله ودخول جنته، وبيّن الله أنّه معهم ويعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يظهرونه، ومن تحلّل من تلك المبايعة فهو في الحقيقة يجني على نفسه بما سيناله من العذاب، أمّا من أوفى بالمبايعة وصبر على جهاد الأعداء وقتالهم فيكون قد نال الأجر العظيم من الله سبحانه.
- قال تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)،[٢٤] بيّن الله -سبحانه- حال المنافقين من الأعراب الذين طلبوا من النبي المغفرة على تخلّفهم عن نُصرة الدين وقتال المشركين بسبب ما احتجّوا به من الانشغال بالأموال والأهل، إلّا أنّ الرسول بيّن لهم بأنّ الله لا يُردّ أمره ولا يُمنع قضاؤه، فهو سبحانه يعلم ما تُخفيه النفوس.
- قال تعالى: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا)،[٢٥] كشف الله بواطن المنافقين الذين ظنوا ظن السوء بالله -تعالى- بسبب ما زيّنه الشيطان في قلوبهم فاستحقوا الهلاك بسبب ذلك الظن.
- قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)،[٢٦] بيّن الله بأنّه أعدّ عذاباً لمن لم يؤمن بالله ورسوله.
- قال تعالى: (وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[٢٧] بيّن الله أنّه مالك السماوات والأرض، وأنّه الغفور الذي يتجاوز عن ذنوب عباده برحمته وفضله، ويعذّب من يستحق العذاب، كما أنّه الغفور الذي يغفر توبة العاصين، والرحيم الذي وسعت رحمته كلّ شيءٍ.
- قال تعالى: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّـهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)،[٢٨] بيّن الله أنّ غنائم المسلمين من غزوة خيبر لن ينال منها المنافقون شيئاً، وذلك جزاء تخلّفهم عن المسلمين في صلح الحديبية، ثمّ بيّن الله موقف الكفّار بأنّ عدم خروجهم كان بسبب منع المسلمين لهم من الخروج لئلا ينالوا شيئاً من الغنائم، كما بيّن الله أنّ المنافقين لا يعلمون ما كتب الله عليهم من أمر الدين إلّا اليسير.
- قال تعالى: (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)،[٢٩] امتحن الله -تعالى- المنافقين بدعوتهم لقتال قومٍ أصحاب قوةٍ، فإن قاتلوا منحهم الله الأجر الحسن، وإن تولّوا كما تولّوا من قبل كتب الله عليهم العذاب الشديد.
- قال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)،[٣٠] بيّن الله أصناف المسلمين الذين قَبِل الله عذرهم في التخلّف عن الجهاد ورفع عنهم الحرج، ومنهم: الأعمى والأعرج والمريض، وبشّر الله من أطاعه بالعاقبة الحسنى، وحذّر المتخلّفين عن طاعته بالعذاب، وروى زيد بن ثابت -رضي الله عنه- في تفسير الآية السابقة: (كنتُ أَكتبُ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وإنِّي لواضعٌ القلمَ على أذني إذ أمرَ بالقتالِ إذ جاءَ أعمى فقالَ كيفَ بي وأنا ذاهبُ البصرِ فنزلت: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ الآية قالَ: هذا في الجِهادِ ليسَ عليْهم من جِهادٍ إذا لم يطيقوا).[٣١]
- قال تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[٣٢] كانت بيعة الرضوان يوم صلح الحديبية سبباً في نيل رضا الله، كما كانت علامةً على صدق قلوب المبايعين وتعبيراً عن قوة إيمانهم، وقد كافأ الله عباده بسبب تلك البيعة فتحاً قريب العهد منهم؛ وهو فتح خيبر.
- قال تعالى: (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)،[٣٣] نال المسلمون بفتح خيبر مغانم كثيرةً، وبذلك انتقم الله -تعالى- من أعداء الدين، وله الحكمة البالغة في تدبير شؤون خلقه وتحقيق مصالحهم.
- قال تعالى: (وَعَدَكُمُ اللَّـهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)،[٣٤] فقد تجلّت حكمة الله -تعالى- وآياته فيما أعدّه من الغنائم الكثيرة التي سيقت للمسلمين يوم خيبر، ومنع إلحاق الضرر والأذى بالمسلمين؛ إظهاراً لعظيم حكمته وحُسن تدبيره.
- قال تعالى: (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـهُ بِهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)،[٣٥] قدّر الله -تعالى- المزيد من الغنائم للمسلمين بتدبيره وملكه.
- قال تعالى: (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)،[٣٦] يصوّر الله -تعالى- حال المشركين إن كُتب عليهم القتال، فلا يجدون العون والنصر من الله لهم، فينهزموا أمام المسلمين.
- قال تعالى: (سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا)،[٣٧] بيّن الله أنّ نصرعباده وهزيمة أعدائه سنةٌ ربانيةٌ.
- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)،[٣٨] فقد حاول ثمانون رجلاً من المشركين مباغتة النبي ومن معه من المسلمين يوم الحديبية، إلّا أن الله كفّ أذاهم وشرّهم عن المسلمين، وبيّن الله أنّه بصيرٌ بعباده لا تخفى عليه خافيةٌ.
- قال تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّـهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)،[٣٩] بيّن الله حال الكافرين وموقفهم يوم الحديبية من منعهم المسلمين من وصول بيت الله الحرام ليؤدّوا مناسكهم ويذبحوا هديهم، وقد تجلّت حكمة الله -تعالى- في عدم وقوع أي قتالٍ لئلّا يلحق الأذى بأُناسٍ كتموا إيمانهم في مكة.
- قال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)،[٤٠] فتعصّب أهل مكة لأقوامهم من الأسباب التي منعتهم من الإيمان برسالة محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وقد أكرم الله عباده بلزوم التقوى، كما أكّد الله على أنه عليمٌ بكلّ شيءٍ لا يخفى عليه أي أمرٍ.
- قال تعالى: (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)،[٤١] صدق الله رؤيا نبيّه التي رأى فيها أنّه يدخل المسجد الحرام مع المسلمين ليؤدّوا المناسك ويتحلّلوا من إحرامهم، إلّا أنّ الله قدّر أن تتحقّق الرؤيا في العام الذي تلا عام الحديبية، ومنح المسلمين فتح خيبر وصلح الحديبية.
- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا)،[٤٢] بيّن الله أنّه أرسل رسوله برسالةٍ واضحةٍ بيّنةٍ لهداية الناس، وتكون الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات، وقد نصر الله نبيّه ورسالته.
- قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)،[٤٣] ذكر الله -تعالى- بعض صفات الصحابة؛ منها: الرحمة المنتشرة فيما بينهم، والشدّة على الأعداء، وكثرة صلاتهم وعبادتهم لله -تعالى- ابتغاء نيل رضاه، وقد شبّههم الله بالزرع الذي يُخرج نباتاً صغيراً من حوله، ثمّ يشتدّ ويقوى بعضه مع بعضٍ، وكذلك حال المؤمنين في الوقوف بوجه الكفّار، وقد ختم الله السورة بوعد المؤمنين بمغفرة ذنوبهم ومنحهم الأجر العظيم من الله تعالى، والمقصود بأثر السجود السمت الحسن، وقيل أثر الخضوع لله والخشية منه، وقيل كذلك النور الذي يكون على الجباه يوم القيامة من السجود في الدنيا.
هل قراءة سورة الفتح تيسّر الأمور؟
إنّ قراءة سورة الفتح في وقتٍ معينٍ بحُجّة تيسير الأمور بدعةٌ من البدع التي لا أصل لها في السنة النبوية، وقد عرّف الإمام الشاطبي البدعة بأنّها أداء عباداتٍ معينةٍ في أوقاتٍ معينةٍ دون تعيين ذلك في الشريعة، والالتزام في ذلك وفق هيئاتٍ وكيفياتٍ معينةٍ،[٤٤] وأمّا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مغفل أنّه قال: (قَرَأَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ، سُورَةَ الفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا، قالَ مُعَاوِيَةُ: لو شِئْتُ أنْ أحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَفَعَلْتُ)،[٤٥] فلا يدل على تخصيص قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء، والدليل على ذلك أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعلّم ذلك لأصحابه، ولو علّمهم ذلك لكانت سنةً، كما لم يرد في السنة ذكر الوقت الذي قرأ فيه النبي سورة الفتح وهل كان ذلك قبل الفتح أم بعده، كما تدلّ قراءة النبي لتلك السورة يوم الفتح أنّها جاءت لمناسبة المقام والحدث، فقد أُنزلت يوم الحديبية حينما بشّر الله -تعالى- المؤمنين بفتح مكة، فأراد النبي تذكير المسلمين بتصديق الرؤيا التي رآها، والوعد الذي وعدهم االله إياه، وبيّن لهم أنّ الله لا يخلف وعده، وأمّا ما يُشرع من التوسّل فهو ما كان توسلاً بالأعمال الصالحة والطاعات التي تقرّب إلى الله تعالى، وقراءة القرآن، والذكر على كلّ حالٍ.[٤٦]
________________________________________________________________
الهامش:
*ابن المنذر: هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، فقيهٌ مجتهدٌ حافظٌ، له عدّة مؤلفات، منها: كتاب تفسير القرآن.[٤٧]
*ابن جريج: هو التابعي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، اشتُهر بتأليف الكتب والسعي في طلب العلم عن الصحابة، كان شيخ الحرم وإماماً عالماً.[٤٨]
*ابن جرير: هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، له العديد من المصنفات، منها: تفسير جامع البيان.[٤٩]
*البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الخرساني، ارتحل كثيراً في طلب العلم، ممّا كان سبباً في زيادة مرويات الحديث لديه.[٥٠]
*الطبراني: هو الإمام سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، من رجال الحديث والتفسير، وله العديد من المؤلفات.[٥١]
*ابن مردويه: هو أحمد بن موسى الأصبهاني، حافظ ومؤرخ ومفسّر، له العديد من المؤلفات، منها: تفسير القرآن.[٥٢]
*ابن أبي حاتم: هو الإمام الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الرازي، له العديد من المؤلفات، منها: تفسير القرآن العظيم.[٥٣]
المراجع
- ^ أ ب الإمام القاضي مجير الدين المقدسي الحنبلي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة 1)، دولة قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 330-332، جزء 6. بتصرّف.
- ^ أ ب ت “مقاصد سورة الفتح “، www.islamweb.net، 2018-9-30، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 4281، صحيح .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 4844، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة، الصفحة أو الرقم: 1059، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1/114، إسناده صحيح.
- ↑ الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني (1414)، موسوعة فضائل سور وآيات القرآن (الطبعة 2)، السعودية: مكتبة العلم، صفحة 117-120، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الفتح، آية: 1.
- ^ أ ب سورة الفتح، آية: 5.
- ↑ محمد فقهاء (2018-4-16)، “خواطر حول سورة الفتح (2)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
- ↑ “سورة الفتح – تفسير السعدي”، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
- ↑ الإمام جلال الدين السيوطي (2011)، تفسير الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 507-545، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4150، صحيح.
- ↑ سورة الفتح، آية: 2.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 2819، صحيح.
- ↑ سورة الفتح، آية: 3.
- ↑ سورة الفتح، آية: 4.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3264، إسناده صحيح.
- ↑ سورة الفتح، آية: 6.
- ↑ سورة الفتح، آية: 7.
- ↑ سورة الفتح، آية: 8.
- ↑ سورة الفتح، آية: 9.
- ↑ سورة الفتح، آية: 10.
- ↑ سورة الفتح، آية: 11.
- ↑ سورة الفتح، آية: 12.
- ↑ سورة الفتح، آية: 13.
- ↑ سورة الفتح، آية: 14.
- ↑ سورة الفتح، آية: 15.
- ↑ سورة الفتح، آية: 16.
- ↑ سورة الفتح، آية: 17.
- ↑ رواه الإمام السيوطي، في كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 13/478، إسناده حسن.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ سورة الفتح، آية: 19.
- ↑ سورة الفتح، آية: 20.
- ↑ سورة الفتح، آية: 21.
- ↑ سورة الفتح، آية: 22.
- ↑ سورة الفتح، آية: 23.
- ↑ سورة الفتح، آية: 24.
- ↑ سورة الفتح، آية: 25.
- ↑ سورة الفتح، آية: 26.
- ↑ سورة الفتح، آية: 27.
- ↑ سورة الفتح، آية: 28.
- ↑ سورة الفتح، آية: 29.
- ↑ “حكم قراءة سورة الفتح لهذه الأمور المذكورة في السؤال “، www.islamweb.net، 2009-9-14، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 4835، صحيح .
- ↑ “حكم قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء “، www.islamqa.info، 2009-6-9، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20.
- ↑ “ابن المنذر”، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ “ترجمة التابعي ابن جريج”، www.alukah.net، 9/12/2015، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ “التعريف بالإمام ابن جرير الطبري”، islamqa.info، 28-09-2019، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ “ترجمة الإمام البيهقي”، ar.islamway.net، 2017-03-22، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ “الإمام الطبراني”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ “ابن مردويه، أحمد بن موسى”، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أ. د. محمد بن تركي التركي (20/10/2011)، “ترجمة موجزة لابن أبي حاتم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.