سبب نزول سورة عبس

سورة عبس

تعدّ سورة عبس سورة مكية، ومن السور المفصّلة، وتسمّى بالصاخة، والسفرة، وعدد آياتها اثنتان وأربعون آيةً، وتوجد في المصحف بترتيب ثمانين، في الجزء الثلاثين في الربع الثاني، ومن الحزب التاسع والخمسين، وكان نزولها على النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول سورة النجم، وتبدأ السورة بالفعل الماضي عبس، وممّا يميّزها هو عدم ذكر لفظ الجلالة فيها، ومن القصص الواردة فيها قصة عبد الله بن أم مكتوم، ومن الأمور التي بيّنتها سورة عبس أمور العقيدة الإسلامية، وأمور الرسالة أيضاً، كما وردت فيها دلائل قدرة الله تعالى، ووحدانيته في خلق الإنسان، والنبات، والطعام، كما تحدثت أيضاً عن يوم القيامة، وشدته وصعوبته، وما يكون فيه من أهوال عظيمةٍ.[١]

سبب نزول سورة عبس

قال الله تعالى في مطلع سورة عبس: (عَبَسَ وَتَوَلَّى*أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى*وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى*فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى*وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى*وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى*وَهُوَ يَخْشَى*فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى)،[٢] فالآيات السابقة نزلت في الصحابي عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه الذي كان فقيراً ضريراً، وذلك عندما أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب انشغاله بدعوة كبراء قبيلة قريش، طمعاً في إسلامهم وإسلام أتباعهم، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقصد من ذلك الانحياز إلى الطبقة الغنية وترك الطبقة الفقيرة من المجتمع، ولكن وقع الظن في قلبه أن إسلام الغني ربما يؤثر في الدعوة أكثر من إسلام الفقير الأعمى، فنزلت الآيات السابقة في عتاب النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أنّ العتاب كان رقيقاً هيّناً، فالله تعالى لم يوجّه الخطاب له رحمةً وليناً به، فالخطاب ورد في صيغة المجهول، حيث قال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى)،[٣] ثمّ خاطبه الله في الآية التي تليها، فقال سبحانه: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).[٤][٥]

فذلك يدل على حب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يعلم أنّ الرسول أعرض عن ابن أم مكتوم ليس لتكبّرٍ أو غير ذلك، وإنما للحرص الشديد على إسلام كبار قريش، ففي ذلك عزة وقوة للإسلام والمسلمين، فالله تعالى بيّن لرسوله أنه غنيٌ كلّ الغنى عن إسلامهم، وبيّن له أنّه ليس عليه تحميل نفسه مشقةً زائدةً لهداية من يرفض الهداية والخير، حيث قال: (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفسَكَ عَلى آثارِهِم إِن لَم يُؤمِنوا بِهـذَا الحَديثِ أَسَفًا)،[٦] فالآيات السابقة التي تبيّن عتاب الله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام تدلّ على صدق النبي محمد، وتدلّ أيضاً على أنّ القرآن الكريم نزل من عند الله تعالى، ومن الآيات التي وردت أيضاً في عتاب النبي قول الله سبحانه: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّـهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزيزٌ حَكيمٌ)،[٧] فكان العتاب للنبي بترك قتل الأسرى من كفار.[٥]

عبد الله بن أم مكتوم

هو عبد الله، وقيل بأنّه عمر، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وقيل إنّه عمرو بن زائدة، وقيل أيضاً: ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وروي عن ابن حبان أن اسمه كان الحصين فسمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله، وروى ابن سعد عن أهل المدينة أن اسمه عبد الله، إلا أنه روي عن أهل العراق أن اسمه عمرو، أمّا أمه فهي أم مكتوم، عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عائذ بن مخزوم، ويكون ابن أم مكتوم ابن خال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ففاطمة أم خديجة تعدّ أختاً لقيس بن زائدة، وعندما نزل قول الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)،[٨] قال عبد الله بن أم مكتوم: (أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري)، فنزل قول الله سبحانه: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)،[٨] وعندما كان ابن أم مكتوم يغزو كان يقول: (ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصّفَّين)، وكان إسلامه في مكة المكرمة، ثمّ كان من أوائل المهاجرين في سبيل الله إلى المدينة المنورة قبل هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إليها، ورُوي عن البراء أنّ مصعب بن عمير كان أول المهاجرين، ثمّ يليه عبد الله بن أم مكتوم.[٩]

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يولّي عبد الله بن أم مكتوم على المسلمين عندما كان يذهب للغزوات، فكان يؤم الناس في صلاتهم، وحدث ذلك في ثلاث عشرة غزوة، وهي: الأبواء، وبواط، وذي العشيرة، والغزوة التي كانت في طلب كرز بن جابر، وغزوة السويق، وغطفان، وأحد، وحمراء الأسد، ونجران، وذات الرقاع، وعند خروج الرسول لحجة الوداع، وغزوة بدر، ومن الجدير بالذكر أنّه استشهد في القادسية حاملاً لواء المسلمين كما روى ذلك الزبير بن بكار، وكان ذلك في السنة الرابعة عشر من الهجرة النبوية عندما قرّر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه خوض معركة مع الفرس للإطاحة بهم وبدولتهم، ولفتح المجال أمام المسلمين ودعوتهم، فكتب عمر إلى عمّاله قائلاً: (لا تدعوا أحدًا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا وجهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال على المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ)، وكان عبد الله بن أم مكتوم من ضمن المجاهدين في ذلك القتال، وكان أمير المسلمين في قتالهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.[٩]

المراجع

  1. “تعريف سورة عبس”، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.
  2. سورة عبس، آية: 1-10.
  3. سورة عبس، آية: 1.
  4. سورة عبس، آية: 3.
  5. ^ أ ب “عتاب النبي دليل نبوته”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.
  6. سورة الكهف، آية: 6.
  7. سورة الأنفال، آية: 67.
  8. ^ أ ب سورة النساء، آية: 95.
  9. ^ أ ب “عبد الله بن أم مكتوم”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.