ما اتاكم الرسول فخذوه
أهميّة السنة النبوية
يعدّ القرآن الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلاميّ للمسلمين، ومكوّناًَ للفكر والاعتقاد في حياتهم، أمّا السنة النبويّة فهي التطبيق العمليّ الموضّح للشرائع والمعتقدات، فمهمّة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- تقوم على التبليغ والبيان، حيث كان مبلّغاً وقدوةً لأصحابه ومَن بعدهم من المسلمين، فلا يمكن للمسلم أن يستغني عن القدوة الحسنة، فبض أركان الإسلام الخمسة وردت في القرآن الكريم بشكل مجمل وكان تطبيقها وتوضح كيفيّتها في حياة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.[١]
إنّ السنة النبويّة هي كلّ ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ لعملٍ قام به أحد الصّحابة فأقرّه الرسول أو سكت عنه، وقد تكون السنة صفة خَلقيّة أو خُلقيّة، فكلّ ما قام به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أفعال مثل أفعال الصّلاة والحجّ، وأقوال مثل الأحاديث النبويّة، وتقرير يمثّل السنة النبويّة، فإذا نُحّيت السيرة النبويّة جانباً فإنّ المسلم لا يستطيع أن يقيم دينه ولا يعرف كيف يُقيم فرائضه ونوافله، فكانت السنة النبويّة التطبيق العمليّ لآيات القرآن الكريم، كما أنّها مفصّلة لأحكامه وشرائعه.[١]
تفسير ما آتاكم الرسول فخذوه
إنّ المعنى العام للآية الكريمة: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)،[٢] يدلّ على أنّ ما أمر به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يجب العمل به، حيث ورد في الآية: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)،[٢] وقال الشنقيطيّ في تفسير الآية الكريمة إنّ السنة النبويّة تندرج كلّها تحت الآية السابقة، أي أنّ الآية تُلزم المسلم ليعمل بما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في السنة النبوية؛ إذْ إنّ العمل بالسنّة يعدّ من العمل بالقرآن الكريم، ويؤيّد ذلك قول الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)،[٣] وقال السيوطي عن الآية الكريمة إنّ الوحي في الحقيقة وحيان؛ أحدهما القرآن الكريم وهو متعبّد بتلاوته، والآخر السنة النبويّة الشريفة وهي غير متعبّد بتلاوتها.[٤]
وطبّق الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون ذلك الأمر فحكّموا السنة النبوية في حياتهم؛ حيث ورد أنّ الإمام الشافعيّ -رحمه الله- أقام في مكّة فترةً فقال: (سلوني يا أهل مكة عمّا شئتم أجبكم عنه من كتاب الله)، فسأله رجل عن حكم قتل الزّنبور للمُحرِم، فأجاب الشافعي بقول الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)،[٢] ثمّ قال الشافعي حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين من بعدي)،[٥] ثمّ قال حدّثني فلان عن فلان، حتى وصل بالسّند إلى عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- عندما سُئل عن حكم قتل الزنبور للمُحرِم فقال: لا شيء عليه، فاحتجّ الشافعيّ بقول عمر بن الخطّاب؛ لوصيّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- باتّباع أمر الخلفاء الراشدين من بعده،[٤] وورد أيضاً عن ابن حجر العسقلاني أنّ أمرأةً أتت عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- تسأله عن حكم الوصِلة، فأجابها، فسألته إن كان يجد حكم الوصل في القرآن الكريم أم في السنة النبوية، فقال لها: (أجِدُه في كتابِ اللهِ وعن رسولِ اللهِ، فقالت: واللهِ لقد تصفَّحتُ ما بينَ دفَّتَي المصحفِ فما وجدْت فيه الذي تقولُ، قال: فهلْ وجدتِ فيه: مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، قالت: نعَم، قال: فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- نهَى عن النَّامِصةِ والواشرةِ والواصلةِ والواشمةِ إلّا من داءٍ).[٦][٧]
ثمرات اتّباع السنة النبوية
أمر الله -تعالى- باتّباع سنة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وجعل اتّباع السنة الشّريفة من اتّباع القرآن الكريم، حيث إنّ من ثمرات اتّباع السنة النبوية:[٨]
- الوصول إلى محبّة الله تعالى، فاتّباع السنّة سبيل للتقرّب إليه، وقال ابن القيّم -رحمه الله- في ذلك: (ولا يحبك الله إلّا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً، وصدّقته خبراً، وأطعته أمراً، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعاً، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنّ، وارجع من حيث شئت، فالتمس نوراً فلست على شيء).
- نيل معيّة الله تعالى.
- إجابة الدّعاء، فمَن تقرّب إلى الله -تعالى- بالنّوافل نال محبّته، ومن نال المحبّة نال إجابة الدّعاء، وممّا يؤكّد ذلك قول الله -تعالى- في الحديث القدسي الصحيح: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الذي يسمَعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)،[٩] فكلّ الرّفعة والمكان العظيم عند الله -تعالى- يبلغه المسلم باتّباع سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
- جبر النّقص في الفرائض؛ حيث ورد في الحديث الشريف: (انظروا هل لعبدي مِنْ تطَوُّعٍ؟ فإنْ كان له تَطَوُّعٌ قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَهُ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعمالُ على ذاكم).[١٠]
- حياة القلب؛ فالمسلم إذا كان محافظاً على السنة ومواظباً عليها، كان أحرص وأكثر حفظاً واهتماماً لغيرها من الفرائض والواجبات، فالمحافظة على السّنن دليل على المحافظة على الفرائض أوّلاً، وإنّ من المحافظة على الطّاعات كما أمر الله -تعالى- تعظيماً لشرعه، وبهذا تكون حياة القلوب وسكينتها.
- العصمة والحفظ من البِدع، فمَن اتّبع سنّة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- واقتفى أثرها على الشكل الصحيح كان بعيداً عن البِدع وعن الوقوع فيها.
المراجع
- ^ أ ب “أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سورة الحشر، آية: 7.
- ↑ سورة النّجم، آية: 3-4.
- ^ أ ب “قوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-18. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 28/493، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن مسروق بن الأجدع بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6/21، إسناده صحيح.
- ↑ “باب وما آتاكم الرسول فخذوه”، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-18. بتصرّف.
- ↑ “من ثمرات اتباع السنة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-18. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2571 ، صحيح.