مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم
الإعجاز البياني في القرآن الكريم
أُنزل القرآن الكريم على النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم بلسانٍ عربيّ فصيح، لتحقيق سعادة الناس في الدار الدنيويّة والآخرويّة، وهو المعجزة العظيمة التي وهبها الله عزّ وجلّ للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويُوجد فروع عدَّة تدلّ على الإعجاز القرآني أهمّها الإعجاز البياني والأصول الفقهية التي تبحث في الأحكام الشرعيّة واستخراجها من الآيات القرآنيّة المختلفة.
من هنا كان التحدّي القائم زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي أحد من أبناء الجاهليّة بمثل آية واحدة من القرآن الكريم، الأمر الذي أدَّى إلى فشلهم وإعطاء القرآن صفة الإعجاز والأفضلية على سائر المباحث الأخرى، لذلك نجد علماء اللغة قديماً وحديثاً يشتركون ببحثهم وتمحيصهم عن الإعجاز البياني القرآني، ويحاولون اكتشاف رفعة وعلو أسلوبه وتميّزه على بقية كلام العرب، فحاول الكثير منهم بيان أركان الإعجاز البيانيّ ووجوه الإعجاز ومظاهره. أمَّا عن هذا المقال فإنّه يهدف إلى بيان وتوضيح بعض مظاهر الإعجاز البيانيّ في القرآن الكريم.
مظاهر الإعجاز البيانيّ في القرآن الكريم
الخصائص العامّة للأسلوب القرآنيّ
يتميّز القرآن الكريم ببلاغته وفصاحته وأسلوبه المميّز عن سائر الكلام، كما يتميّز بسلامة ألفاظه وانسجام عباراته بغض النظر عن طول الآيات أو السور القرآنيّة، بالإضافة إلى ذلك فإنّ صياغة معانيه محكمة ومتقنة تصلح لمخاطبة الناس على اختلاف ثقافاتهم وأجناسهم وأزمانهم وأماكنهم.
ضرب الأمثال في القرآن الكريم
اعتمد أسلوب القرآن الكريم على ضرب الأمثال وجعله قاعدة أساسيّة ومهمة في التعبير عن المعاني المختلفة، ومن هذه الأساليب المستخدمة بكثرة في القرآن الكريم ما يلي:
- إخراج المعاني الذهنيّة والعقليّة في صور حسية وملموسة: إذا قرأ الإنسان الآيات القرآنية ولاحظ أمثالها فإنه يستطيع رسم التشبيهات والتصويرات في مخيلته وعقله بطريقة حية ومتحركة، ومثال ذلك عندما أراد الله عزّ وجلّ أن ينذر الناس بحرمان الكفار من دخول الجنة في الآية الكريمة التالية: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف: 40]، هكذا استطاع أن يرسم صورة حسيّة في أذهان وخيال القارئ بأن أبواب السماء لا تفتح حتى يلج الجمل سم الخياط.
- تصوير الحالات النفسيّة والمعنويّة في صورة ملموسة وحسيّة قابلة للتخيّل والحركة: عندما أراد الله عزّ وجلّ أن يبيّن الذين رفضوا سبل وطرق الهداية، وصف وصوّر حالتهم النفسيّة والمعنويّة في القرآن الكريم بأسلوب حسيّ وحركيّ كما في الآية الكريمة التالية: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ*وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 176-177].
الإيجاز في القرآن الكريم
من خصائص الأسلوب القرآني الإيجاز أي التعبير ووصف المعاني الكثيرة ببعض من الألفاظ القليلة دون إخلال في المعنى، والإيجاز نوعان هما: إيجاز الحذف وهو أن تسقط بعض الكلمات للاجتزاء عنها بوجود كلمة أخرى تدلّ عليها وعلى هدف الكلام والمراد منه، وإيجاز القصر أي أن تقوم بنية الكلام على قلّة الألفاظ وتكثير المعاني دون حذف أي كلمة من كلمات الآية القرآنية.
التكرار في القرآن الكريم
يُعتبر التكرار من أساليب الفصاحة في اللغة العربيّة بسبب ما يرتبط به من فوائد في الكلام؛ لأنّ كلام الفصحاء والبلغاء لا يتكرّر دون فائدة وإنّما لهدف ومعانٍ جديدة، وهذا ما نلحظه في كلام الله حيث لا نجد أيّ كلمة أو آية تكرّرت إلّا لحكمة وفائدة مهمّة، وقد استعمل التكرار في القرآن الكريم كما كان العرب يستخدمونه في كلامهم وخطاباتهم ودعائهم وقصائدهم وغير ذلك؛ لأنّ كتاب الله العزيز نزل بلسانهم.
الكلمة القرآنيّة
الكلمة القرآنيّة موجودة في مكانها المناسب حتّى تُعطي المعنى المقصود وتتناسب من الناحية المعنويّة واللفظيّة مع الكلمات والعبارات السابقة والتالية ومثال ذلك قول الله عزّ وجلّ: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ*وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ*هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ) [الفجر: 1-5]، فلو استبدلت كلمة الفجر بكلمة الصبح على سبيل المثال لحدث اختلال في المعنى، كما أنَّ الكلمة القرآنية في النص القرآني مناسبة في موقعها بحيث تعطي مدلولاً خاصّاً بالمعنى المراد في الآيات فلو استبدلت بغيرها لا يتم المعنى المقصود.
الجملة القرآنيّة
تتواجد الجملة القرآنيّة في مكانها المناسب حتّى تتلاءم مع الجمل السابقة والتالية من حيث المعنى واللفظ، كما أنّها تدلّ على معنى عميق وواسع يعجز الناس عن الإيتان بمثله.
الفاصلة القرآنيّة
تأتي الفاصلة القرآنيّة مكمّلة للمعنى الذي سبقها وتنسجم معه بحيث لو تغيّرت اختلف المعنى كليَّاً، لهذا يرى العديد من العلماء أن رؤوس الآيات والفواصل مترادفان وأنّها نهايات الآيات القرآنيّة، بينما يعتبر آخرون أنّ وظيفة الفاصلة أعمّ وأشمل فهي الكلام الذي ينفصل عن ما يليه، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وكل رأس آية فاصلة والعكس غير صحيح.