قوة الإيمان
مفهوم الإيمان
يعرّف الإيمان بأنّه تصديق العبد بوجود الله -تعالى- والإقرار والاعتراف بوحدانيّته في ربوبيّته وألوهيّته وأسمائه وصفاته، وظهور آثار ذلك بوضوح في سلوكه وأفعاله من خلال طاعته باتّباع كلّ ما أمر الله -تعالى- به واجتناب كلّ ما نهى عنه، والتصديق بمحمد بن عبد الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه رسول الله -تعالى- وخاتم أنبياءه، والإقرار والاعتراف بذلك من خلال الانقياد لِأوامره -عليه السلام- واجتناب نواهيه وتَلَقِّي كل ما حَدَّث به عن الله -تعالى- وعن الإسلام من أمور غيبيّة وأحكام شرعيّة بالقبول والخضوع مع الطمأنينة لذلك، كما ويكون الإيمان بتأدية الطاعات بنوعَيها الباطنة والظاهرة؛ أمّا الباطنة فهي كل ما يتعلّق بأعمال القلب وما وقر فيه من إقرار وتصديق بوجود الله -تعالى-، وأمّا الظاهرة فتنقسم إلى قسمين؛ أوّلهما نطق اللسان وإفصاحه عن ذلك، وثانيهما عمل الجوارح بكلّ ما أمر الله -تعالى- به؛ سواءً كان على سبيل الوجوب أو الندب، واجتنابها لكلّ ما نهى عنه.[١]
قوة الإيمان
قوة الإيمان هي خضوع العبد لله -تعالى- بإلتزام أوامره واجتناب نواهيه، وكلّما ازدادت قوّة إيمانه ازدادت خصال الإيمان وشعبه في قلبه كالتقوى، والتوكّل، والخوف، والرجاء، والمحبّة،[٢] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإيمان في قلوب البشر متفاوت في درجاته؛ فأعلاها إيمان الرسل والأنبياء ثمّ إيمان الصحابة -رضوان الله عليهم- ثمّ إيمان العباد الصالحين المتّقين؛ قال -تعالى-: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)،[٣] وسبب هذه الدرجات وتفاوتها عائد إلى التفاوت فيما يملأ قلب العبد من علم بالله -تعالى- وأسمائه وصفاته، وكلّما كان العلم به -سبحانه- أقوى كان الإيمان به كذلك، ويترتّب على ذلك تقوية محبّة الله -تعالى- في القلب وهذا يؤدي بدوره إلى الطاعة المطلقة له -سبحانه- مصحوبة بكامل التعظيم له والأُنس به،[٤] وهناك العديد من الوسائل التي تُعين المؤمن على تقوية إيمانه بالله -تعالى- ومنها ما يأتي:
- الحرص على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبّر معانيه،[٥][٦] وذلك لأنّه يتكلّم عن الأمور العظيمة من الدين؛ كاليوم الآخر ومواقفه، ووصف الجنّة ونعيمها والنار وعذابها، وأسماء الله -تعالى- وصفاته وأفعاله، وقصص الأنبياء وحال أممهم، وهذا كلّه يؤدّي بدوره إلى تقوية الإيمان والاستقامة على الدين؛ فيصبح المؤمن مُقبلاً على تلاوته لمعرفة هذه الأمور، والقيام بالأعمال الصالحة التي ينال بها رضا الله -تعالى- والقرب منه، والنجاة من النار في الآخرة.[٦]
- الحرص على قراءة السنّة النبويّة وسماعها،[٥][٦] والتعرّف على سيرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للتأسّي به في حبّه لله -تعالى-، والاقتداء بأخلاقه وإحسانه وفعله للخير وفي سائر الأمور، والعناية بأخبار الصحابة -رضوان الله عليهم- والمتّقين والاقتداء بهم في أعمالهم وأخلاقهم وحبّهم لله -تعالى- ولرسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.[٦]
- الحرص على محاسبة النفس بما قدّمته للآخرة من أعمال، والإكثار من تذكّر الموت ومُباغتته للإنسان، وهذا يؤدّي بدوره إلى إعانة العبد على الإلتزام بأوامر الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- واجتناب نواهيهما، والإسراع في التوبة إلى الله -تعالى- من معاصيه وذنوبه فيترتّب على ذلك تقوية إيمانه.[٦]
- الحرص على صحبة الصالحين ومجالستهم،[٥][٦] للإنتفاع بعلمهم، والتأسّي بهم في أخلاقهم وحرصهم على تذكّر الآخرة والتذكير بها والعمل من أجلها.[٦]
- الحرص على دعاء الله -تعالى-مع استشعار عظمته، وإظهار الافتقار والتضرّع إليه، حتّى يصبح القلب واللسان لاهجان بذلك.[٥][٧]
- الحرص على معرفة الله -تعالى- من خلال العلم بأسمائه وصفاته وتدبّر معانيها، وهذا يؤدي بدوره إلى تعزيز محبّة الله -تعالى- في قلب عبده ممّا يدفعه للسعي في كل ما يُرضي ربّه تقرّباً إليه.[٧]
- المداومة على الطاعات والأعمال الصالحة المُقرّبة إلى الله -تعالى- والصبر عليها، وتجنّب المحرمات والمعاصي والصبر عنها، والرضا بالقضاء والقدر.[٥][٧]
- السعي لحضور الندوات وحلقات العلم والاستماع للمواعظ والخطب النافعة؛ كخطبة الجمعة، وغير ذلك من الأمور التي تُعين القلب على التّخلّي عن قساوته؛ وازدياد قوّة الإيمان فيه.[٦]
- الإكثار من ذكر الله -تعالى- والمداومة على ذلك.[٥][٧]
علامات قوة الإيمان
هناك العديد من العلامات التي تظهر على العبد الذي استقرّ الإيمان وقَويَ في قلبه، وهذا عائد إلى تأثُّر جوارحه وأقواله وأفعاله وما يجول في خاطره بذلك، ومن هذه العلامات ما يأتي:[٨]
- الابتعاد عن الشرك بكافّة أنواعه؛ فالمؤمن الذي امتلأ قلبه يقيناً بوحدانيّة الله -تعالى- في ربوبيّته وأنّه الخالق الرازق، وآمن بألوهيته أنّه المُستحق للعبادة، وآمن بأسمائه وصفاته أنّه هو القوي القادر علم مقدار الضعف الذي يعيشه الخلق ومدى حاجتهم إلى إله واحد يلجؤون إليه في تدبير أمورهم وشؤون حياتهم؛ فيُطهر قلبه وعمله ظاهره وباطنه من جميع أنواع الشرك، فلا يسأل إلّا الله -تعالى- ولا يتوكّل إلّا عليه قال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)،[٩] ولا يلجأ إلّا إليه في مصائبه وفي قضاء حوائجه، قال -تعالى-: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،[١٠] وعلم المؤمن لا يكون إلّا بالله -تعالى- لِعلمه بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حلَف بغيرِ اللهِ فقد أشرَك)،[١١] ولا يظنّ بالله -تعالى- إلّا خيراً فلا يتطيّر ولا يتشاءم لِعلمه بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الطِّيَرةُ شِرْكٌ).[١٢]
- مواجهة الوساوس الشيطانيّة بالدفع والإعراض عنها، فما من مؤمن إلّا ويأتي الشيطان إليه لِيبثّ الشكّ والوساوس في دينه وعبادته، وما من وسيلة مُجدية في التخلّص منها سوى طلب العون من الله -تعالى- في دفعها عنه وألّا يسترسل فيها لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حتَّى يُقالَ: هذا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ فمَن وجَدَ مِن ذلكَ شيئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ. وفي رواية: يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خَلَقَ الأرْضَ؟ فيَقولُ: اللَّهُ…، ثُمَّ ذَكَرَ بمِثْلِهِ وزادَ: ورُسُلِهِ).[١٣]
- التحلّي بمكارم الأخلاق، وقد بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الإيمان القويّ لا يُخرِج إلّا الحَسَن من الأخلاق، وعلى غرار ذلك فإنّ ضعفه لا يُولِّد إلّا السيء والدنيء منها وليس هذا فحسب، إنّما التردّي فيها يتفاقم بازدياد ضعفه، لذا فإنّ الله -تعالى- يصف عباده بالإيمان حال دعوتهم لفعل خير أو اجتناب شر؛ وذلك لأن الإيمان يوجب الانقياد والتسليم لِأمر الله -تعالى- ونهيه، قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ).[١٤]
- الثبات أمام الفتن، وقد بيّن الله -تعالى- في كتابه العزيز أنّ الفتنة ستُعرَض على جميع خلقه لِيُظهر الصادق في إيمانه من الكاذب قال -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)،[١٥] والعبد الذي ملأ الإيمان قلبه فإنّه يواجه تلك الفتن، ويتمسّك بدينه أمام الشهوات والأهواء وأقوال وأفعال الناس الذين يُخالفونه؛ واضعاً نَصب عينيه تقوى الله -تعالى- ومخافته.
- سرعة الامتثال لِأوامر الله -تعالى- والتسابق إلى الطاعات ومجانبة المعاصي والآثام، قال -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[١٦] والخضوع والتسليم لِأحكام الدين ظاهراً وباطناً كذلك؛ بحيث لا يختلج في نفس المؤمن ضيق أو حرج إزاء ذلك فيرضى بالقضاء والقدر، قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[١٧][١٨][٨]
- المحبة في الله لِعموم المؤمنين لا سيّما المتقين الصالحين منهم الذين يحبّون الله -تعالى- ورسوله -عليه السلام-،[٨][١٨] فيحبّ المؤمن لهم ما يحبّ لِنفسه وأهله من الخير والفلاح، ويُبغض لهم ما يُبغضه لِنفسه وأهله من الشرّ والحزن والألم، وقد وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- ترابط المؤمنين وحبّ بعضهم بعضاً بالجسد الواحد؛ فقال: (تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).[١٩][٨]
- الولاء لله -تعالى- بمحبّته والدفاع عن دينه ومحبّة رسوله والمؤمنين ونصرتهم، قال -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)،[٢٠][٨] وبغض أعداء الله -تعالى- الذين يجحدون به وبدينه والبراء منهم، قال -تعالى-: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ).[٢١][١٨][٨]
- سيطرة الطمأنينة والهدوء على القلب حال ذكر الله -تعالى- لقوله: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).[٢٢][١٨]
- سيطرة مشاعر البهجة والفرح حال فعل الطاعة، ومشاعر الحزن والضيق حال فعل الذنب والإثم لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ).[٢٣][١٨]
- امتلاء القلب يقيناً بالله -تعالى- وثقة واعتصاماً به، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).[٢٤][١٨]
- تقديم ما يحبّه الله -تعالى- ورسوله على ما تميل إليه النفس وترغبه، والسعي لِنيل رضى الله -تعالى- ببذل كل شيء من مال ونفس وغيرهما في سبيل تحقيق ذلك.[١٨]
المراجع
- ↑ “تعريف الإيمان شرعا”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2020. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري، موسوعة فقه القلوب ، عمان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 2460، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 253.
- ↑ محمد التويجري (1430ه – 2009م)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الأولى)، عمان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 134-135، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة ، الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، صفحة 34، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 297-298، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث وحيد بالي (7-4-2019)، “تقوية الإيمان بالله وأثره في القلب”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح أسماء الرويشد، طريقك إلى تقوية إيمانك، الربوة: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات، صفحة 27-34. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية: 36.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 17.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد اللله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 4358 ، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6/110، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 134 ، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 119.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 2-3.
- ↑ سورة النور، آية: 51.
- ↑ سورة النساء، آية: 65.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 2886. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 6011، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 55.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 22.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم: 2165 ، صحيح.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 15.