كيفية مجاهدة النفس
مجاهدة النفس
من المعلوم في شريعتنا الإسلامية أن مجال الجهاد لا يقتصر على التضحيةِ بالنفس في سبيل الله فقط، بل هو يتعدى إلى أكثر من ذلك، فيصل إلى مجاهدة النفس، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت آية (69): “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”.
إن النفس البشرية تحب الخلود إلى الراحة والاسترخاء، والإنسان أيضاً في صراعٍ دائمٍ مع نفسه، مرة تنتصر عليه، ومرة ينتصر عليها، ويبقى هذا الصراع إلى أن يأتي أجله، لكن السؤال الآن هو كيف أجاهد نفسي؟ كيف أنتصر على نفسي؟ وللإجابة عن هذا السؤال، سوف نقوم في هذا المقال إن شاء الله بتوضيح أهم الطرق والأساليب التي تعين الإنسان المسلم على مجاهدة نفسه والانتصار عليها، ومن أهم الأسس التي تساعد الإنسان المسلم في الانتصار على نفسه أن يكون القلب حياً، صافياً، وجلاً، كما شبه الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأروع الصفات، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الأنفال آية (2): “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”، وأن يكون عقل الإنسان المسلم واعياً مستبصراً، يقرأ في شتى العلوم التي بها يتقرب من الله، ويدرك عظمته التي لا تصفها الكلمات، فالعبد المسلم يستطيع أن يروض نفسه، وألا يخلد إلى هواه، فهو قادر على على أن يتغلب على الشيطان، وعلى ملذات الدنيا، إذا استعان بالله وحده، وأخلص نيته إليه، فينصره الله على كل من عاداه، وبذلك يستطيع مواصلة طريقه، وينجح في الدارين الأولى والآخرة.
تعتبر مجاهدة النفس مهمةً جداً، بل هي قبل جهاد أعداء الله، فهل ينصر الله جيش المسلمين على الأعداء، إذا كان في صف المسلمين الأنفس المريضة بالمعاصي، والمليئة بالذنوب، فتحوي عصاة ومذنبين وفسقة؟ وهنا تأتي الإجابة عن سؤال متى سوف ينصرنا الله؟ والله سبحانه وتعالى يرد بالإجابة الدامغة، والحقيقة التي لا تتغير مهما تغيرت الأحوال والأزمنة والقوى العظمى في العالم، حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام آية (7): “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”، فيجب أن ننصر الله بأفعالنا وأقوالنا، ولا يتم ذلك إلّا عن طريق مجاهدة النفس وتزكيتها، وتربيتها على الفضائل والأعمال الصالحة؛ لأنّها رأس كل أمرٍ وكل طاعةٍ، وكل فعل يزيد وينقص عند كل فرد مسلم من أفراد المجتمع الإسلامي، وهنا يسأل العبد المسلم، هل سأبقى طيلة حياتي مجاهداً لنفسي، وأبقى في هذا الكدح والتعب؟
سوف أضرب لك مثالاً بسيطاً من واقع حياتنا التي نعيشها، عندما يسعى الإنسان إلى هدف دنيوي ما، فإنه يقدم كل ما يملك من وقتٍ ومالٍ وجهدٍ كبيرٍ في سبيل هدفه، يسعى هنا وهناك، يسقط مرة ثم يقوم مرة أخرى، ثم تجده لا يسأل سؤالك هذا، هل تعلم لماذا؟ لأنه وبكل بساطة، يعيش من أجل هذا الهدف! لكن ماذا عن الهدف الأعظم، هدف رضى الله عزّ وجلّ، هدف جنة عرضها السماوات والأرض، ألا تستحق منّا الكدح والتعب في سبيلها؟ فكل العظماء يدركون أن النعيم لا يدرك بالنعيم، والمشقة هي عنوان السعادة، فاصبر واحتسب الأجر عند الله، واعمل خيراً تلقَ خيراً، واجتهد قليلاً في هذه الدنيا تلقَ سعادة حقيقية أبدية في جنة الخالق سبحانه وتعالى.
أنت مكلف شرعاً
أنت مكلّف شرعاً بتأدية الطاعات واجتناب المحرمات، لذلك، استقم كما أمرك الله، وسدد وقارب ولا تيأس، لذلك التربية الذاتية للشخص مهمة جداً، فهي تجعل الشخص دائماً مراقباً من قبل الله سبحانه، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزلزلة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
إنّ الله قد خلقك وركب فيك دافع الخير ودافع الشر، وأراك طريقين: طريق الخير الذي يسلكه عباد الله المخلصون، وطريق الشر الذي يعبره اتباع الشيطان، وهناك طريق مستقيم يؤدي إلى كل خير، وطريق متعرج شائك يؤدي إلى التخبط والضياع.
سبيل الوصول إلى النجاة
أخلص النية لله، وكن صادقاً معه، فقم بأداء الطاعات على أكمل وجه، واجعل عزيمتك قوية للنهوض إلى كلِ عملٍ تبتغي فيه وجه الله، وتزكية النفس ليست بسيطة، وهي أصعب من علاج الأبدان، وطريق العبد المسلم في ذلك يكون باتّباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكتاب الله عزّ وجلّ، وحاسب نفسك على كل تقصير في حق الله.
كيف نبني إنساناً ربانياً في أنفسنا
إرادة ومسؤولية الإنسان
يجب أن يعرف الإنسان المسلم بأن هذه المسؤولية قائمة على الجزاء من الله سبحانه وتعالى ثوابٌ أو عقابٌ، وبذلك يختار العبد المسلم بين الخير والشر والحق والباطل؛ لأنه بدون هذه المسؤولية والإرادة المرتكزة على فلسفة الإسلام في الثواب والعقاب لا يستقيم عمل الإنسان أبداً.
التزام الإنسان المسلم أخلاقياً
إنّ هذا الالتزام يدفع الإنسان إلى السبيل الصحيح، ويحميه من آفات المعصية والفساد، ويجعله صلباً متماسكاً، يستطيع أن يواجه أي خطر.
تقرّب إلى الله
التقرب من الله يحتاج إلى مجاهدة النفس، والسعي إلى الطاعة بشكلٍ صحيح ٍسليمٍ لا غلو فيها، وتنفير من المعاصي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه: (وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما فرضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري، حيث كلما تقرب العبد من الله سبحانه وتعالى أحبه الله، فيكون معه في كل خطواته وهمساته وسكناته.
طرق تساعد المسلم على مجاهدة نفسه
- استغل وقتك: يجب على الإنسان المسلم استغلال وقته، وأن يقضيه في كل ما يفيد في هذه الدنيا والآخرة.
- تعرف على أحوال المجتهدين: وخير المجتهدين جميعاً حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقرأ سيرته، واقتدي بأفعاله، واهتدي بهديه، واتبع سنته، وأصلح نفسك، وارفع من همتك كما أمرك نبيك عليه السلام.
- احرص على مصاحبة الأخيار وتجنب الفجار: لأن للرفيق الصالح أثراً كبيراً على نفس الشخص المسلم، فالرفيق هو قرينك، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.
- أن يستعين الإنسان المسلم بالله سبحانه وتعالى: يجب أن تستعين بالله على الطاعة، وترك المعصية، فالله خير معين للإنسان المسلم.
- أكثر من السجود: بهذه السجدات تستشعر عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وتوصل دعائك إليه، وتطلب منه الذي تريد، تطلب منه أن يعصمك من نفسك الأمّارة بالسوء، ومن الشيطان، ونزوات الدنيا المهلكة.
- أكثر من الدعاء: فهو يساعدك على مجاهدة نفسك، والدعاء سلاح المخلصين الصابرين، وتذكر أن بالدعاء نجى الله نبيه يوسف الصديق، وبالدعاء والاستغفار أخرج الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت، فلا تستهن بالدعاء، فهو خير معين عند الكُرب، وهو صفة الصداقين والأنقياء.
ختاماً، أذكرك عزيزي القارئ أن الطاعة تحتاج إلى مجاهدة نفسك وإلزامها طوعاً أو كرهاً على فعل كل خير، فالنفس كالطفل الصغير تتعود على حب الرضاعة، ولكن ما أن تفطم هذا الطفل ينفطم، وتذكر دائماً أن بمجاهدة النفس تنهدي إلى طريق النجاة. اتّبع هذه الطرق العملية التي تساعدك على مجاهدة نفسك، وتحفيزها إلى الخير والصلاح.