تعلم الصبر والجلد
الصبر والجلد
يعرّف الصبر لغة ً: بأنّه “الحبس والكف”، أمّا اصطلاحاً: فهو “حبسٌ للنّفس عن فعل شيءٍ أو تركه ابتغاء وجه الله تعالى”،[١] والصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه؛ لأنّه يعصم المسلم من القنوط ويهديه من التخبط، فعلى المسلم أن يكون دائم الاستعداد للظروف الصعبة والأشياء المؤلمة نفسياً، ليتحمّلها دون انفعالات سلبية، فالصبر من أهم الصفات التي ترقى بالإنسان إلى أعلى المقامات، كما إنّه يوجّه الإنسان لاتخاذ قراراته بهدوء، ممّا يجعلها أقرب إلى الصواب، فالصبر كالجواد الذي لا يكبو، فهو والنصر شقيقان لا يفترقان، ودائماً ما يُقال إنَّ النصر مع الصبر، ولقد ضمن الله -تعالى- للصابرين في كتابه الكريم الأجر بغير حساب، وجعل الإمامة في الدّين مرتبطةٌ باليقين والصبر، فقد وصل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بالصبر والتقوى إلى العزّ والتمكين، كما اقترن الصبر بالفلاح في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٢] وقد أوصى الله -تعالى- عباده أن يستعينوا على مصائب الدنيا بالصلاة والصبر.[٣]
كيفية تعلم الصبر والجلد
لقد أنعم الله -تعالى- على عباده بتفريج الهموم والغموم، وجعل الأمان والملجأ إليه، وقد خلق الله -تعالى- عباده في كبد، فالمصائب هي سنَّة الله في الأرض، ولولا أنَّ الدنيا دار مشقةٍ وعناءٍ لما ضاق فيها العيش على الرسل والأنبياء، فآدم -عليه السلام- عانى من المحن ما عانى، وإبراهيم -عليه السلام- تألّم من ذبح ولده إسماعيل ومن مكابدة النّار الكثير، أمَّا يعقوب -عليه السلام- فقد أذهب الحزن بصره، كما قاسى موسى -عليه السلام- من فرعون وضلاله، أمَّا عيسى -عليه السلام- فقد عانى الكثير من الافتراءات والمطاردة، و محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم الأنبياء والمرسلين واجه من قومه التكذيب وصابر الفقر والحزن وفقد الأحبة، فالمصائب والبلايا سنّة الله في خلقه، فبعض الناس يُبتلى بالفقر وضيق العيش، والبعض بالمرض، وآخرين باليُتم أو العُقم، ولا شك أنّ هذا من أنواع البلاء التي يختلف وقعها في نفوس الناس، فمنهم من يقتدي بإبراهيم -عليه السلام- الذي وصفه القرآن بأنه أواهٌ حليمٌ؛ أي كثير الدعاء والشكوى لله تعالى.[٤]
والله يحبُّ من يتوجّه إليه بالدعاء والشكوى، ويحبُّ من يلحّ عليه بالدعاء، قيل لأحدهم: “كيف تشتكي إليه ما لا يخفى عليه”؟ فأجاب قائلاً: “ربي يرضى ذل العبد إليه”، وكثيراً ما يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى بثِّ ما فيها من الهموم، حتى إنَّ البهائم في بعض الأحيان تحتاج إلى الشكوى، فقد دخل النّبي -صلى الله عليه وسلم- حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا بجملٍ يئنّ ويبكي، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صاحب الجمل، وما إن جاء قال له: (أفلا تتَّقي اللَّه في هذه البهيمة التي ملَّكك اللَّه إياها؟ فإنَّه شكا إليَّ أنَّك تُجيعه وتُدئبه).[٥][٤]
وعندما ابتلى الله -تعالى- أيوب -عليه السلام- بالمرض قال عنه بعض النّاس، لقد أذنب أيوب ولولا ذنبه لكُشف عنه البلاء، فلما وصل قولهم إلى أيوب -عليه السلام- وهو العابد الصابر حَزن وتوجه إلى الله-تعالى- بالدعاء، فقال: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)،[٦] وظهر من الآية أنَّ الشكوى لله -تعالى- لا تتعارض مع الصبر، بل هي من العبودية، وقد أجاب الله -تعالى- دعاء أيوب بالفرج وجزيل العطاء.[٤]
الوسائل المعينة على الصبر
إنَّ الصبر من أعظم العطايا التي ينعم الله -تعالى- بها على صفوة خلقه، فما أُعطي الناس عطاءً خيراً لهم من الصبر، وبالصبر يصل الإنسان إلى السعادة ويحصل على ما يريد، وهناك العديد من الأُمور المعينة على الصبر منها: الإيمان بالله -تعالى- وإدراك الثواب الذي أعده الله -تعالى- للصابرين في الآخرة، كما إنَّ النظر في حال أهل البلاء يعزي الإنسان ويُعينه، والنظرة الإيجابية للمصائب، فلطف الله -سبحانه- ينزل دائماً مع المصيبة، وحينئذٍ يشكر الإنسان الله على كل ما حدث،[٧] كما إن إدراك الإنسان لطبيعة الدنيا وأنَّها جُبلت على الكدر والتعب يعينه، فلا يشعر أنَّه الوحيد الذي يُصاب بالهموم لسوء حظه وما شابه، ومن أكثر ما يُعين المُبتلى على تحمل البلاء استعانته بالله وشعوره بمعيته الدائمة،[١] فالابتلاء مخالفٌ للمقاصد والأماني، ومن صفات النبلاء كتمان المصائب والأوجاع، لعلمهم أنَّ الفرج والنصر مرتبطٌ بالصبر، وما امتحن الله -تعالى- عباده إلا لتصفيتهم ورفع درجاتهم، يقول بعض أهل العلم: “من خلقه الله للجنة لم تزل تأتيه المكاره”.[٨]
حقيقة الصبر
بشَّر الله -تعالى- الصابرين في كثيرٍ من الآيات، وأخبر نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الصبر لا يكون إلا بالله، وأنَّه يعتمد على حقيقتين؛ الأُولى: تتعلق بالحياة الدنيا، فالله جعلها دار ابتلاءٍ وامتحان وليست دار جزاءٍ وقرارٍ، فما يكاد الإنسان يخرج بها من امتحان إلا ويدخل بامتحانٍ آخر، وقد يختلفان تماماً، فقد يُمتحن الإنسان بالشيء وضده، كما يُصهر الحديد بالنار ثمّ يوضع بالماء، أمَّا الحقيقة الثانية: فتتعلق بالإيمان، والإيمان هو الصلة بين المسلم وخالقه، وإذا كانت صلة النّاس ببعضهم البعض لا يُعتدّ بها إلا إذا اعتراها اختلاف الحوادث وقسوة الأيام، فكذلك الإيمان، لا بدّ أن تظهر حقيقته بالابتلاء.[٣]
أنواع الصبر
قسَّم ابن القيم -رحمه الله- الصبر إلى ثلاثة أقسام هي:[٩]
- الصبر على الأوامر والطاعات إلى حين تأديتها كما يجب: فالنفس البشرية سريعة التفلت، ولا تستقيم بسهولة، بل تحتاج إلى الاصطبار، ويدخل في هذا النوع الصبر على الواجبات والسنن، والصبر على طلب العلم، والدعوة إلى الله، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن الباطل.
- الصبر عن النواهي والمعاصي: فإذا أراد العبد الوصول إلى رضا الله تعالى، فإنه يحتاج إلى الصبر عن ملذّات الدنيا المحرمة.
- الصبر على الأقدار: ففقد الأحبة، وخسارة الأموال، والإصابة بالأمراض، من أكثر الأقدار التي تتطلب الصبر والرضا، ويقاس صبر الإنسان عند أول سماعه للمصيبة.
المراجع
- ^ أ ب محمد الخضيري، “الصبر في القرآن”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 200.
- ^ أ ب د. راغب السرجاني (17-7-2008)، “خلق الصبر”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد المنجد، “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله”، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2549، صحيح.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 83-84.
- ↑ د. أحمد الفرجابي (9-4-2015)، “فضل الصبر والوسائل المعينة عليه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن القاسم (18-6-2009)، “الصبر على أقدار الله”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.
- ↑ د. أمين الشقاوي (6-2-2013)، “الصبر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.