كيف أرضي الله ورسوله
غاية المؤمن العظمى
لا تزال غاية المؤمن العظمى في حياته السير والاجتهاد الدائم لنيل رضا الله تعالى، حيث إنّ الرضا كما قال ابن القيم رحمه الله: (باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبّين، ونعيم العابدين، وقرّة عيون المشتاقين)، ولا تكون الوسيلة لنيل رضا الله تعالى إلّا بعبادته وطاعته، والتذلّل بين يديه، واتّباع سنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم، والمسلم يدرك بأنّ العبادة، وطاعة الله، والخضوع له، تتماشى مع فطرةٍ زرعها الله في نفس الإنسان وجسده، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)،[١] وإن علم الإنسان بأنّ جميع ما يأتيه من أفعالٍ يُثاب عليها في الآخرة؛ فسيكون مُقبلاً على طاعة الله تعالى، باحثاً عن رضاه في جميع شؤون حياته.[٢]
تحقيق رضا الله تعالى
قرن الله -تعالى- بين رضاه على عبده، ومحبّته له، ولقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تتحدّث عن صفات المؤمنين الذين يحبّهم الله تعالى، ويرضى عنهم، وعن أفعالهم، وفيما يأتي ذكرٌ للآيات التي تذكر الصفات التي تُرضي الله عن عبده، وآياتٍ تذكر حبّ الله للحاملين لها، العاملين بها:[٣]
- إظهار الموالاة للمؤمنين، والتبرؤ من الكفار والمشركين، فذلك ممّا يحبّ الله -تعالى- لعبده أن يظهر عليه، ويحيا به، حيث قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).[٤]
- دوام شكر الله -تعالى- على نعمه، والاعتراف بفضله، فالعبد الشاكر لنعم ربّه، يستحقّ حبّه ورضاه، حيث قال الله تعالى: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).[٥]
- تحقيق الإيمان الصحيح بالله تعالى، وملازمة العمل الصالح ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً، فقال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).[٦]
- صدق التوكّل على الله تعالى، وإرجاع الأمور إليه باطمئنانٍ نابعٍ من الثقة بحكمته وقدرته، وكان مما أكّد حبّ الله -تعالى- ورضاه على المتوكّلين عليه قوله: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).[٧]
- دوام ذكر الله تعالى، وكثرة التوبة والإنابة، التي تعدّ من صفات المؤمن المتّصل برّبه، ومن ذلك أيضاً كثرة التطهر، فإنّ فيه دلالةٌ على حسن الاتصال مع الله سبحانه، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[٨]
- الانتهاء عمّا نهى الله -تعالى- عباده عنه، والمحرّمات والأمور المنهيّ عنها كثيرةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:
- التكبّر والفخر أمام الناس، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).[٩]
- الخيانة، وكسب الآثام، حيث قال الله -تعالى- عن بغضه لهاتين الصفتين: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا).[١٠]
- الإسراف في سائر الأمور، حيث قال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).[١١]
نيل رضا رسول الله
يعدّ البحث في الوصول إلى رضا النبي صلّى الله عليه وسلّم، دليل محبّةٍ له ولطاعته، ولذلك فإنّ من أسباب نيل رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، محبّته والرغبة في رضاه، ويكون ذلك باتّباع أمورٍ كثيرةٍ، وفيما يأتي بيان بعضها:[١٢]
- نصرة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حياته، وقد خصّ فيها أصحابه رضوان الله عليهم، ونُصرة سنّته بعد وفاته.
- تمنّي صُحبة النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال القاضي عياض رحمه الله: (ومن محبته -صلّى الله عليه وسلّم- نصرة سُنته، والذَّب عن شريعته، وتمنِّي حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه).
- امتثال أوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعٌ.
- الدعوة إلى سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ونشرها بين الناس، والردّ على من يطعن فيها.
- كثرة الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
- ترك البدع ومجانبتها؛ لأنّ البدع تُبعد الناس عن السنة الصحيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- محبّة أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأهل بيته، وتنفيذ وصيّته، فإنّ من يحبّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وينشد رضاه ،كان بالضرورة محبّاً لأصحابه، ومن عاشروه فأحبّهم وأحبوه، ومنهم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، وقد حُرّمت الصدقة على كلٍّ منهم، ومن ذلك نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يرضى المسلم أن ينتقص أحدٌ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاعلم أنّه زنديقٌ، وذلك أنّ الرسول حقٌ، والقرآن حقٌ، وما جاء به حقٌ، وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقةٌ).
- عدم التشدّد والغلوّ فيه، برغم عظيم محبّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، يقول له ما شاء الله وشئت، فقال له الرسول: (أَجَعَلْتَني لله عدلاً قل ما شاء اللهُ وحدَه)،[١٣] فذلك ممّا يُرضي رسول الله.
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 30.
- ↑ “كسب رضا الله عزّ وجلّ”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-8. بتصرّف.
- ↑ “كيفية إرضاء العبد ربه سبحانه وتعالى”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-25. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 22.
- ↑ سورة الزمر، آية: 7.
- ↑ سورة البيّنة، آية: 7-8.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ سورة النساء، آية: 107.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 141.
- ↑ “محبة النبي صلى الله عليه وسلم “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-25. بتصرّف.
- ↑ رواه العراقي، في تخريج الإحياء، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3/200، إسناده حسن.