صيام شهر شعبان

شهر شعبان

سمّي شهر شعبان بذلك؛ لأنّ الناس كانوا يتشعّبون فيه؛ أيّ يتفرّقون طلباً للمياه، وقيل إنّ تشعّبهم كان في الغارات، إلا أنّ ابن حجر -رحمه الله- قال: إنّ شعبان سمّي بذلك؛ لأنّ الناس كانوا ينشغلون بطلب الماء أو الغارات بعد انتهاء شهر رجب، وإنّ الأحاديث التي تناقلها الناس عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بما يخصّ سبب تسمية شهر شعبان ليست صحيحةً، كما أنّ شهر شعبان لا يتميّز عن غيره من الشهور، إلا أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُكثر من الصيام فيه، كما أنّ الله تعالى يغفر ذنوب عباده في المنتصف منه، حيث وردت عدّة أحاديثٍ نبويّةٍ تدلّ على أنّ الله تعالى يغفر ذنوب جميع العباد إلا ما اسثناه من المغفرة، حيث قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلَّا لمشرِك أو مشاحنٍ)،[١]فالمشرك؛ هو الذي أشرك بعبادة الله تعالى، أو في صفاته، أو في ذاته، وأمّا المشاحن؛ فهو المعادي، وورد في روايةٍ أخرى للحديث السابق أنّ الله لا يغفر ذنب قاتل النفس.[٢]

صيام شهر شعبان

كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حريصاً على صيام أكثر أيام شهر شعبان، حيث سأله الصحابيّ أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن ذلك، فأجابه قائلاً: (ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)،[٣] ولا حرج في صيام أوّل شهر شعبان أو نصفه أو آخره لمن كان عليه قضاءٌ أو نذرٌ أو كانت عادته الصيام، إلا أنّ صيام شعبان يكون من أوّله إلى منتصفه في حقّ من لم تكن عادته الصيام ولا يوجد أيّ سببٍ لصيامه، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا انتصف شعبانُ، فلا تصوموا حتى يكونُ رمضانُ)؛[٤] وذلك ابتعاداً عن التعمّق في العبادة؛ إذ إنّ ذلك قد يكون متصلاً بصيام رمضان أو قريباً منه، ممّا يجعله سنّةً أو عادةً مع المواظبة عليها، فيؤدي إلى الاعتقاد بوجوب ذلك، والتحريف والزيادة في الدين لا تجوز، كما أنّ التعمّق في الدين أمرٌ مذمومٌ ولا يجوز شرعاً.[٥]

فضل شهر شعبان وأهمّيّته

وردت عدّة فضائل ممّا يخصّ شهر شعبان، وبيان بعضها على النحو الآتي:

  • إنّ شهر شعبان يعدّ من الأوقات التي قد يغفل المسلم عن العبادة والتقرّب إلى الله تعالى فيها، وحثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على صيامه؛ لأنّ الصيام من النوافل الخفيّة عن العباد؛ أي التي تكون بين العبد وربه، وإخفاء النوافل من العبادات وعدم نشرها بين الناس أفضل، فقد كان بعض السلف الصالح يصومون أربعين سنةً دون أن يعلم أحدٌ بذلك، وكانوا يقومون بأفعالٍ تخفي صيامهم، كما أنّ الصيام يعدّ من أصعب العبادات على النفس، والعبادات الشاقّة على النفس تعدّ من أفضل الأعمال عند الله تعالى.[٦]
  • إنّ الأحداث التاريخية والإسلامية التي كانت تحدث في شهر شعبان هامّةٌ للغاية، منها: تحويل قبلة المسلمين، إذ إنّ القبلة حُوّلت إلى بيت المقدس؛ لتطهّر النفوس من شوائب الجاهلية، ولتقوية الإيمان، ثمّ حوّلت القبلة إلى بيت الله الحرام بعد استقرار الدولة الإسلامية في المدينة المنوّرة؛ إقراراً لحقيقة الإسلام، وتأكيداً على أنّ دين الإسلام دين جميع الأنبياء عليهم السّلام، وتحقيقاً لمراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم.[٧]

أحكامٌ متعلّقةٌ بشهر شعبان

انتشر بين الناس عدّة مسائل في ما يخصّ شهر شعبان، وفي ما يأتي بيانها وبيان حُكمها:[٢]

  • إحداث الصلاة الألفية في النصف من شهر شعبان، حيث ذكر المقدسي أنّ رجلاً يُعرف بابن أبي الحميراء من مدينة نابلس، ذهب إلى بيت المقدس سنة (448) للهجرة، ليلة النصف من شعبان، وكان ابن أبي الحميراء رجلاً حسن الصوت في تلاوة القرآن الكريم، فقام إلى الصلاة في المسجد الأقصى، وصلّى خلفه رجلٌ، ثمّ صلّى رجلٌ آخر وآخر، فما انتهت الصلاة حتى كان خلفه جماعةٌ كبيرةٌ من المصلّين، إلا أنّها بدعةٌ، وتسمّى بالصلاة الألفية؛ لأنّه يقرأ فيها سورة الإخلاص ألف مرّةٍ، ومن علماء أهل الحجاز الذين أنكروها: عطاء، وفقهاء المدينة المنوّرة، وابن أبي مليكة، وأصحاب مالك.
  • لم يثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ما يدلّ على قيام ليلة النصف من شعبان، أو صيام الخامس عشر منه؛ إذ إنّ ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي لا يجوز تخصيصها بالقيام، إلا إنّ كانت من عادة الشخص قيام الليل، فحينئذٍ يكون قيام النصف من شعبان كقيام غيرها من الليالي، فإنّ تخصيص الأوقات بعباداتٍ معيّنةٍ لا يُقبل إلا بدليلٍ صحيحٍ يُحتجّ به على ذلك، وما لم يثبت بدليلٍ صحيحٍ يكون من البدع في الدين، والبدع من الضلالات، كما أنّه لم يرد دليلٌ صحيحٌ يحتجّ به على صيام الخامس عشر من شعبان، والأحاديث المنتشرة بين الناس في ما يخصّ ذلك، كلّها موضوعةٌ وضعيفةٌ لم تثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكن من كانت عادته صيام الأيام البيض، فيجوز صيامها في شعبان كغيره من الشهور، وممّن حكم ببطلان الروايات التي تدلّ على ذلك: ابن الجوزي، وابن القيم، وأبو شامة الشافعي، كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على بطلان الروايات.

المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 1148، حسن.
  2. ^ أ ب “شهر شعبان”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2018. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2356، حسن.
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 492، صحيح.
  5. “إكثار الصيام في شهر شعبان سنة”، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2018. بتصرّف.
  6. “فضائل شهر شعبان”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2018. بتصرّف.
  7. “شهر شعبان، فضله وأهميته”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2018. بتصرّف.