كم عدد ركعات قيام الليل في العشر الأواخر

اغتنام العشر الأواخر من رمضان

يستحبّ للمسلم أن يضاعف فعل الأعمال الصالحة في العشر الأواخر من رمضان، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما روت عائشة -رضي الله عنها- عن فعله في العشر الأواخر؛ فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ)،[١] وقد حدد الفقهاء بداية العشر الأواخر من رمضان من بداية ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، وانتهائها يكون بنهاية رمضان، سواء أكان تسعةً وعشرين أو ثلاثين يوم، ويُستحَّب أن يجتهد المسلم في الليالي الأخيرة من رمضان؛ بفعل الخيرات، وتوزيع الصدقات، وتلاوة الآيات، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام، وقيام الليل.[٢]

ويُعَّد الاعتكاف من الأمور التي تأكّد استحبابها في العشر الأواخر من رمضان ويكون ذلك بدخول المسلم الذي يريد الاعتكاف إلى المسجد قبل أن تغرب شمس ليلة الحادي والعشرين من رمضان، ويبقى في المسجد حتى ليلة العيد؛ فيخرج من معتكفه إلى صلاة العيد؛ اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما أوضحت عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ)،[٣] ويتحرّى المسلم في العشر الأواخر ليلة القدر، وخاصّة في الليالي الفردية منها؛ لما روت عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ).[٤][٢]

عدد ركعات قيام الليل في العشر الأواخر

تؤدّى صلاة الليل مثنى مثنى؛ أي ركعتين ركعتين،[٥] وقد اختلف الفقهاء في عدد ركعات قيام رمضان كما يأتي: [٦]

  • جمهور الفقهاء: ذهب جمهور الفقهاء من حنفية وشافعية وحنابلة إلى أنّ صلاة الليل عشرين ركعة.
  • المالكية: ذهب المالكية إلى أنّ صلاة الليل تؤدّى ستاً وثلاثين ركعة.

فاتّفق الفقهاء على أنّ صلاة الليل تزيد عن إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة؛ لأنّ عددها ليس أمراً توقيفياً لا يجوز مخالفته كما ذكر الإمام أحمد، ويمكن أن يتحكم المصلي بعدد الركعات التي يصليها بحسب إطالة القيام أو قصره، واستدلّوا على اتّفاقهم بحديث عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئِلَّت: (كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أتَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يا عَائِشَةُ، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولَا يَنَامُ قَلْبِي)؛[٧] وقد بيّن الفقهاء أنّه لا يلزم من ذلك الحديث التقيّد بعدد معيّن؛ كما أنّ صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تتّصف بالطول لدرجة أنّها كانت أحياناً تستمر طيلة الليل، حتى أنه في بعض المرّات خشي الصحابة -رضوان الله عليهم- أن يفوتهم تناول السحور من طول القيام، ومع ذلك لم يكونوا يتركوا الصلاة خلفه، وقد ورد عن السلف الصالح أنّهم كانوا يزيدون في عدد الركعات.[٦]

وأكّد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه ليس هناك عدد محدد لعدد ركعات قيام الليل في رمضان؛ لأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحددها، وقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه ما كان يزيد عن إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة؛ لكنها كانت ركعات طويلة، وعندما أمَّر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب -رضي الله عنهما- أمره أن يصلّي بالمسلمين عشرين ركعة، وكان يخفف فيها من القراءة، وبعد انتهاءه يوتر بثلاث ركعات، ويختلف الأفضل في عدد الركعات باختلاف حال المصلي؛ فإن وجد المسلم في نفسه نشاطاً لتطويل الركعات والتقيّد بعدد الركعات التي صلّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو أفضل، وإن كان أسهل وأخف عليه أن يصلي عشرين ركعة مع تقصير القراءة كما ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فلا بأس بذلك، وهو الأيسر على المصلين.[٨] و

وقت قيام الليل في رمضان والعشر الأواخر

يمتد وقت صلاة قيام الليل في رمضان وغيره من بعد أداء صلاة العشاء؛ أي بعد غياب الشفق الأحمر، وينتهي وقتها بطلوع الفجر، والأفضل أن تصلى قبل صلاة الوتر، مع جواز صلاتها قبله أو بعده عند جمهور الفقهاء من شافعية وحنفية وحنابلة، وكره المالكية تأخيرها عن الوتر لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)،[٩] ولا تقضى صلاة الليل إذا فات وقتها بطلوع الفجر باتّفاق الفقهاء من حنفية ومالكية وحنابلة، عدا الشافعية الذين قالوا بقضائها بكل الأحوال.[١٠] وتجدر الإشارة إلى أن صلاة التراويح لا تختلف عن صلاة قيام الليل؛ فكلتاهما صلاة نافلة تصلّى بعد العشاء إلى طلوع الفجر، لكنّ صلاة التراويح هي اسم اعتاد الناس إطلاقه على قيام الليل في رمضان.[١١]

حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر

بيّنت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر من رمضان؛ فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ)،[١] وسيتم فيما يأتي شرح الحديث الشريف:[١٢]

  • (وَشَدَّ المِئْزَرَ): يعني تهيّؤه -عليه السلام- للإقبال على الله – تعالى- بالعبادة وغيرها تقرّباً إليه، وكان -عليه السلام- يعتزل نسائه؛ وإن كان الأمر مباحاً لمن قطع اعتكافه، لكنّ اعتزال النساء كان من سنن وآداب النبي -عليه السلام- في العشر الأواخر؛ تفرّغاً للعبادة.
  • (أَحْيَا اللَّيْلَ): يعني قيامه -عليه السلام- الليل بأكمله؛ أي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، مع العلم أنّ النبي -عليه السلام- لم يكن يقطع عبادة القيام طول السنة حتى في إقامته وسفره، لكنّه كان يخلط بين النوم والاستيقاظ، أمّا في العشر فيقوم الليل كاملاً.
  • (أَيْقَظَ أَهْلَهُ): يعني ذلك بأنّ بيوته -عليه السلام- كانت عامرة بالذكر، والصلوات، والطاعات التزاماً منه بتحمّل مسؤولية أهله الواردة في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)؛[١٣] فمن سنّته -عليه السلام- الحث على إيقاظ الأهل للصلاة سواء في العشر الأواخر أو في غيرها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فَصلَّت وأيقَظَت زَوجَها فإن أبَى نضَحَت في وجهِهِ الماءَ).[١٤]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 1174، صحيح.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، مصر: مطابع دار الصفوه، صفحة 116-117، جزء 30. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 2026، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 2017، صحيح.
  5. “كيفية صلاة التراويح”، www.islamweb.net، 20-9-2008، اطّلع عليه بتاريخ 9-4-2020. بتصرّف.
  6. ^ أ ب “عدد ركعات صلاة التراويح”، www.islamqa.info، 11-09-2002، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 2013، صحيح.
  8. محمد حسين يعقوب (2005)، أسرار المحبين في رمضان (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة التقوى ومكتبة شوق الآخرة، صفحة 207. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 998، صحيح.
  10. الفقه على المذاهب الأربعة (2003)، عبد الرحمن الجزيري (الطبعة الثانية)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 310، جزء 1. بتصرّف.
  11. “قيام الليل وصلاة التراويح والتهجد”، www.islamweb.net، 26-10-2005، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2020. بتصرّف.
  12. علي بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 3، جزء 38. بتصرّف.
  13. سورة التحريم، آية: 6.
  14. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1450، حسن صحيح.