ما هما ركعتا الشفع
الشفع والوتر
تنقسم صلاة الوتر إلى شَفعٍ ووتر، فالوتر ما كان في نهايتها بركعاتٍ فردية، والشَّفع ما كان في ابتدائها من ركعاتٍ زوجية، فقد رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئل عن الشفعِ والوترِ، فقال: (هي الصلاةُ بعضُها شفعٌ، وبعضُها وترٌ)،[١] وقد ثبتت مشروعية صلاة الوتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمرَ بها أصحابه، ناهيك عن التزامه بها وأدائها في حِلّه وترحاله، حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يترك صلاة الوتر في سَفَرٍ ولا في حَضَر.
معنى صلاة الشَّفع والوتر
- الشَّفع: الضم، ومنه الشفع في الصلاة، وهو ضَمُّ ركعةٍ إلى أخرى، والشَّفع: الزَّوج الذي هو ضِدُّ الفَرد، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين لأنها تضمهم إلى الصالحين، والشُّفعَةُ في العقار لأنها ضَمُّ ملك البائع إلى ملك الشفيع،[٢] وصلاة الشَّفع ضدُّ صلاة الوتر فالوتر: صلاة فردية، والشَّفع صلاة زوجية من ركعتين أو أربع ركعات أو ست ركعات أو أكثر من ذلك.
- الوتر في الاصطلاح: هي صلاةٌ مَخصوصةٌ في أوقاتٍ مَخصوصةٍ تُختَتَمُ بها صلاة اللّيل؛ سواء كان في أول اللّيل، أو وسطه، أو آخره، وتكون عدد ركعاتها فرديةً، ولذلك سُمِّيَت وِتراً.[٣]
عدد ركعات صلاة الشَّفع والوتر
صلاةُ الشَّفع كغيرها من الصَّلوات، ولكنّها تختلف عن باقي الصّلوات بكونها تنتهي بصلاةٍ فرديَّةً؛ فتُصلَّى بركعةٍ واحدةٍ أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعةً، ولهذا السَّبب جرى التَّمييز والتفريق بين الشَّفع والوتر، وقد اختلف العُلماء في عدد ركعاتها على النَّحو الآتي:
- ذهب الحنفيّة إلى أنَّ عدد ركعات صلاة الوتر ثلاث ركعاتٍ تُصلّى كالمغرب بتسليمةٍ واحدةٍ،[٤] واحتجّوا على ذلك بما رُوِي عن ابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أنّهم قالوا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ركعات)،[٥] وبذلك يكون الوتر عندهم لا شفع فيه لكونهم يؤدونه ثلاثاً بتسليمةٍ واحدة.
- ذهب المالكيّة إلى أنَّ أقلّ صلاة الشّفع ركعتان، وتُصلى أربعاً أو ستاً أو أكثر من ذلك، وتُختتم صلاة الشَّفع بركعة وترٍ واحدة،[٦] واستدلّوا على ذلك بقوله عليه الصّلاة والسّلام: (صلاة الليل مَثنى مَثنى، فإذا خشي أحدكم الصّبح صلّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلّى)؛[٧] واستدلوا كذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أن النّبي عليه الصّلاة والسّلام (كان يُصلّي باللّيل إحدى عشرة ركعةً يُوتر منها بواحدة)،[٨] ويُروَى أنّ رجلاً سأل النّبي عليه الصّلاة والسّلام عن صلاة اللّيل فقال بإصبعه: (هكذا مَثنى مَثنى، والوتر ركعةٌ من آخر اللّيل).[٩]
- ذهب الشافعيّة إلى أنَّ أقلَّ الوتر واحدةٌ، وأدنى الكمال ثلاث ركعاتٍ فيكون بين التور شفع، ويجوز أن يُوتر بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ، وأكثرها إحدى عشرة ركعة، وقيل: ثلاث عشرة ركعة،[١٠] يفصل بين كلِّ ركعتين منهن بسلام، فيكون أدنى الشَّفع في ذلك حسب قولهم ركعتين، ويجوز أن يصليها أربعاً أو ستاً أو ثمانيَ أو عشر ركعات أو اثنتي عشرة ركعة، ودليلهم ما رُوِي عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: (من شاء أوترَ بسبعٍ ومن شاء أوترَ بخمسٍ، ومن شاء أوترَ بثلاثٍ، ومن شاء أوترَ بواحدةٍ).[١١]
- وقال الزهريّ: (هي في رمضان ثلاث ركعات وفي غيره ركعة)، وقال الحسن: (أجمَعَ المُسلمون على أنّ الوِتر ثلاثُ ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدةٍ في آخِرِهِنّ؛ لأنّ الوتر من النّوافل، والنّوافل جاءت فرضيتها كتوابعَ للفرائض، فيجب أن يكون لها مثيلٌ منها، والرّكعة الواحدة ليس لها مثيلٌ في الصّلوات المفروضة)،[٤] ومَثيلَتُها في الفرائض من حيث الإفراد في عدد الرّكعات صلاة المغرب فتُصلى كالمغرب؛ ثلاث ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدة، وهو بقوله هذا يُوافق الحنفية فينفي صلاة الشَّفع من الوتر ويُثبتها وتراً ثلاثيةً كالمغرب.
- ذهب الحنابلة إلى أنَّ أقلَّ الوتر ركعةٌ، ولا يُكره الإتيان بها مُنفردةً كما يقول الشافعيّة، وأكثرها إحدى عشرة ركعةً، وله أن يُوتر بثلاث، وهو أقلّ الكمال، وبخمس، وبسبع، وبتسع.[١٢] فإن أوتر بواحدة فلا شفع في صلاته، وإن زاد على ذلك فما زاد على الفرد يُسمى شَفعاً ما دام صُلِّي بتسليمةٍ مُستقلةٍ عن الركعة.
- وتجدر الإشارة إلى أن كلَّ صلاةٍ زوجية تُسمى بهيئتها شفعاً مع احتفاظها بصفتها الأصليّة، كما أنَّ كلَّ صلاةٍ فرديةٍ تُسمى وتراً مع احتفاظها بصفتها الأصلية، فصلاة العصر صلاة شفع، وصلاة الظهر صلاة شفع، وصلاة المغرب صلاةٌ وتر، وهذه التسمية هي للهيئة لا للصِّفة، أما صلاة الشَّفع ذات الصفة فهي الصلاة التي تأتي مرافقةً لسنَّة الوتر وتُصلى بركعاتٍ زوجية كمُقدِّمةٍ للوتر التي تتبعها بركعاتٍ فردية.
حُكم صلاة الشَّفع والوتر
اختلف الفُقهاء في حُكم صلاة الوتر التي هي أصل صلاة الشَّفع على النّحو الآتي:
- ذهب أبو حنيفة وزُفَر إلى وجوب صلاة الوتر:[١٣] واستدلوا بقول رسول عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ تعالى زادكم صلاةً وهي الوترُ، فصلوها فيما بين صلاةِ العشاءِ إلى صلاةِ الصبحِ).[١٤]
- ذهب المالكيّة والشافعيّة وسفيان الثوريّ والأوزاعيّ وصاحبا أبي حنيفة محمد وأبو يوسف إلى أنّ صلاة الوتر سُنّةً، وليست واجبةً ولا فرضاً،[١٥] وقد استدلوا بما رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: (ثلاثٌ هنَّ عليَّ فرائضٌ ولكم تطوّعٌ: النّحرُ، والوترُ، وركعتا الضُّحى. لفظ أحمد، وفي روايةٍ للدارَقُطنيِّ: وركعتا الفجرِ بدل وركعتا الضُّحى).[١٦] كما رُوِيَ أن النَّبيَّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (الوتر حقٌّ مسنون، وليس بواجب).[١٧]
وقت صلاة الشَّفع والوتر
صلاة الشَّفع كما تقدّم سابقاً هي جزءٌ من الوتر تُصلى معها وفي وقتها، لا تصحُّ صلاة الوتر إلا في وقتها الذي خُصِّصَ لها، فإن خرج وقتها صُلِّيَت قضاءً، وإن أدَّاها في غير وقتها فقد وَقعت في غير مَحلِّها، وبالتّالي وقعت باطلةً، ويكون للمُصلّي على ذلك أجر صلاةٍ نافلةٍ لا صلاة شفع أو وتر.
وقت صلاة الشَّفع والوتر
أمّا وقت أدائهما فقد أجمع العُلماء أنّه يكون بعد صلاة العِشاء مُباشرةً، وينتهي بطلوع الفجر الثّاني (الفجر الصّادق)،[١٨] لقول رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قَد أمدَّكُمُ بِصلاةٍ هِيَ خيرٌ لَكُم من حُمُرِ النَّعَمِ، وهيَ الوِترُ، فجَعلها لكم فيما بينَ العشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ).[١٩]
وقت قضاء صلاة الشَّفع والوتر
اختلف الفُقهاء فيما لو ترك صلاة الوتر: هل يقضيها أم يتركها؟ وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:[٢٠]
- ذهب الحنفيّة إلى أنَّ من لم يُصَلِّ الوتر في وقتها الذي ذُكِر سابقاً، فقد وَجَبَ عليه القضاء سواءً كان تركه لها عمداً أم نِسياناً، حتى إن طالت المُدّة، فإن صَلَّى الفجر وهو ذاكرٌ أنّه لم يُصلِّ الوتر دون أن يَقضيها فصلاة الفجر فاسدةٌ عنده؛ لوجوب التّرتيب بين الوتر والفريضة، ويُصليها حينها ثلاثاً كالمغرب بلا شفع حسب مذهبهم.
- ذهب الإمام مالك إلى أنّه يُصلّي قبل صَلاة الفجر، فَإن لم يفعل حتّى طَلَعت الشّمس فلا قَضاءَ عليه.
- ذهب الشافعيّة إلى أنَّ من نَسِيَ الوتر حتّى صَلّى الصُّبحَ لا يُعيد.
- ذهب الأوزاعيّ إلى أنّه إن ترك الوتر فإنّه يقضيه متى ذكره في يومه حتّى يُصلّي عشاءَ اليوم الآتي؛ فإن لم يذكره حتّى صلّى العشاء فلا قضاء عليه بعد طلوع الفجر.
- ذهب سُفيان الثوريّ إلى أنّه إذا طلعت الشّمس فإنه بالخيار، فإن شاء قَضاها وإن شاء لَم يَقضِها.
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 3342.
- ↑ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي، مجد الدين أبو الفضل الحنفي ( 1937 )، الاختيار لتعليل المختار، القاهرة: مطبعة الحلبي، صفحة 42، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (2003)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مطبعة الأسدي، صفحة 427، جزء 2.
- ^ أ ب علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 271-272، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه العيني، في نُخب الأفكار، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5/108، طريقه صحيح.
- ↑ القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (1999)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 287-288، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الشافعي، في الأم، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم: 8/486 .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 736.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم: 1421.
- ↑ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (1983)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 225-226، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1712.
- ↑ عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 306، جزء 1.
- ↑ محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، العناية شرح الهداية، بيروت: دار الفكر، صفحة 423، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الزيلعي، في نصب الراية، عن أبو بصرة الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2/110.
- ↑ أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 265، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في التلخيص الحبير، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2/503، ضعيفٌ يؤخذ به.
- ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/298.
- ↑ الفقه الإسلامي وأدلته, وهبة الزحيلي, بيروت: دار الفكر, Page 1010-1014, Part 2. Edited.
- ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن خارجة بن حذافة العدوي، الصفحة أو الرقم: 1/550، ضعيف.
- ↑ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي (1417), مختصر اختلاف الفُقهاء, بيروت: دار البشائر الإسلامية, Page 284-284, Part 1.