ما هو أفضل وقت لصلاة الاستخارة
قد يطرأ على الشّخص العديد من الأمور والأعمال في حياته، مثل اختيار مهنة أو اختيار تخصّص، أو دراسة، أو اختيار شريك حياة، أو شراء سيّارة، أو أيّ أمر آخر، وقد يصعب على الشّخص اتخاذ القرار المناسب، ومعرفة ما إذ كان هذا الشّيء سيعود عليه بالخير، ومن هنا تأتي حكمة صلاة الاستخارة وفائدتها، ففيها استعانة بالله تعالى، وطلب العون منه سبحانه وتعالى في اتّخاذ القرار المناسب.
وصلاة الاستخارة لا تختلف عن كلّ أنواع الصّلوات الأخرى، من حيث شروطها، وأركانها، وواجباتها، ومستحباتها، إلا أنّ لها أحكاماً خاصّةً بها. (1)
ما هو أفضل وقت لصلاة الاستخارة
إنّ الاستخارة مستحبة للإنسان في حال جدّ عليه أمر من أمور الدّنيا ممّا يباح له فعله، أمّا الأمور الواجبة فلا استخارة فيها، أو الأمور المندوبة، لأنّ الإنسان مأمور بفعلها، ولا استخارة في الأمور المحرّمة كذلك أو المكروهة، لأنّ الإنسان مأمور بتركهما دون أن يستخير.
ويمكن للإنسان أن يصلي صلاة الاستخارة في أيّ وقت شاء، شرط أن يبتعد عن الأوقات المكروهة للصلاة، وهي: بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، وبعد صلاة الفجر إلى طلوع الشّمس، وقبل الظهر بمقدار ربع ساعة تقريباً، والذي يعتبر وقت زوال الشّمس. وذلك لا يشمل الحالات التي يضطرّ فيها الإنسان أن يصلي الاستخارة بحيث لا يمكنه تأجيلها، فله أن يصليها ثمّ بعد أن يصلي الركعتين يدعو الله عزّ وجلّ بدعاء الاستخارة، ويمكن له أن يدعو قبل أن يسلم من الرّكعتين. (2)
دعاء صلاة الاستخارة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:” كان النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يُعَلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كالسّورةِ من القرآنِ : إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ، ثمّ يقولُ: اللهم إنّي أستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقدرتِك، وأسألُك من فضلِك العظيمِ، فإنّك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم إنْ كنتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في دِيني، ومَعاشي، وعاقبةِ أمري – أو قال : في عاجلِ أمري وآجِلِه – فاقدُرْه لي، وإن كنتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي في ديِني ومَعاشي وعاقبةِ أمري – أو قال : في عاجِلِ أمري وآجِلِه – فاصرِفْه عني واصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان، ثم رَضِّني بِه، ويُسَمِّي حاجَتَه “، رواه البخاري. (3)
والمستفاد من هذا الدّعاء لجابر رضي الله عنه أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – علّم الصّحابة رضوان الله عليهم أن يستخيروا في جميع أمرهم، وليس فقط للأمور الكبيرة والمُعسرة. وليس من الضّروري أن يرى المُستخير رؤيا توضّح له أيّ شيء عليه أن يختار، بل عليه أن يمضي متوكّلاً على الله فيما اختار، فإن تيسّر أمره أكمل فيه، وإن تعسّر توقف عنه. (4)
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن عبد الله قال:” علّمنا رسول الله الاستخارة، قال:” إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل: اللهم إنّي أستخيرك بعلمك فذكره، ولم يقل: العظيم، وقدّم قوله: وتعلم على قوله: وتقدر، وقال: فإن كان هذا الذي أريد خيرًا في ديني، وعاقبة أمري فيسّره لي، وإن كان غير ذلك خيرًا لي فاقدر لي الخير حيث كان، يقول: ثمّ يعزم “، أخرجه الطبراني.
وعن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” من سعادة ابن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عزّ وجلّ “، أخرجه الترمذي، وأحمد، والحاكم. (1)
مشروعية صلاة الاستخارة
شرع الله سبحانه وتعالى صلاة الاستخارة للمسلمين، وذلك لما فيهما من التّوكل على الله عزّ وجلّ، وتفويض جميع الأمور إليه، والرّضا والتّسليم بقدره وقضائه عزّ وجلّ. فإذا همّ المسلم بأمر وأراد أن يعزم عليه بعد استشارة النّاس الثّقات، فإنّه يستخير. ومن العلماء من يستقبح الاستخارة قبل الاستشارة، وذلك لأنّ الإنسان إذا استخار الله عزّ وجلّ فلا يستشير أحداً بعده، ولذلك فإنّ الاستخارة تكون في آخر الأمر.
ويدعم هذا الكلام قوله صلّى الله عليه وسلّم:” إذا همّ أحدكم بالأمر “، أي: أن يكون عنده الاهتمام، ومعنى ذلك أنّه قد وجد من مشورة النّاس ومن حديث النّفس ما يجعله يتردّد. ولكنّ هذا لا يعني عدم صحّة الاستخارة إذا تقدّمت على استشارة النّاس. (1)
دلالة قبول الاستخارة
تعدّ الاستخارة دعاءً كسائر الأدعية التي يدعو بها المسلم، وقد تحتمل إجابتها أحد الأمور الثّلاثة، وهي ما ذكره النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – في قوله:” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ “، رواه الإمام أحمد.
فعندما يسأل الإنسان الله عزّ وجلّ أمراً ما، وأراد الله أن يجيب له دعوته في الحياة الدّنيا، فإنّه إمّا أن يشرح صدر الإنسان لأحد الأمور التي استخار الله عزّ وجلّ فيها، فيجد في نفسه راحةً واطمئناناً إليها، وإمّا أنّ حيرته لا تنتهي باستخارته، ويبقى في شكّ من أمره، وبالتالي عليه أن يقيس الأمور، ويستشير أصحاب الخبرة، حتى يستقرّ على أمر ما.
وليس شرطاً أن يرى السّائل مناماً أو رؤيا خاصّة حول ما استخار من أجله، بل عليه أن يستخير ثمّ يتوكلّ على الله ويمضي في أمره، فإنّ تيسّر أمره كان في الخير من عند الله عزّ وجلّ، وإن لم يتيسّر صرفه الله عزّ وجلّ عنه، واختار بدلاً منه. (5)
ويمكن للمسلم أن يكرّر صلاة الاستخارة، فقد ورد في الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة:” قال الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة: ينبغي أن يكرّر المستخير الاستخارة بالصّلاة والدّعاء سبع مرّات، لما روى ابن السّني عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أنس؛ إذا هممت بأمر فاستخر ربّك فيه سبع مرّات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإنّ الخير فيه. ويؤخذ من أقوال الفقهاء أنّ تكرار الاستخارة يكون عند عدم ظهور شيء للمستخير، فإذا ظهر له ما ينشرح به صدره لم يكن هناك ما يدعو إلى التّكرار، وصرّح الشافعيّة بأنّه إذا لم يظهر له شيء بعد السّابعة استخار أكثر من ذلك، أمّا الحنابلة فلم نجد لهم رأياً في تكرار الاستخارة في كتبهم التي تحت أيدينا رغم كثرتها “. (6)
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية/ عقيل بن سالم الشهري/ دار كنوز إشبيليا- الرياض/ الطبعة الأولى.
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 38863/ صلاة الاستخارة كيفيتها ووقتها ومحل الدعاء منها/ 16-10-2003/ مركز الفتوى/ اسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 1026/ ما هو دعاء الاستخارة؟/ دائرة الإفتاء العام/ المملكة الأردنية الهاشمية/ aliftaa.jo
(4) بتصرّف عن مقال سُنَّة صلاة الاستخارة/ د.راغب السرجاني/ 18/08/2014/ موقع قصة الإسلام/ http://islamstory.com
(5) بتصرّف عن فتوى رقم 456/ كيف أستدل على قبول الاستخارة؟/ لجنة الإفتاء ومراجعة سماحة المفتي العام الدكتور نوح علي سلمان/ دائرة الإفتاء العام/ المملكة الأردنية الهاشمية/ aliftaa.jo
(6) بتصرّف عن فتوى رقم 75167/ التفصيل في صلاة الاستخارة/ 11-6-2006/ مركز الفتوى/ اسلام ويب/ islamweb.net