طريقة الطواف

الطواف

يتضمّن الطواف حِكماً كثيرةً وجليلة؛ لأنّه عبادةٌ لله -عزّ وجلّ-؛ حيث يسكن في قلب الطائف تعظيم الله -تعالى-، ويجعله دائم الذكر له -سبحانه-، فمعظم أفعال العبد في الطواف فيها ذِكرٌ، وتسبيحٌ لله -تعالى-، سواء في مشيه أثناء الطواف، أو استلامه للركن اليماني، أو استلامه للحجر، أو إشارته إليه، عدا عمّا يكون على لسان الطائف من الدعاء المُستمرّ لله -تعالى-، والتكبير، والتعظيم، ويمكن تعريف الطواف بما يأتي:[١]

  • الطواف لغةً: هو دوران الشيء على الشيء.
  • الطواف اصطلاحاً: أن يعبد المسلمُ اللهَ -تعالى-، ويكون ذلك بالدوران حول الكعبة بطريقة مُعيّنة.

وقد شُرِع الطواف في الكتاب، والسنّة؛ قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)،[٢]، وعَنِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قال: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا طاف في الحَجِّ أو العُمْرةِ أوَّلَ ما يَقْدَمُ سعى ثلاثةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجَدَ سجدتينِ، ثم يطوفُ بين الصَّفا والمروةِ)،[٣] ولمّا كانت العمرة مُكوّنةً من ثلاثة أركان، كان الطواف أحدها، بحيث لا تصحُّ العمرة دونه.[٤]

طريقة الطواف

يبدأ الطائف طوافه من الرُّكن الذي فيه الحجر الأسود، فيستقبل الحجر، ويستلمه*، ويقبّله إن استطاع دون أن يؤذي الناس بمزاحمتهم، ثمّ يجعل جانبه الأيسر إلى جهة البيت، ويبدأ طوافه، ثمّ يمشي ويطوف بالبيت مارّاً بالرُّكن اليمانيّ إلى أن ينتهي برُكن الحَجَر الأسود، وهو المكان الذي بدأ الطواف منه، وتكون بذلك قد تمّت له طَوْفةٌ واحدة، ثمّ يكرّر فِعله حتى تتمّ له سبعُ طوفات.[٥]

واجبات الطواف

يجب أن تتوفّر في الطواف أمورٌ لا يتمُّ إلّا بها، وهي:

  • النيّة: فيجب على الطائف أن ينوِ الطواف بقلبه، وأن يجزم في هذه النيّة، ويُعيّنَها بكونها عبادة لله -تعالى-، فمثلاً لو أنّ شخصاً هرب من شيءٍ وطاف بالبيت، فإنّ هذا لا يُعتبَر طوافاً؛ لعدم توفُّرالنيّة،[٦] أمّا في طواف النفل، أو النذر، فإنّ النيّة تجب عند الوصول إلى الحجر الأسود وابتداء الطواف، أمّا في طواف الوداع، وطواف القدوم، وطواف الرُّكن في الحجّ، فلا يحتاج الطائف النيّة؛ لأنّها في هذه المواضع مُندرِجة تحت نيّة الحجّ، إلّا أنّها مع ذلك تكون سُنّة فيها.[٧]
  • ستر العورة الواجب سترها في الصلاة: كما ورد في الحديث (لَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ)،[٨] فإن بانت عورة الطائف سترها مباشرة، وبنى على طوافه وأكمل.[٩]
  • الطهارة من الحدث والنجس: وتجب الطهارة في بدن الطائف من الحَدَث، وطهارته من النجس أيضاً، وفي مكان طوافه، وثوبه الذي يطوف فيه؛ فلو أحدث الطائف، أو تنجّس ببدنه، أو ثوبه، أو مكان طوافه، تطهّر، ثمّ بنى على طوافه، ولكن إذا غلبت النجاسة في المكان، وشقّ على الناس أن يتجنّبوا ذلك عُفِي منها، بشرط ألّا يتعمّد الطائف المَشي عليها، وألّا تكون فيها رطوبة،[٩] أمّا شرط الطهارة بعمومها عند الحنفيّة فليست بفَرض، وإنّما جعلوه واجباً، سواء أكان من الجنابة، أو الحدث، أو النفاس، أو الحيض؛ لأنّ الله -تعالى- أمر بالطواف دون تقييدٍ بشرط الطهارة، وذلك بقوله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[١٠][٦]
  • الابتداء بالحجر الأسود: فيجب على الطائف أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، فإن بدأ بالطواف قبله، فإنّ ما بدأ به لا يصحّ، حتى ولو كان ساهياً، وينتهي الطواف عنده كذلك.[٧]
  • جعل البيت عن يساره: فيجب أن يجعل البيت جهة جنبه الأيسر، فإن جعل البيت عن يمينه، أو أيّ جهةٍ أخرى، لم يصحّ الطواف؛ لأنّه نافى ما جاء به الشرع.[٧]
  • الطواف سبعة أشواط: فيجب على الطائف أن يُتمّ سبعة أشواط بلا نقصان، فلو ترك شيئاً بسيطاً ولو مقدار خطوة واحدة لم يجزئ، فإن شكّ في عدد الطوفات التي طافها أثناء طوافه، بنى على العدد الأقلّ الذي ورد في ذهنه كما في الصلاة.[٧]
  • أن يكون داخل المسجد وخارج البيت: فيجب أن يكون الطائف داخل حدود المسجد، فلا يصحّ طوافه خارج المسجد بالإجماع، وفي الوقت نفسه أن يكون خارج الكعبة؛ لقوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[١١] فيكون الإنسان طائفاً حول البيت أو به، وليس هناك جزء من جسده فيه؛ لأنّه سيكون في هذه الحالة طائف فيه لا به.[٧]

وقد اشترط فقهاء المالكيّة شروطاً زائدة، وهي:

  • الموالاة: بأن لا يفصل بين أشواط الطواف فصلاً كبيراً، سواء أكان لحاجة، أم لغير حاجة، فإن فصل فصلاً كبيراً، أعاد الطائف الطواف من أوّله، إلّا أن يكون الفصل للصلاة المفروضة، فيكمل الطواف بناءً على ما طافه من الأشواط بعد انتهاء الصلاة، ويبتدئ بالحجر الأسود.[١٢]
  • المشي للقادر عليه: بأن يمشي الطائف إذا كان قادراً عليه، فإن ركب الطائف على شيءٍ، أو حُمِلَ عليه وهو قادرٌ على المشي، فعليه أن يُعيد الطواف قبل خروجه من مكة، وإلّا فعليه دم*، أمّا إن أعاده فلا شيء عليه، فإن كان الشخص عاجزاً عن المشي في الطواف، جاز له أن يطوف راكباً، أو محمولاً، ولا دم أو إعادة عليه.[١٣]

سُنن الطواف

إنّ في الطواف سُنناً كثيرة، يُذكَر منها:[١٤]

  • المشي حافياً: فيُسَنّ للطائف أن يمشي حافياً إلّا إن كان الحرُّ شديداً وما شابه، ويُكرَه للطائف أن يزحف، أو يمشي حبواً وما شابههما، ويُسَنّ تقصير الخطوة؛ لزيادة الأجر بكثرتها.
  • استلام الحَجَر: وذلك بأن يلمسه الطائف بيمينه، أو بكفّيه في كلِّ طوفة، وإذا عجز عن ذلك يُشير إليه إشارة، ولا يُسَنّ للمرأة أن تستلم الحجر إلّا في خُلوَةٍ تأمن فيها مجيء الرجال، ونظرهم إليها.
  • تقبيل الحَجَر: فيُسَنّ للطائف أن يُقبّل الحَجر، ويُكرَه أن يرتفع صوته أثناء تقبيله، ولا يُسَنُّ للمرأة التقبيل إلّا في خلْوَةٍ.
  • وضعُ الجبهة على الحَجَر: ويُسَنّ للطائف أن يضع جبهته على الحجر إلّا عند العجزعن ذلك؛ بسبب الزحام، أو غيره، فإن عجز أشار بيده.
  • استلام الرُّكن اليمانيّ: ويستلم الطائف الرُّكن اليمانيّ بيده؛ لفعل النبيّ -عليه السلام-؛ فقد رُوِي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَدَعُ أنْ يَستَلِمَ الرُّكنَ اليَمانِيَ والحجَرَ في كلِّ طَوْفةٍ، قال: وكان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ يَفعَلُه).[١٥]
  • الذِّكر: فيذكر الطائف ما أُثِرَ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وصحابته من الأذكار، والدعاء، وغالب الأذكار الواردة في هذا الباب لم تصحّ جميعها، إلّا أنّها تندرج تحت أصل فضائل الأعمال، ومنها الدعاء، فيُستحَبُّ للطائف أن يُكثر من الأذكار أثناء طوافه، فيقول عند استلام الحجر الأسود، وعند ابتداء الطواف: (بسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللهمَّ إيمانًا بكَ، وتصديقًا بكتابِك، ووفاءً بعهدِك، واتباعًا لسُنّةِ نبيِّك محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)،[١٦] ويُكرّر هذا الدعاء عند المرور من عند الحجر الأسود في كلّ طوفة، ويقول في الأشواط الثلاثة عند رَمَلِه: (اللهمَّ اجعلْهُ حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا)،[١٧] ويقول في الأشواط الأربعة الباقية: (اللهمَّ اغفرْ وارحمْ، واعفْ عما تعلمُ، وأنت الأعزُ الأكرمُ ، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابّ النَّار).[١٨][١٩][١٤]
للمزيد من التفاصيل عن أدعية وأذكار الطواف الاطّلاع على مقالة: ((أدعية الطواف والسعي في العمرة)).
  • الرَّمَلُ في الثلاثة الأُوَل: فيُسَنُّ للرجل في أوّل ثلاثة أشواطٍ من الطواف أن يُقارب الخُطا ويُسرع في المشي بما يُعرَفُ بالرَّمَل.
  • الاضطباع في الطواف: وهو أن يكشف الطائف منكبه الأيمن، فيجعل طرفَي ردائه تحت منكبه الأيمن، والصبيُّ يفعله له وليُّه.
  • القُرب من البيت: ويُسَنُّ للطائف الرجل؛ تبرُّكاً بالبيت، وهو أسهل للاستلام، أمّا المرأة فتظلّ طائفةً في حاشية المطاف، فإذا أَمِنت مُخالطة الرجال اقتربت من البيت.
  • صلاة ركعتين: فمن أنهى الطواف، يُسَنُّ له صلاة ركعتين فأكثر، والأفضل صلاتهما خلف المقام*، وحدّدها بعضهم بمسافة ثلاث أذرع.

أنواع الطواف في الحج

طواف القدوم

وهو الطواف الذي يؤدّيه الحاجّ عندما يصل إلى المسجد الحرام،[٢٠] وفيما يأتي توضيح الأحكام المُتعلّقة به:

  • حُكمه: سُنّة لدى جمهور الفقهاء للحاجّ الذي يدخل مكّة قبل الوقوف بعرفة.[٢١]
  • الحِكمة منه: حيث إنّ الإنسان إذا دخل المسجد فإنّه يُصلّي فيه ركعتين تحيةً له، ولكن إذا دخل المسجد الحرام فإنّه يقصد البيت، وتحيّة البيت الحرام هي الطواف.[٢١]
  • الأحكام المُتعلّقة به: يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول الطائف إلى مكّة، وينتهي إذا وقف بعرفة، ويسقط هذا الطواف عن الحائض ومن في حُكمها، كالنفساء التي استمرّ دمها إلى يوم عرفة، ويسقط كذلك عن الذي يسكن في مكّة، ومن في حُكمه كمن أحرم من مكّة، ويسقط عن المُعتمر، والمُتمتّع عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ طواف القدوم هنا مُندرج في طواف العمرة، فيُجْزئُ عنهما، ويسقط إذا قصدَ الطائف عرفة للوقوف على مذهب جمهور الفقهاء.[٢٢]

للمزيد من التفاصيل عن طواف القدوم الاطّلاع على مقالة: ((ما هو طواف القدوم))

طواف الإفاضة

وهو طوافٌ يكون بعد إفاضة الحاجّ من مِنى إلى مكّة، ويطوفه الحاجّ قبل عودته إلى مِنى، ويكون يوم النحر،[٢٣] وفيما يأتي بيان بعض الأحكام المُتعلّقة به:

  • حُكمه: هو رُكنٌ في الحجّ لا يتمُّ إلّا به، ولا خِلاف بين الفقهاء في ذلك.[٢٤]
  • أدلّته: منها قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[١٠]، ومنه ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (حَجَجْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأفَضْنَا يَومَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فأرَادَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منها ما يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أهْلِهِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ، قالَ: حَابِسَتُنَا هي، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ أفَاضَتْ يَومَ النَّحْرِ، قالَ: اخْرُجُوا).[٢٥]
  • وقته: ذهب فقهاء الحنفية والمالكية إلى أنّ وقتَ طوافِ الإفاضة يكون من طلوع فجر يوم النحر، ولا يصحُّ قبله،[٢٦] في حين ذهب الشافعية إلى أنّ وقتَ طواف الإفاضة يدخل في نصف ليلة النحر، وكذلك رَمي العقبة، والحَلق، والذبح.[٢٧]

للمزيد من التفاصيل عن طواف الإفاضة الاطّلاع على مقالة: ((ما هو طواف الإفاضة)).

طواف الوداع

وهو الطواف الذي يسبق عودة الحاجّ إلى دياره،[٢٨] أمّا الأحكام المُتعلّقة به، فمنها:

  • حُكمه: إذ أوجبه جمهور الفقهاءعلى الطائف عند انتهائه من النُّسك.[٢٩]
  • وقته: يكون طواف الوداع بعد أن يفرغ الحاجُّ من مناسك الحجّ جميعها، وقبل إرادته السفر من مكّة؛ حتى يكون ذلك آخر عهده بالبيت.[٣٠]

للمزيد من التفاصيل عن طواف الوداع الاطّلاع على مقالة: ((ما هو طواف الوداع))

طواف العمرة

إن للعمرة عدة أركانٍ لا تصحّ إلا بأدائها؛ ومن هذه الأركان الطواف حول الكعبة، فمن أراد أن يؤدي العمرة يُحرم أولاً، ثم يبدأ بالتلبية إلى حين وصوله لبيت الله الحرام، فإذا وصل قطع التلبية وبدأ بالطواف حول البيت، ويشترط أن يكون على طهارة، وبعد تأدية ركن الطواف يصلّي المعتمر ركعتين خلف المقام، ثم يشرع بالسعي بين الصفا والمروة، ويتحلّل بعدها، وبذلك يكون قد أدّى مناسك العمرة وأركانها.[٣١]

للمزيد من التفاصيل عن العمرة وكيفيّتها وأحكامها وفضلها الاطّلاع على المقالات الآتية:

فضل الطواف

الطواف ببيت الله الحرام عبادةٌ عظيمةٌ، وهي من أعظم العبادات، فقد قال الله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[١٠] وقد جعل الله هذه العبادة في مكانٍ عظيم، وهو البيت الحرام؛ حيث هيّأه للخليل إبراهيم -عليه السلام-، ثمّ أمره بتهيئته، وتطهيره؛ فقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)،[٣٢] وقد خصّ الله -عزّ وجلّ- في هذه الآية عبادة الطواف، وقدّمها؛ حيث لا تُشرع إلّا بالبيت العتيق، فهي ليست كالاعتكاف الذي يصلح في كلّ مسجد، ولا كالصلاة التي تصحُّ في كلّ بقعةٍ طاهرة، كما أنّها عبادة يُشرع التطوُّع بها وحدها دون سائر مناسك الحجّ، والعمرة مع أنّها جزء منها، وحين قدم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مكّةَ حاجّاً، كان أوّل ما فعله أنّه توضّأ، ثمّ طاف بالبيت.[٣٣]

وقد أمر -عليه الصلاة والسلام- بأن تُيَسَّر أمور الطواف في سائر الأوقات، ونهى أن يُمنَع أحدٌ من المسلمين من الطواف، وقد ذكر العديد من أهل العلم أنّ الطواف أفضل من صلاة التطوُّع، ومن الاعتمار من أدنى الحل؛ أي الإحرام لعمرةٍ أخرى، ويقول ابن قدامة -رحمه الله-: “يُستحَبّ لمن أتى مكّة أن يطوف بالبيت؛ لأنّ الطواف صلاة، والطواف أفضل من الصلاة، والصلاة بعد ذلك”؛ أي صلاة التطوُّع، ويقول ابن تيمية -رحمه الله-: “فأمّا كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكّة؛ فهذا لا يستريب فيه من كان عالماً بسُنّة رسول الله، وسُنّة خلفائه، وآثار الصحابة، وسلف الأمة، وأئمّتها”، وبهذا يتبيّن عظيم فضل هذه العبادة، ومدى مشروعيّتها المُطلَقة في كلّ وقتٍ إلّا في حالات مخصوصة تكون عند إقامة الصلاة، وأدائها، وحضور الجنازات.[٣٣]

الحكمة من الطواف حول الكعبة

إن لكل تشريع شرعه الله سبحانه وتعالى في الدين الإسلامي حِكمة أرادها منه سبحانه، حتى وإن جهلها الإنسان، ومن التشريعات الإسلامية التي أثيرت حولها الشبهات التشكيكة تشريع الطواف حول الكعبة، فجعل بعض الناس يقولون: إن الطواف حول الكعبة كالطواف حول قبور الأولياء، وهو من الوثنية والتعبّد لغير الله تعالى، والحقيقة على خلاف ذلك، فالمسلمون إنما يطوفون حول الكعبة المشرفة بأمر من الله عز وجل، وكل ما يفعله الإنسان بأمر من الله تعالى يعدّ عبادة خالصة له عز وجل وليس فيه من الشرك أو الوثنية شيء، ومثال ذلك أن السجود في الإسلام لا يكون إلا لله عز وجل، وإن فعله الإنسان لغير الله كان شركاً عظيماً، إلا أن سجود الملائكة لآدم -عليه السلام- عندما أمرهم الله عز وجل بذلك كان طاعة وعبودية خالصة، بل إنّ تركه كان كفراً.[٣٤][٣٥]

والحِكمة من الطواف حول الكعبة تتجلّى في عظمة بيت الله الحرام، وطُهره وتشريفه، فهو أشرف مكان في الأرض، وأطهر بقعة خلقها الله عز وجل، وقد جعله الله سبحانه حرماً آمناً، ومكاناً للمتعبدين المتبتلين الراكعين الساجدين، فمن يطوف في هذا المكان إنما يطوف في مكان عظّمه الله عزّ وجل منسوب إليه، فيكون بذلك كالعبد الملتجئ لباب مولاه، يطلب منه العفو والغفران والإحسان والرضى، ويعلم أن ما من أحد يجيب حاجته إلا إياه، كما أن في الطواف حول الكعبة المشرفة ذكر لله تعالى، وتعظيم وتكبير له وقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الحِكمة من الطواف بقوله: (إنَّما جُعل الطوافُ بالبيتِ، وبينَ الصفا والمروةِ ورميِ الجمارِ؛ لإقامةِ ذكرِ اللهِ)،[٣٦] فمن يطوف بالبيت يظلّ على حال من الذكر والتعظيم لله، فتقوم هذه المعاني في قلبه لتكون كل حركاته من مشي وتقبيل واستلام للركن اليماني والحجر الأسود عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى مع الدعاء والذكر.[٣٧][٣٨]


الهامش

*استلام الحجر: وهو ملامسة الحجر الأسود إمّا باليد أو بالتقبيل.[٣٩]
*دم الحج: هو أن يقوم الحاج بذبح شاة أو سبع بدنة أو يطعم على مقداره، وهو لجبر نقص حصل في المناسك.[٤٠][٤١]
* المقام في الحج: مقام إبراهيم في الكعبة المشرّفة.[٤٢]

المراجع

  1. “تعريفُ الطَّوافِ ومَشْرُوعِيِّتُه وفضائِلُه”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019.
  2. سورة سورة البقرة، آية: 125.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1616، حديث صحيح.
  4. عبدالرحمن الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 616، جزء 1. بتصرّف.
  5. “صِفَةُ الطَّوافِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
  6. ^ أ ب وهبة الزحيلي (1418 ه)، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2212-2213، جزء 3. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث ج سعيد الشافعي (2004م)، شرح المقدمة الحضرمية (الطبعة الطبعة الأولى)، بيروت: دار المنهاج، صفحة 623-626. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4655 ، حديث صحيح.
  9. ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الطبعة ىالرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2216، جزء 3.
  10. ^ أ ب ت سورة الحج، آية: 29.
  11. سورة الحج، آية: 29.
  12. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر ، صفحة 2214، جزء 3. بتصرّف.
  13. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2215، جزء 3. بتصرّف.
  14. ^ أ ب سعيد بن محمد باعشن الشافعي (2004م)، شرح المقدمة الحضرمية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار المنهاج، صفحة 626-630. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1876، إسناده صحيح.
  16. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن عبد الله بن السائب، الصفحة أو الرقم: 6/195، غريب.
  17. رواه عمر الأنصاري، في خلاصة البدر المنير، عن غير مذكور، الصفحة أو الرقم: 2/11 ، إسناده صحيح.
  18. رواه أحمد العسقلاني، في التلخيص الحبير، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3/879، فيه نظر.
  19. يحيى بن شرف النووي (1990)، الأذكار النووية (الطبعة الثانية)، بيروت: دار ابن كثير، صفحة 321-322. بتصرّف.
  20. “عريف و معنى طواف القدوم في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  21. ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2203، جزء 3. بتصرّف.
  22. “وقتُ طوافِ القُدومِ، ومتى يسقط؟”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019. بتصرّف.
  23. “طوافُ الإفاضةِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  24. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2205، جزء 3. بتصرّف.
  25. رواه محمد البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 1733، صحيح.
  26. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلاميُّ وأدلته (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2215، جزء 3. بتصرّف.
  27. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 218، جزء 3. بتصرّف.
  28. “عريف و معنى طواف الوداع في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  29. “حُكْمُ طوافِ الوَداعِ للحاجِّ والمُعتَمرِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019. بتصرّف.
  30. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2208، جزء 3. بتصرّف.
  31. “العمرة…أركانها..واجباتها..ومستحباتها”، www.islamweb.net، 14-9-2002، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2020. بتصرّف.
  32. سورة الحج، آية: 26.
  33. ^ أ ب صالح الحسن (1416ه)، أحكام طواف الوداع، السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 23-26. بتصرّف.
  34. “الحكمة من الصلاة جهة الكعبة والطواف وتقبيل الحجر الأسود”، www.fatwa.islamweb.net، 2008-1-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  35. “ما الحكمة من الطواف؟ وهل الحكمة من تقبيل الحجر التبرك به؟ “، www.ar.islamway.net، 2007-10-26، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  36. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2574، صحيح.
  37. “حكمة مشروعية الطواف”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  38. “الحكمة من وظائف الحج والعمرة وترتيبها”، www.islamqa.info، 2017-8-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  39. “تعريف و معنى يستلم في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  40. خالد عبد المنعم الرفاعي (2015-09-17)، “اصطلاحات الحج”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  41. “أقسام الدماء في الحج”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  42. الشيخ أحمد الزومان (5-7-2012)، “هل حول المقام من مكانه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2019. بتصرّف.