كيفية حج المفرد
الحجّ ومكانته عند المسلمين
رفع الله -تعالى- من منزلة الحجّ، وجعله من أركان الإسلام الخمسة، والحجّ من أعظم القُربات التي يتقرّب بها العبد إلى الله -تعالى-، وهو من أهمّ الأسباب المُكفِّرة للذنوب، ويُعرَّف الحجّ في اللغة بأنّه: القَصْد، أمّا في الشرع، فهو: قَصْد بيت الله الحرام في أشهر الحجّ؛ لأداء أعمال مُختَصّة فيه، وقد فُرِض الحجّ في أواخر السنة التاسعة من الهجرة في قول مُعظم العلماء، وقد بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- منزلة الحجّ وأهمّيته في الإسلام؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قالَ: إيمانٌ باللَّهِ، قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ).[١][٢]
وقد أجمع العلماء على أنّ الحجّ واجب على المسلم مرّة في العُمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٣][٢] وللحجّ ثلاثة أنواع، منها الإفراد بالحجّ وحده، وهو الأفضل عند أهل الحديث، واتّفق العلماء على أنّ حجّ المُفرد يكون بطوافٍ واحدٍ، وسَعيٍ واحد بين الصفا والمروة،[٤] والحجّ المُفرد هو: أن يُحرم الحاجّ بنيّة الحجّ فقط مُجرَّدة من العمرة؛ سواء كانت العمرة سابقة للحجّ، أو مُقارنة له.[٥]
كيفيّة الحجّ المُفرد
للحجّ المُفرد كيفيّة في الأداء تختلف عن باقي أنواع الحجّ، وفيما يأتي بيان كيفيّة أداء الحجّ مُفرداً بالترتيب:[٦]
- الإحرام وطواف القدوم: يبدأ المسلم حجّه بالإحرام، وينوي عند إحرامه الحجّ فقط إذا كان نُسكه الإفراد، ثمّ يتوجّه إلى مكّة المُكرَّمة مُلَبِّياً؛ فإذا وصلها توجّه إلى المسجد الحرام، وأوّل ما يبتدئه في المسجد الحرام هو طواف القدوم حول البيت العتيق، ويبدأ الطواف من عند الحجر الأسود؛ فيستلم الحجر، ويُقبّله في كلّ شوط إن أمكنه ذلك ما لم يكن في ذلك أذيّة للمسلمين، فإن لم يستطع أن يُقبّل الحجرَ، فإنّه يلمسه بِيَده، أو بشيء يُمسكه بِيَده، ثمّ يُقبّله، فإن عجز عن ذلك، أشارَ إلى الحجر الأسود بِيَده، ويطوف حول البيت سبعة أشواط، ويضطبع* فيها، ويرمل* في الأشواط الثلاثة الأولى، ويشتغل بذِكر الله -تعالى-، والدعاء، وعند تمام طوافه يُصلّي ركعتَين عند مَقام نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- إن استطاع.
- السعي: ينتهي الحاجّ من طواف القدوم، فيتوجّه إلى المَسعى؛ ليسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويكون ذهابه شوطاً، وإيابه شوطاً، ويكون هذا السَّعي هو سَعي الحجّ، ويبقى بعد السَّعي في مكّة المُكرَّمة على إحرامه إلى اليوم الثامن من ذي الحجّة؛ وهو يوم التروية، ويستطيع الحاجّ أن يُؤخّر السَّعي إلى حين أداء طواف الإفاضة.
- يوم التروية: يبدأ الحاجّ أعمالَ الحجّ في هذا اليوم؛ فيتوجّه قبل زوال* الشمس إلى مِنى حتى يبيتَ فيها ليلة التاسع من ذي الحجّة؛ اتِّباعاً لسُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ويُصلّي فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر اليوم التاسع من ذي الحجّة؛ وهو يوم عرفة.
- يوم عرفة: يُعَدّ يوم عرفة من أعظم أيّام الحجّ، وهو رُكن من أهمّ أركانه، ويُسَنّ للحاجّ أن يبدأ مسيره من مِنى إلى عرفة بعد طلوع الفجر، ويُسَنّ كذلك أن يدخل إلى عرفة بعد زوال الشمس، ويجوز للحاجّ الوقوف في أيّ مكان في عرفة إلّا في منطقة بطن عُرَنَة، ويجمع بين الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم، ثمّ يشتغل بالدعاء، والذِّكر، والتلبية، وقراءة القرآن إلى أن يتمّ غروب الشمس، ولا يُغادر عرفة قبل ذلك، فإذا غربت الشمس، انطلقَ إلى مزدلفة.
- مزدلفة: ينطلق الحاجّ من عرفة إلى مُزدلفة بعد غياب شمس اليوم التاسع من ذي الحجّة؛ فإذا وصلها جمعَ فيها بين المغرب، والعشاء جمع تأخير، ويبيت ليلته فيها وجوباً عند جمهور الفقهاء من الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وقال الحنفية بسُنّية البيات في مُزدلفة، ويُستحَبّ للحاجّ أن يجمع حصى الجِمار التي سيرمي بها من مُزدلفة، وعددها سبعون حصاة، أو يقتصر على سبع حَصَيات ليرميَ بها جمرة العقبة الكُبرى في اليوم العاشر من ذي الحجّة، ثمّ يُصلّي الفجر، ويقف للدعاء والتهليل، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الوقوف بعد الفجر في مُزدلفة سُنّة، ورأى الحنفيّة أنّ الوقوف واجب إلّا لِمَن مَنَعه عُذر، كشدّة الزِّحام، ثمّ يتوجّه الحاجّ إلى مِنى بعد ذلك.
- يوم النَّحر: ينطلق الحاجّ في هذا اليوم من مُزدلفة إلى مِنى بعد طلوع الشمس؛ فإذا وصل إلى مِنى رمى جمرة العقبة الكُبرى بسبع حَصَيات، ويُكبّر مع كلّ حصاة، ويقطع التلبية عند ابتدائه بالرَّمي، ويُسَنّ للمُفرد في الحجّ أن ينحر الهَدي، ثمّ يحلق شَعر رأسه أو يُقصّره، والحلق في حقّ الرجال أفضل، أمّا المرأة فإنّها تأخذ من شَعرها، ثمّ يتوجّه الحاجّ إلى بيت الله الحرام؛ ليطوف طواف الإفاضة، ويُسمّى طوافَ الزيارة أيضاً، ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، ثمّ يتحلّل التحلُّل الأصغر، ويُسمّى التحلُّلَ الأوّل، فيحلّ له كل شيء كان مُحرَّماً عليه حال إحرامه إلّا مُجامَعة النساء، فتبقى على حُرمتها، ويحصل التحلُّل الأصغر عند الحنفيّة بالحَلق، وعند المالكية والحنابلة بالرَّمي، وعند الشافعيّة بالرَّمي، والحَلق، والطواف، والسَّعي، وبعد ذلك يتحلّل الحاجّ التحلُّل الأكبر، ويُسمّى بالتحلُّل الثاني، وفيه يحلّ للحاجّ كلّ شيء حتى النساء، ويحصل التحلُّل الأكبر عند الحنفيّة بطواف الإفاضة، والحَلق، وعند المالكية والحنابلة بطواف الإفاضة مع السَّعي، وعند الشافعية بإتمام فِعل الأمور الأربعة السابقة.
- أيّام التشريق: تبدأ أيّام التشريق الثلاثة بعد يوم النَّحر؛ وهي أيّام الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجّة، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ المَبيت في مِنى واجب في اليوم الأوّل والثاني من أيّام التشريق، وقال الحنفيّة بسُنّية المَبيت، ويرمي الحاجّ في كلّ يوم ثلاث جمرات بالترتيب؛ فيبدأ بالجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ الكُبرى، ويرمي كلّ جمرة بسبع حَصَيات، ويقف للدعاء بين كلّ جمرتَين، ويجوز لِمَن أراد أن يتعجّل أن يخرج من مِنى بعد رَمي الجمرات في اليوم الثاني، ويسقط عنه الرَّمي في اليوم الثالث، وقد اشترط الجمهور خروج الحاجّ المُتعجّل من مِنى قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيّام التشريق، واشترط الحنفيّة خروجه قبل فجر اليوم الثالث من أيّام التشريق، أمّا من أراد أن يتأخّر إلى اليوم الثالث، فإنّه يرمي الجمرات قبل غروب الشمس، ويُسَنّ للحاجّ بعد خروجه من مِنى أن ينزل في منطقة المُحَصَّب عند مدخل مكّة؛ فيُصلّي، ويذكر الله -تعالى- فيها.
- طواف الوداع: يجب على الحاجّ إذا عزم على الرحيل من مكّة أن يطوف طواف الوداع؛ حتى يكون آخر عهده بمكّة هو البيت العتيق، وتجدر الإشارة إلى أنّ طواف الوداع ليس فيه رَمَل*، أو اضطباع*، وبعد الطواف يُصلّي الحاجّ ركعتَي الطواف، ويشرب من ماء زمزم، ويُسَنّ له استلام الحجر الأسود، والتمسُّك بأستار الكعبة إن تيسّر له ذلك، ويخرج من المسجد الحرام وهو يدعو بالمَغفرة، والرضوان، وأن يُعيده الله -تعالى- إلى بيته العتيق، ويكون الحاجّ بذلك قد أتمّ مناسك الحجّ مُفرداً.
شروط وجوب حجّ المُفرد
يُشترَط توفُّر مجموعة من الشروط حتى يجب الحجّ على الإنسان، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:[٧]
- الإسلام.
- العقل.
- البلوغ.
- الحُرّية.
- أمان الطريق، وإمكان المسير؛ وقد اختلف الفقهاء في هذين الشرطَين؛ فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أمان الطريق، وإمكان المسير من شروط وجوب الحجّ؛ فلا يجب الحجّ على من كان في طريقه عدوّ، أو خطر لا أمان مع وجوده في الطريق، أو لم يتمكّن من المَسير إلى الحجّ، كأن لم يجد وسيلة تُوصله؛ لأداء مناسك الحجّ، وذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه، وهو الراجح في مذهب الحنابلة إلى أنّ أمان الطريق، وإمكان المسير من شروط اللزوم؛ فإن تعذّرا لم يلزمه الحجّ في هذه السنة، ولِزمه في السنة التالية لها.
- الاستطاعة، وهي تنقسم إلى استطاعة بدنيّة؛ بأن يكون الشخص صحيح البَدن قادراً على أداء مناسك الحجّ، واستطاعة ماليّة؛ بأن يمتلك نفقة الحجّ من طعام، وشراب، وراحلة تحمله، وذلك بعد أداء ما عليه من نفقة أهله، وعياله، وتوفير مَسكن لهم، وأن يكون قد سدّد ديونه، وتُشترَط استطاعة المرأة على وجود المُحرم، فإن لم تجده كانت غير مُستطيعة.[٨]
المُفاضلة بين حجّ المُفرد والقارن والمُتمتِّع
اختلف الفقهاء في تحديد الأفضل من أنساك الحجّ الثلاثة، وفيما يأتي بيانٌ لآرائهم في ذلك:[٩]
- المالكية والشافعية: ذهب الفقهاء من المالكية، والشافعية إلى أنّ الإفراد بالحجّ هو أفضل الأنساك، وهو قول عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، والأوزاعي، وأبو ثور- رضي الله عنهم- أجمعين؛ واستدلّوا بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: ( خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَن أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَن أَهَلَّ بحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَن أَهَلَّ بالحَجِّ، وأَهَلَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَجِّ)،[١٠] وذهب المالكية إلى أنّ القِران يلي الإفراد في الأفضليّة، ثمّ التمتُّع، وذهب الشافعيّة إلى أنّ التمتُّع يَلي الإفراد في الأفضليّة، ثمّ القِران.
- الحنفيّة: ذهب الحنفيّة إلى أنّ القِران هو أفضل الأنساك، ثمّ التمتُّع، ثمّ الإفراد؛ واستدلّوا بحديث عمر -رضي الله عنه- قال: ( سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَادِي العَقِيقِ يقولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِن رَبِّي، فَقالَ: صَلِّ في هذا الوَادِي المُبَارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ).[١١]
- الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أنّ أفضل الأنساك هو التمتُّع، ويليه الإفراد، ثمّ القِران، وقد فَضَّل التمتُّع على باقي الأنساك كلٌّ من ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، والقاسم، وسالم، وعكرمة -رضي الله عنهم-؛ واستدلّوا بما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فمَن كانَ مِنكُم ليسَ معهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً).[١٢]
الهامش
* الاضطباع: هو أن يكشف الطائف كتفَه الأيمن أثناء الطواف، ويضع رداءه على الجهة اليُسرى من بَدَنه.[١٣] *الرَّمَل: هو الإسراع في المَشي مع هَزّ الكتفَين.[١٤]
* زوال الشمس: هو وقت مَيل الشمس عن منتصف السماء؛ أي بَعد وقت الظهيرة.[١٥]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 83، صحيح.
- ^ أ ب “الحج (تعريفه- منزلته- حكمه- شروطه) “، ar.islamway.net، 27-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ السُّغدي (1984)، النتف في الفتاوى (الطبعة الثانية)، عمان- بيروت: دار الفرقان- مؤسسة الرسالة، صفحة 211، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 83. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1990)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: ذات السلاسل، صفحة 45-48، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 2-3، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 1، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1990)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: ذات السلاسل، صفحة 44-45، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1562، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1534، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- ↑ “معنى الاضطباع والرمل والعج والثج”، www.islamweb.net، 2-2-2002، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى رمل في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى زوال الشمس في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.