ما هي مناسك الحج بالترتيب

الحجُّ

شرع الله -سبحانه وتعالى- العبادات، وكلَّف بها عباده المسلمين، ورتَّب على أدائها بحقِّها ثواباً حسناً وأجراً كريماً، ورتَّب على التَّقصير أو التَّفريط فيها جزاءً موافقاً لذلك، وتنوَّعت أشكال العبادات وتعدَّدت أنواعها، فمنها ما شرعه الله تعالى على سبيل الفرض؛ أي لازمةً على كلِّ مسلمٍ مكلَّف، ومنها ما شرعها الله تعالى على سبيل النافلة، فيثاب بالأجر العظيم من فعلها ولا يؤثم من تركها، وقد كان لأصنافٍ مخصوصةٍ من العبادات مكانةً ومنزلةً أجلُّ وأعظم؛ إذ جعلها الله تعالى من أركان الإسلام التي يبنى عليها الإسلام ويقوم، وهي واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ مكلفٍ، ولا يجوز لمسلمٍ إنكارها أو تركها بلا عذر، وهذه الأركان هي: شهادة التوحيد، الصَّلاة، وصيام رمضان، والزَّكاة، وحجُّ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، كما جاء في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[١] وتالياً حديثٌ عن واحدٍ من هذه الأركان الخمسة وهو الحجُّ، وبيانٌ لتعريفه وحكمه، وتوضيحٌ لمناسكه وأركانه.

تعريف الحجِّ وحكمه

تعريف الحجِّ

  • الحجُّ لغةً: الحجُّ في اللغة من الجذر اللغوي حجج، والحجُّ القصد، وحجَّ فلانٌ إلى آخر أي قَدِمَ إليه، وحججْتُ فلان أي قصدته واعتمدته، ولذا كان التَّعارف على استعمال لفظة الحج؛ للدلالة على القصد إلى مكة لأداء النُّسك؛ لأنَّ الحج فيه قصدٌ وتوجُّه إلى بيت الله الحرام.[٢]
  • الحجُّ اصطلاحاً: الحجُّ في الاصطلاح الشَّرعي هو عبادةٌ قائمةٌ على قصد بيت الله الحرام في أشهرٍ مخصوصةٍ؛ للقيام بأعمالٍ مخصوصةٍ وفق شروطٍ معيَّةٍ ومحدَّدةٍ شرعاً، وهذه الأعمال وفقاً لجمهور الفقهاء تتمثّل بالوقوف بعرفة، والطَّواف بالبيت الحرام، والسَّعي بين الصفا والمروة.[٣]

حكم الحجِّ

الحجُّ كما سبق ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ مستطيعٍ قادرٍ على أدائه مرَّةً واحدةً في العمر، وقد دلَّت مواطن كثيرةٌ من القرآن الكريم والسُّنة النَّبويَّة على كونه فرضاً، فمن القرآن الكريم قول الله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[٤] ومن السُّنَّة النَّبويَّة ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (أيها الناسُ: قد فرض اللهُ عليكم الحجَّ فحجُّوا فقال رجلٌ: أكل عامٍ يا رسولَ اللهِ؟! فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لو قلتُ نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتُكم، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بشيٍء فأتوا منهُ ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيٍء فدعوهُ، إنَّ اللهَ أذِنَ لرسولِه ولم يأذن لكم، وإنَّما أَذِنَ لي فيها لم يفسق)،[٥] والإجماع منعقدٌ على كون الحجِّ فرضاً على المسلم المكلف مرَّة واحدةً في عمره، وأنَّ من أنكر الحجَّ أو جحد فرضه يكفر؛ لكونه منكرًا لمعلومٍ من الدِّين بالضرورة.[٣]

مناسك الحجِّ

إذا خرج الحجَّاج للحجِّ، فاقتربوا من الميقات الذي هو مكان وحدُّ الإحرام، استُحِبَّ لهم الاغتسال والتَّطيب، ومن ثمَّ يلبسون ملابس الإحرام، فإذا بلغوا الميقات أحرموا منه ناوين الحجَّ، وللحاجِّ أن ينوي الحجَّ فقط فيكون في هذه الحالة مفرداً، أو ينوي العمرة فيكون بهذه الحالة متمتِّعاً، أو ينوي كليهما معاً -أي الحجّ والعمرة- فيكون حينها قارناً، ولو لم يحدِّد الحاجُّ في نيَّته نوعاً معيَّناً لحجِّه من إفرادٍ أو تمتُّعٍ أو قران، فلا حرج في ذلك وإحرامه صحيحٌ، فإذا دخل الحُجَّاج مكَّة ووصلوا الكعبة المشرَّفة، شرعوا في الطَّواف، فيطوفون بالكعبة سبعة أشواطٍ، ويسنُّ بعده صلاة ركعتين وشرب ماء زمزم، ومن ثمَّ يسعون بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وهو سعيٌ واجبٌ على قول جمهور العلماء، ويجب ذبح دمٍ على من لم يقم به.[٦]

وبعد السعي، إن كان الحاجُّ متمتِّعاً، تحلَّل من إحرامه وأُبيح له ما كان محظوراً عليه من الطيب والنساء، وبهذا يكون قد أتمَّ عمرته ويعود ليجدِّد إحرامه في اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة من مكانه، أمَّا من حجَّ قارناً أو مفرداً فإنه لا يتحلَّل من إحرامه، ويخرج الحجَّاج جميعاً في اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة إلى مِنى ويبيتون فيها، ومع طلوع شمع اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة يذهبون إلى جبل عرفات، ويُصلُّون فيه الظهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ مع الإمام أو فُرادى لمن لم يتمكَّن من الصَّلاة مع الإمام، وبعد الزَّوال يقفون بعرفة وينشغلون بالذكر والدعاء والابتهال، فإذا حلَّ الليل يفيض الحجَّاج إلى المزدلفة ويُصلُّون فيها المغرب والعشاء جمع تأخير ويبيتون ليلتهم فيها، وعند طلوع الفجر يقف الحجَّاج عند المشعر الحرام ويجمعون الجمرات، ثمَّ يعودون إلى مِنى ويرمون جمرة العقبة بعد طلوع الشَّمس وهي سبع حصيات، ويذبحون الهَدي، ثمَّ يتحلّلون من الإحرام تحلُّلاً أصغر بالحلق أو التَّقصير، وتبقى مباشرة النِّساء من المحظورات التي لا يتحلَّلون منها في هذا الوقت.[٦]

ثمَّ يعود الحُجَّاج إلى مكة، فيطوفون طواف الإفاضة وهو ركنٌ من أركان الحجِّ، ويسعى من حجَّ متمتعاً بين الصفا والمروة، أمَّا من حجَّ قارناً أو مفرداً فإن كان قد سعى عند أول قدومه لمكة فلا يلزمه السَّعي مرَّةً أخرى، وبعد طواف الإفاضة يحلُّ للحجَّاج كلُّ ما كان محظوراً عليهم في إحرامهم بما في ذلك مباشرة النِّساء، وبعدها يعود الحجَّاج إلى مِنى ويبيتون فيها وجوباً، وبعد زوال شمس اليوم الحادي عشر من شهر ذي الحجَّة يرمي الحجَّاج الجمرات الثلاث: الجمرة التي تلي مِنى، ثمَّ الجمرة الوسطى، ثمَّ جمرة العقبة، وعليه في الجمرة الواحدة رمي سبع حصيات، ويكون الرمي إلى ما قبل الغروب، ويكرِّر الحجَّاج مثل ذلك في اليوم الثَّاني عشر من ذي الحجة.[٦]

وبعد تلك الأعمال كلِّها، يُخيّر الحجاج بين النزول إلى مكة قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر من ذي الحجَّة، وبين المبيت بمِنى وتكرار رمي الجمرات في اليوم الثالث عشر من ذي الحجَّة، ويَجبُر تركه لرمي الجمرات بذبح دم، فإذا عاد الحجَّاج لمكة وأرادوا العودة لبلادهم فعليهم طواف الوداع، وهو طوافٌ واجبٌ، فإن تجاوز الحجَّاج الميقات دون طواف الوداع يلزمهم ذبح دمٍ.[٦]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8.
  2. ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 226، جزء 2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 23-26، جزء 17. بتصرّف.
  4. سورة آل عمران، آية: 97.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337.
  6. ^ أ ب ت ث سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 753-757، جزء 1. بتصرّف.