شروط زكاة الفطر

زكاة الفطر

تعريف زكاة الفطر

يرجع أصل الزكاة في معاجم اللغة العربيّة إلى معنيَين اثنَين، هما: البركة والزيادة، والطهارة،[١] بينما تُعرَّف في الاصطلاح الشرعيّ بأنّها: صدقةٌ تجب على كلّ مسلمٍ عند الفطر من رمضان؛ تطهيراً له ممّا قد يقع به من أمورٍ تثخالف ما يجب أن يكون عليه المسلم الصائم.[٢]

مشروعيّة زكاة الفطر

فرض الله -تعالى- زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، في العام نفسه الذي فُرِض فيه صوم رمضان، وقد ثبتت مشروعيّتها في عدّة أدلّةٍ، بيانها فيما يأتي:[٣][٢]

  • القرآن الكريم: دلّ العموم الوارد في عدّة آياتٍ من القرآن الكريم على وجوب زكاة الفطر، ومنها قول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)،[٤] وورد عن الإمام مالك -رحمه الله- أن زكاة الفطر داخلة في عموم الآية الكريمة: (وَآتُوا الزَّكَاةَ).[٥][٦]
  • السنة النبويّة: ثبتت زكاة الفطر في عدّة أحاديث مَرويّةٍ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ومنها:
    • ما رواه عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: (فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ).[٧]
    • ما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: (كنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِينَا، عن كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ، مِن ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صَاعًا مِن تَمْرٍ، صَاعًا مِن أَقِطٍ، صَاعًا مِن شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذلكَ، حتَّى كانَ مُعَاوِيَةُ: فَرَأَى أنَّ مُدَّيْنِ مِن بُرٍّ تَعْدِلُ صَاعًا مِن تَمْرٍ).[٨]
  • الإجماع: إذ أجمع العلماء على فرضيّة زكاة الفطر، وفي ذلك قال ابن المنذر: “وأجمعوا على أنّ صدقة الفطر فرضٌ، وأجمعوا على أنّ صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أنّ على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر”.

للمزيد من التفاصيل عن حكم زكاة الفطر الاطّلاع على مقالة: ((ما حكم زكاة الفطر)).

شروط زكاة الفطر

تُشترَط لوجوب أداء زكاة الفطر عدّة شروطٍ، بيانها فيما يأتي:

الإسلام

فزكاة الفطر قُربةٌ وطاعةٌ يتقرّب بها المسلم إلى الله -عزّ وجلّ-، وهي تطهيرٌ للصائم.[٩]

المقدرة على إخراج زكاة الفطر

لا بُدّ أن يكون المسلم قادراً على إخراج زكاة الفطر، ولا تجب إن كان غير قادرٍ، وقد اختلف الفقهاء في حدّ القدرة واليسار، واشتراط ملك النِّصاب كما في زكاة الأموال، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:[١٠]

  • القول الأول: ذهب المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى عدم اشتراط الغِنى واليسار لأداء زكاة الفطر، وعدم اشتراط ملك النِّصاب* أيضاً، وإنّما تجب زكاة الفطر على من فَضُل عن قُوته*، وقُوت من تلزمه نفقته وحوائجه الضروريّة في يوم العيد وليلته، فمن مَلك فاضلاً عمّا يحتاجه لنفسه، ولمن تلزمه مؤونته من مسكنٍ، وثيابٍ، وغيرها من الحاجات الأصليّة، فقد وَجَبت عليه زكاة الفِطر،[١١] وقال المالكيّة إنّه إن كان قادراً على زكاة الفطر بالدَّيْن، مع رجاء الوفاء، وَجَبت عليه؛ لأنّه قادرٌ حُكماً،[١٢] واستدلّوا على ذلك بأنّ الغنيّ هو مَن لديه قُوت يومه، فإن زاد وَجَبت عليه زكاة الفطر، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سأل شيئًا وعنده ما يُغنيه، فإنما يستكثرُ من جمرِ جهنَّمَ، قالوا: و ما يُغنيه؟ قال: قدرُ ما يُغدِّيه و يُعشِّيه).[١٣]
  • القول الثاني: ذهب الحنفيّة إلى اشتراط ملك النِّصاب الذي تجب فيه الزكاة في أيّ مالٍ من الأموال؛ سواءً كان من الذهب، أو الفضة، أو الأنعام، أو عروض التجارة؛ فمن كان مالكاً للنِّصاب فاضلاً عن الحوائج الأصليّة، وَجَبت عليه زكاة الفِطْر،[١٢] واستدلّوا على ذلك بما قاله النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (خيرُ الصَّدقةِ ما كانَ عَن ظَهْرِ غنًى)،[١٤] فإنّ الغنيّ من يملك النِّصاب، ومن ملك النِّصاب وَجَبت عليه زكاة الفطر؛ قياساً على زكاة الأموال؛ فالنِّصاب شرطٌ في زكاة الفِطر كما في زكاة الأموال.

دخول الوقت

يُشترَط إخراج زكاة الفطر بدخول وقت وجوبها؛ ويكون بغروب الشمس من ليلة العيد، فهو الوقت الذي يكون فيه الفِطر من رمضان، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانَ علَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ المُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ).[١٥][١٦]

للمزيد من التفاصيل عن وقت إخراج زكاة الفطر الاطّلاع على مقالة: ((متى وقت إخراج زكاة الفطر)).

نيّة زكاة الفطر

اشتراط النيّة

تُعَدّ زكاة الفطر عبادة لا تصحّ إلّا بالنيّة، وهي شرطٌ من شروط أدائها؛ وذلك لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)،[١٧] ولأنّها عبادةٌ؛ إمّا أن تكون فرضاً، أو نفلاً، فهي مُفتقِرةٌ إلى النيّة، كالصلاة.[١٨]

اشتراط الإذن

اختلف الفقهاء في اشتراط الإذن من الغير في حال إخراجها عنهم، وبيان اختلافهم فيما يأتي:

  • القول الأوّل: قال الحنفيّة والمالكيّة بعدم اشتراط الإذن إن عُرِف بين الناس أداء زكاة الفِطر من قِبل مُؤسَّسةٍ ما، وإلّا فلا بُدّ من النيّة، والعلم، والإذن.[١٩]
  • القول الثاني: قال الشافعيّة باشتراط الإذن؛[٢٠] لاحتياج النيّة في الزكاة؛ فهي شرطٌ لصحّة أدائها.[٢١]
  • القول الثالث: فصّل الحنابلة في اشتراط الإذن من الغير وعدمه بحسب حال الغير، وتفصيل ذلك كالآتي:[٢٢]
    • لا يُشترَط الإذن إن كان الغير ممّن تلزمه فطرته.
    • يُشترَط الإذن إن كان الغير ممّن لا تلزمه فطرته؛ وإلّا لم يَجز.

أحكامٌ مُتعلِّقةٌ بشروط زكاة الفطر

عدم اشتراط البلوغ والعقل

اختلف الفقهاء في وجوب زكاة الفطر على الصبيّ، والمجنون، وبيان اختلافهم فيما يأتي:[٢٣]

  • القول الأوّل: ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، إلى عدم اشتراط البلوغ والعقل في زكاة الفطر، وهي تُعَدّ واجبةً على الصبيّ، والمجنون؛ فليْس من شروط الوجوب العقل، والبلوغ، واستدلّوا على ذلك من قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِينَا، عن كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ)،[٢٤] فإن كانا يملكان المال، فإنّ وليّهما يُخرج عنهما زكاتهما من مالهما، وإن لم يملكاه، فيُخرِج عنهما مَن تلزمه نفقتهما.
  • القول الثاني: ذهب الإمامان محمّد الشيباني، وزُفر من أئمّة المذهب الحنفيّ إلى اشتراط البلوغ والعقل، وأنّ زكاة الفِطر غير واجبةٍ على الصبيّ والمجنون، ويكون وجوبها على الأب، أو الوصيّ.

حُكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء

يجوز إعطاء زكاة الفطر للأقارب الفقراء بشرط أن يكون مَن أُعطيها ممن لا تجب النفقة عليه، ودفعها لهم أفضل لاجتماع فضيلتي الصدقة وصلة الرحم، إلا إذا كان الفقراء الأباعد أشدّ حاجةً وفقراً فيفضّل تقديمهم.[٢٥]

حُكم إخراج زكاة الفطر عن الجنين

اتّفق جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة على عدم وجوب زكاة الفطر على الجنين في بطن أمّه ما لم تلده،[٢٦] وقال الحنابلة باستحبابها؛ لكونها صدقةٌ لمن لا تجب عليه، كصدقات التطوُّع.[٢٧]

حكم مَن مات قبل إخراج زكاة الفطر

يجب إخراج زكاة الفطر على مَن مات بعد غروب الشمس في آخر يومٍ من رمضان، فإن مات قبل الغروب لم تجب،[٢٨] وذهب الحنابلة إلى أنّ زكاة الفطر تُخرَج من تَرِكَة الميّت إن مات بعد الغروب.[٢٩]

للمزيد من التفاصيل عن الاطّلاع على المقالات الآتية:


الهامش

*النِّصاب: المقدار المُحدّد شرعاً، والذي تجب بتحقُّقه الزكاة.[٣٠]
*القُوت: ما يتحقّق به عيش الإنسان، ويأكل به.[٣١]

المراجع

  1. “تعريف الزكاة والدين لغةً واصطلاحاً”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-1-2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الله بن راضي المعيدي الشمري، “المختصر في أحكام زكاة الفطر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2020. بتصرّف.
  3. “أحكام زكاة الفطر”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2020. بتصرّف.
  4. سورة الأعلى، آية: 14-15.
  5. سورة البقرو، آية: 43.
  6. الشيخ عبد الله القصيِّر (27-6-2019)، “زكاة الفطر: حكمها ومقدارها ووقت إخراجها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2020. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1503، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 985، صحيح.
  9. مجموعة من المؤلفين (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 336، جزء 23. بتصرّف.
  10. محمّد عبد الفتاح البنهاوي، زكاة الفطر وآثارها الاجتماعية، صفحة 22-23. بتصرّف.
  11. سعيد بن محمد باعَلي باعشن (1425هـ)، شَرح المُقَدّمَة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 512. بتصرّف.
  12. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 337-338، جزء 23. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سهل بن الحنظلية الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 6280، صحيح.
  14. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 14/162، إسناده صحيح.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 984، صحيح.
  16. سعيد القحطاني، زكاة الفطر آداب وأحكام وشروط ودرجات ومسائل في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مؤسسة الجريسي، صفحة 9. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  18. عبد الله الغفيلي (1429هـ)، نوازل الزكاة دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الميمان، صفحة 535-536. بتصرّف.
  19. عبد الله الغفيلي (1429هـ)، نوازل الزكاة دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الميمان، صفحة 537. بتصرّف.
  20. سعيد بن محمد باعَلي بَاعشن (1425هـ)، شَرح المقَدمَة الحضرمية المسمّى بشرى الكريم بشرح مَسَائل التعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 514. بتصرّف.
  21. سعيد بن محمد باعَلي باعشن (1425هـ)، شَرح المقَدمَة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التَعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 517، جزء 1. بتصرّف.
  22. البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، الرياض: دار المؤيد، صفحة 214. بتصرّف.
  23. محمّد عبد الفتاح البنهاوي، زكاة الفطر وآثارها الاجتماعية، صفحة 14. بتصرّف.
  24. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 985، صحيح.
  25. “دفع زكاة الفطر والمال إلى الأقارب الفقراء”، www.islamweb.net، 24-6-2008، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2020. بتصرّف.
  26. عبد الحكيم حمادة، الجامع لأحكام الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 231. بتصرّف.
  27. ابن قدامة المقدسي (1388هـ)، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 99، جزء 3. بتصرّف.
  28. “هل تجب زكاة الفطر على من مات في آخر يوم من رمضان”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 1/2/2020. بتصرّف.
  29. ابن قدامة المقدسي (1388هـ )، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 100، جزء 3. بتصرّف.
  30. “تعريف ومعنى النصاب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  31. “تعريف ومعنى القوت في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.