لماذا حرم اكل الخنزير
الطيبات
عندما أذن الله -تعالى- لعباده باستحلال الأشياء التي تكون في أساسها قائمةً على الإباحة إعمالاً للقاعدة الفقهية التي تنصّ على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة، جُعل ذلك الإذن مرتبطاً بالمصلحة العامة، وعدم الإضرار بالنفس أو الغير، فيكون جميع ما يدخل تحت هذه القاعدة مُباحاً؛ إلّا إذا ثبت أنّ به إضرارٌ بالنفس البشرية، أو إلحاق الضرر بالغير من الناس، أو له تأثيرٌ مباشرٌ على الجماعة أو الأمة الإسلامية، فاستحلال الطيبات مقرونٌ بكونها طيبات لا تؤذي بأصلها، ولا بما يتبعها من نتائج، وكلّ ما يثبت ضرره لا يمكن أنّ يكون مباحاً، وقد صرّحت الشريعة الإسلامية بالنهي عن بعض الأمور؛ لمّا لها من مضارٍ ظاهرةٍ على الفرد والجماعة، وتركت الأمر في أمورٍ أخرى مفتوحاً ليُطبق علماء الشريعة القاعدة العامة عليها كما سبق بيانه،[١] وممّا ورد التصريح بتحريمه بنصّ كتاب الله، أو سنّة رسوله تحريم أكل لحم الخنزير، أو الانتفاع بشيءٍ منه، وقد ذكر العلماء عدّة أسبابٍ وعللٍ للتحريم، مع أنّ الأحكام الشرعية ليست قابلةً للتعليل، فالأصل أن يأخذها المسلم بالتسليم التام.
حكم أكل لحم الخِنزير
إنّ لحم الخِنزير محرمٌ على كلّ مسلمٍ، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك، كما صرّحت النصوص الشرعية العديدة من القرآن والسنّة بالتحريم، وممّا ورد حول حكم أكل لحم الخِنزير وأنّه محرمٌ ما يأتي:[٢]
- نصوص القرآن الكريم: وردت العديد من النصوص القرآنية التي تُشير إلى تحريم أكل لحم الخنزير صراحةً، ومن تلك النصوص قول الله -تعالى- في كتابه العزيز: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ)،[٣] ومنها كذلك قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)،[٤] كما يوجد العديد من النصوص القرآنية التي تُشير إلى ذات المعنى صراحةً أو دلالةً، وهو ما يصعب سرده في هذا الباب، غير أنّ مجموع الآيات الكريمة دعت إلى البعد عن أكل لحم الخنزير، وبيعه، والانتفاع به، أو بشيءٍ منه غير اللحم، فجميع الخنزير محرّم بنصّ كتاب الله تعالى.
- نصوص السنّة النبوية المطهّرة: كما أنّ العديد من الآيات القرآنية أشارت إلى تحريم لحم الخِنزير فقد جاء بيانُ حكم أكل لحم الخنزير، وبيعه، والانتفاع به من خلال أحاديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الصحيحة، ومن تلك الأحاديث ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقول عام الفتح، وهو بمكة: (إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمرِ، والمَيتةِ، والخِنزيرِ، والأصنامِ، فقيل: يا رسولَ اللهِ، أرأَيتَ شُحومَ المَيتةِ، فإنها يُطلى بها السفُنُ، ويُدهَنُ بها الجُلودُ، ويَستَصبِحُ بها الناسُ؟ فقال: لا، هو حرامٌ، ثم قال رسولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عِندَ ذلك: قاتَل اللهُ اليهودَ إنَّ اللهَ لما حرَّم شُحومَها جمَلوه، ثمّ باعوه، فأكَلوا ثمنَه)،[٥] كما يوجد العديد من النصوص التي تدور حول ذات الحكم والمعنى، والحديث سالف الذكر أكثرها بياناً في حكم أكل لحم الخنزير، والانتفاع به، أو بشيءٍ منه، أو بيعه.
- دليل الإجماع: أجمع علماء الأمة الإسلامية من عهد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، والتابعين، وحتى هذا اليوم على أنّ أكل لحم الخنزير، واستعماله، والانتفاع به محرّم شرعاً، ولا خلاف في ذلك، وهذا الحكم لا يقتصر على تحريم أكل لحم الخنزير فحسب، وإنّما ينطبق على سائرِ أجزائه؛ كعظمه، ودهنه، وطحاله، ودمه، ويشمل كذلك بيعه، وشراؤه، واستغلاله بأيّ طريقةٍ كانت.
سبب تحريم لحم الخنزير
ينبغي على المسلم ألّا يبحث عن علّة تحريم أمرٍ نهى الله ورسوله عنه، كما لا ينبغي على المسلم أن يسأل عن سبب افتراض شيءٍ من العبادات، أو الطاعات عليه، فالأصل الانقياد والتسليم لحكم الله، وذلك إعمالاً لقول الله -تعالى- في سورة الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)،[٦] بل ينبغي عليه أن يلتزم بأمر الله مسلّماً بما أمره به أو نهاه عنه، وهكذا الحال في تحريم أكل لحم الخنزير، وبيعه، والانتفاع به، ومع ذلك فإنّ تعليل بعض الأحكام من باب فهمها وتحليلها لا يُعتبر منكراً؛ إذ إنّ ذلك يزيد ثقة المسلم بالالتزام بما طلبه الله منه، وعليه فقد ورد تعليل سبب تحريم أكل لحم الخنزير شرعاً وعقلاً من خلال العديد من الأمور، وفيما يأتي بيان بعضها:[٧][٨]
- تعليل حُرمة أكل لحم الخنزير من الشرع: ورد في كتاب الله سببٌ وحيدٌ، وتعليلٌ منفردٌ لتحريم أكل لحم الخنزير واستعماله والانتفاع به، وهو أنّه رجسٌ من عمل الشيطان، والرجس هو الشيء المستقذر الذي لا تقبله الطبيعة البشرية السليمة، وهو تعليلٌ كافٍ لاعتباره سبباً في تحريمه كلّه، إذ يُعتبر الخنزير من الخبائث التي نهى الشارع عنها؛ لقذارتها في أصلها أو وصفها، وذلك لثبوت إلحاقه الضرر بالناس؛ بما يتعلّق بصحتهم، أو أموالهم، أو أخلاقهم، وكلّ ذلك من الخبائث المنهي عنها شرعاً.
- تعليل تحريم أكل لحم الخنزير طبياً: أثبتت بعض الدراسات العلمية الطبية أنّ للحم الخنزير صفاتٌ تجعله مختلفاً عن سائر الحيوانات، فالخنزير خلافاً لباقي الحيوانات مرتعٌ ومستودعٌ للجراثيم والخبائث التي تُلحق الضرر والأذى بجسم الإنسان، وقد أشارت الدراسات إلى علاقة الخنزير ببعض الأمراض، بأن يكون سبباً في الأمراض الطفيلية، والبكتيرية، والفيروسية، وغيرها العديد من الأمراض.
المراجع
- ↑ أبو الكلام شفيق القاسمي المظاهري (12-4-2015)، “قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة”، WWW.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2018. بتصرّف.
- ↑ خالد بن سعود البليهد، “حكم أكل عظم الخنزير”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 173.
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2236، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 36.
- ↑ محمد صالح المنجد (10-9-2005)، “ما هو سبب تحريم لحم الخنزير”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد، “حكم نجاسة لحم الخنزير”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018. بتصرّف.