كيف تكتب الوصية الشرعية

الوصية الشرعية

قد يقصّر الإنسان أو يغفل في حياته عن البذل في أعمال الخير، ولذلك فقد شرع الله تعالى له برحمته أن يوصي، والوصية هي أمر الميت بالتصرف أو التبرع بالمال بعد موته، وبذلك يمكن الإنسان أن يتدارك شيئاً مما فوّته على نفسه من الحسنات في حياته، فله أن يوصي للفقراء ببعض ماله، أو لأقاربه وأرحامه غير الوارثين، أو قد يكون قصد الميت من الوصية مكافأة من أحسن إليه أيضاً، وهكذا يزداد رصيد أعماله الصالحة بعد موته، وتنفّذ الوصايا بعد موت أصحابها، إلا أن الأفضل لهم أن يخرجوها في حال حياتهم إن كانت لجهات البر والخير، لأن الإنسان لا يأمن أن يفرّط من خلفه بوصيته فلا تنفّذ، كما أن الصدقة في حال الحياة أفضل من الوصية، حيث قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)[١]، وللوصية أركان أربعة، فالأول منها الموصِي وهو صاحب الوصية الذي صدرت منه، والثاني الموصَى إليه، أي محلّ الوصية، والثالث هو الموصَى فيه، أي المال أو التصرف المأمور به في الوصية، والركن الرابع هو الصيغة، ويُراد بها الإيجاب الصادر من الموصِي والقبول الصادر من الموصَى إليه.[٢]

وقد اختلف العلماء في حكم الوصية على ثلاثة أقوال، فقال بعضهم هي واجبة على كل من ملك مالاً قليلاً أو كثيراً، وقال بعضهم هي واجبة للوالدين والأقربين من غير الورثة، أما الأئمة الأربعة فقالوا إن الوصية تأخذ الأحكام الشرعية الخمسة، فقد تكون واجبة في بعض الأحوال، كمن كان عليه حق شرعي لآدمي كالدين والوديعة ونحو ذلك، وقد تكون مندوبة في أحيان أخرى، وذلك كما في الطاعات وما كان للأقرباء والصالحين من الناس، كما يمكن أن تكون مكروهة، كمن كان ماله قليلاً وورثته بحاجة إليه، أو كالوصية للفاسق الذي يُتَوَقَّعُ أو يستعين به على فسقه، أو قد تكون محرّمة كذلك، كأن يكون فيها إضرار بالورثة، وقد تأخذ حكم الإباحة في بعض الأوقات، كمن يوصي بماله لغني، سواءً أكان قريباً أم بعيداً، والوصية من العقود التي قال العلماء بجواز التغيير والتعديل فيها من قبل الموصِي، وله كذلك أن يرجع فيها، سواءً كان ذلك بالقول أو الفعل.[٣]

كيفية كتابة الوصية الشرعية

يستحب للمسلم أن يعجّل في كتابته لوصيته، وأن يكتبها في حال صحته وقبل مرضه وخشيته الموت على نفسه، كما يستحب له أن يُشهد عليها، ويكتب كل ما يحتاجه ويلزمه فيها، ولا بأس أن يعدّل ويضيف عليها في كل فترة من الزمان إذا جدّت عليه أمور أخرى تحتاج إلى الوصية، ولا يلزمه كتابة مستجدات كل يوم وتفاصيل كل الأمور فيها، ولم يرد في الشرع صيغة ثابتة خاصة يجدر بالمسلم أن يلتزمها في كتابة وصيته، فلكل إنسان أن يكتب في وصيته بما يناسب حاله وحال أهله، ويجعل وصيته وفق ما له وما عليه من حقوق، كدين أو قرض أو أمانة للناس عنده، أو ما له من حقوق عند الآخرين، وتكون الوصية في هذه الأمور واجبة لحفظ حقه ولتبرئة ذمته، وله أن يكتب في وصيته بعض الوصايا التي يريد من أهله تنفيذها فيما يتعلق بأمور غسله ودفنه وجنازته بشكل عام، كأن يوصي بأن يغسله فلان أو يصلي عليه فلان ونحو ذلك.[٤][٥]

ويجوز للمسلم أن يكتب في وصيته أيضاً تبرعه بشيء من المال لقريب من أقربائه غير الوارثين، أو لغيرهم، أو لأعمال البر والخير والفقراء والمحتاجين، على ألّا يزيد مقدار ذلك عن ثلث ماله، وتكون وصيته في هذه الحالة مستحبة، كما يمكن له أن ينهى أهله في وصيته عن النياحة ويأمرهم بتجنب البدع والمحدثات عند وفاته، خاصة إذا علم من حالهم إمكان حصول ذلك منهم، وقد دلّ على جواز ذلك ما أوصى به أبو هريرة رضي الله عنه أهله حين قال: (لا تَضرِبوا عليَّ فِسطاطًا، ولا تتَّبِعُوني بمِجمَرٍ، وأَسرِعوا بي فإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إذا وُضِعَ الرجُلُ الصالِحُ على سَريرِه قال قدِّموني قدِّموني)[٦]، كما يجوز للمسلم أن يكتب في وصيته لأهله وورثته أن يدعوا له ويقرؤوا عليه بعض آيات القرآن الكريم عند قبره وقت الدفن، فقد ورد عن جماعة من السلف فعلهم لذلك، ومنهم عبد الله بن عمر الذي أوصى أهله بقراءة سورة البقرة على قبره.[٤][٥]

وجوه الوصية الشرعية

للوصية الشرعية وجهان، وبيانهما على النحو الآتي:[٢]

  • أن تكون الوصية بالمال، كأن يوصي الميت بإعطاء خُمس ماله لفلان أو لجهة معينة أو موصوف معين كالمجاهدين أو الفقراء أو نحو ذلك.
  • أن تكون الوصية بالتصرف بأمرٍ معينٍ بعد موت الموصِي، كمن يوصي فلان برعاية أبنائه، أو تزويج بناته، أو التصرف بثلث ماله، ويصحّ أن يقبل الموصَى إليه بوصية الموصِي في حياته أو بعد موته، إلا أنه إن ردها بطلت الوصية.

شروط الموصَى به

يشترط في صحة الموصَى به بعض الشروط، وفيما يأتي بيانها:[٧]

  • أن يكون قابلاً للتمليك بعد موت الموصِي، فتجوز الوصية في كل مال متقوم من الأعيان أو المنافع.
  • ألّا يكون معدوماً، وهذا خلاف ما لو أوصى بما يثمره الشجر أو ما في بطن بقرته أو نحو ذلك لأن هذا مما يملك بالإرث، وهو موجود متحقق في وقت موت الموصِي.
  • أن تكون الوصية بمال، فلا تصح أن تكون بالميتة؛ لأنها ليست بمال.
  • أن يكون المال متقوماً في حق المتعاقدين، فلا تصحّ الوصية بالخمر عند المسلمين مثلاً.

المراجع

  1. سورة المنافقون، آية: 10.
  2. ^ أ ب “حكمة الوصية الشرعية”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-7. بتصرّف.
  3. “كتابة الوصية قبل النوم”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب “ما هي صيغة الوصية الشرعية؟”، www.islamqa.info، 2008-1-5، اطّلع عليه بتاريخ 2018-107. بتصرّف.
  5. ^ أ ب “ما يكتب في الوصية”، www.fatwa.islamweb.net، 2006-1-31، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-7. بتصرّف.
  6. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد ، عن عبدالرحمن بن مهران ، الصفحة أو الرقم: 15/39، إسناده صحيح.
  7. “شروط الموصى به”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-7. بتصرّف.