من حلف بغير الله
الحلف
انتشر الحلف في أوساط المسلمين، وأصبحوا يستخدمونه، ويكثرون منه في صغائر الأمور وعظائمها، بحاجةٍ أو دون حاجةٍ، حتى صار مألوفاً بين الناس وغير مستنكرٍ، والحلف: هو تقوية وتأكيد أحد طرفي الخبر، بذكر الله تعالى، أو صفةٍ من صفاته العليّا، وقد نهى الله -عزّ وجلّ- عن الإكثار من الحلف، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)،[١] فكلمة حلّافٍ الواردة في الآية، صيغة مبالغةٍ يّراد بها من يكْثر الحلف دون حاجةٍ، كما نهى الله -تعالى- عن الجرأة في الحلفان به، وجعْله بذلك عرضةً للأيْمان، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ)،[٢] كما ورد الأمر في القرآن الكريم للمؤمنين بحفظ أيمانهم؛ أيّ صيانة ألسنتهم عن الإكثار من الحلف، وصيانة أيمانهم بالبر بها، وتجنّب الحنث، والحكمة من التوجيه إلى عدم الإكثار من الحلف، أنّ ذلك أدعى لنقض المحلوف عليه، ممّا يؤدي إلى استهانة الإنسان باسم الله عزّ وجلّ، كما أنّ كثرة الحلف صفة الكفار، والمنافقين؛ وذلك لأنّ طبعهم ينطوي على الكذب والمراوغة، ولا يمكن لهم ستر عوراتهم إلّا بالحلف.[٣][٤]
والحلف؛ أيّ اليمين، على أنواعٍ، أوله اليمين الغموس: وهو ما حلفه الإنسان على فعلٍ أو ترك فعلٍ حصل في الماضي، وهو يعلم أنّه كاذبٌ بذلك، أمّا النوع الثاني فهو يمين اللغو: وهو ما صدر من الإنسان دون قصدٍ، فسبق اليمين إلى لسانه دون أن يريده، أو ما حلف الإنسان فيه على ما يظنه، وأمّا النوع الأخير فهو اليمين المنعقدة، والتي يراد بها: أن يحلف الإنسان على أمرٍ حتى يؤكده ويقّويه، ويكون صادقاً في يمينه تلك، وقد ثبت عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حلفانه ثمانين مرةٍ، وقد أمره الله -تعالى- بالحلف في ثلاثة مواضعٍ، وقد حثّ رسول الله على الحلف بالله -تعالى- شريطة أن يكون ذلك الحلف على صدقٍ وبرّ، وأخبر النبي عن محبة الله -تعالى- لمن يحلف به، إن كان يحلف على أمرٍ مشروعٍ؛ كفعل طاعةٍ، أو ترك إثمٍ، أو نحو ذلك، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (احلِفوا بالله و بَرُّوا و اصدُقوا، فإنَّ اللهَ يحبُّ أن يُحلَفَ به).[٥][٤]
من حلف بغير الله
لا يجوز للإنسان المسلم أن يحلف بغير الله تعالى، أو بغير صفةٍ من صفاته، فإنّ للإنسان أن يحلف فيقول والله، أو وعلم الله، أو وقدرة الله، أو وعزة الله، وللإنسان أن يقول كذلك وآيات الله؛ وذلك لأنّ آيات الله -تعالى- هي كلامه، والكلام صفةٌ من صفات الله جلّ جلاله، أمّا الحلف بالمخلوقات؛ كالكعبة، والوالدين، والأمانة، فقد نهى عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عمن يحلف بالأمانة: (منْ حلفَ بالأمانةِ فليسَ منَّا)،[٦] وقد تصل الأمور ببعض الناس إلى مرحلة الشرك بالله تعالى، من خلال الحلف بالولي الفلاني ونحو ذلك، ومع أنّ الحلف بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- نفسه غير جائزٍ مع عظمة منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلّا أنّه يظلّ مخلوقاً من مخلوقات الله تعالى، التي لا يجوز للإنسان المسلم أن يحلف بها، وذلك لأنّ اليمين عبادةً خالصةً، لا يجوز أن يصرفها الإنسان إلّا لله تعالى، ويجوز لله -تعالى- أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، كما أقسم في القرآن الكريم، حيث قال: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ).[٧][٨]
وإذا حلف الإنسان بغير الله تعالى، فإنّ يمينه لا تنعقد، ولا تعدّ يميناً، ولو حنث بها، لم تجب عليه الكفارة، على خلاف اليمين الشرعية بالله عزّ وجلّ، وقد أكّد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على خطورة الحلفان بغير الله تعالى، حيث قال: (من حلف بغيرِ اللهِ فقد كفر أو أشركَ)،[٩] وحال الحالف بغير الله -تعالى- من حيث الحكم عليه، إمّا يُحكم عليه بالكفر، أو بالبقاء على الإسلام، فإن لذلك حالتان كما يأتي:[٨]
- إن حلف الحالف بغير الله -تعالى- من مخلوقاتٍ؛ كالنبي صلّى الله عليه وسلّم، أو الكعبة، أو الشرف، أو الأب، أو نحو ذلك، وكان الحالف قاصداً في حلفانه ذلك أنّ تلك المخلوقات أعظم من الله تعالى، أو مساويةً له في العظمة، أو نحو ذلك؛ فالحالف كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام، ومشركٌ بالله تعالى.
- إن لم يكن الحالف قاصداً من حلفانه بغير الله -تعالى- تعظيم غيره من المخلوقات أكثر منه، أو مساواتها بعظمة الله تعالى، ولكنّه فعل ذلك جهلاً، أو سبق إلى لسانه ذلك النوع من الحلفان؛ لانتشاره في بيئته ومجتمعه، فإنّ الحالف لا يكفر بذلك، بل يبقى على الإسلام.
إلّا أنّ للحلفان بغير الله -تعالى- كفارةٌ يجدر بمن وقع منه ذلك الفعل، أن يقوم بها، وتلك الكفارة بيّنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في قوله: (مَن حَلَف فقال في حَلِفِه: واللَّاتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إلهَ إلَّا اللهُ)،[١٠] فالواجب على من حلف بغير الله تعالى، أن يكفّر عن ذلك بقوله (لا إله إلّا الله) بمجرد أن يتذكر ذلك، ويتنبه إليه.[٨]
كفّارة اليمين
بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم كفّارة اليمين، وذلك في قوله تعالى: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ)،[١١] ويظهر من الآية الكريمة أنّ كفارة اليمين هي عتق رقبةٍ، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الإنسان أهله عادةً، أو كسوتهم، فإن لم يستطع شيئاً من تلك الثلاثة، صام ثلاثة أيامٍ، ويقدّر الإطعام في كفارة اليمين؛ بإعطاء كلّ مسكينٍ كيلو ونصف، من الأرز، أو البر، أو نحو ذلك من أوسط قوت البلد الذي يعيش فيه الإنسان، ويمكن كذلك أن يعطي الإنسان كلّ مسكينٍ قيمة الطعام من المال، إذا كان ذلك أنفع له، وأمّا الكسوة فيجزء فيها أن يعطي الإنسان كلّ مسكينٍ ما يغّطي عورته، وتصحّ به صلاته.[١٢]
المراجع
- ↑ سورة القلم، آية: 10.
- ↑ سورة البقرة، آية: 224.
- ↑ إدريس أحمد (2016-4-7)، “هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلف”، www.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-1. بتصرّف.
- ^ أ ب د. طه فارس (2017-8-2)، “الحلف بالله تعالى”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 211، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ، الصفحة أو الرقم: 8627، صحيح.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 75.
- ^ أ ب ت “حكم الحلف بغير الله”، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2952، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4860، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 89.
- ↑ ” كفارة اليمين المنعقدة وكيفية إخراجها”، www.fatwa.islamweb.net، 2002-10-12، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-1. بتصرّف.