حكم لبس القصير
العورة وأحكامها
العورة هي ما يجب ستره ويقبح إظهاره من البدن، وهي ما يستحيي من إظهاره الإنسان ويعيبه ذلك، لذلك فقد سمّى الله -تعالى- إظهار العورة في القرآن بالفاحشة، وذلك حينما تحدّث عن العرب الذين كانوا يطوفون بيت الله عُراة في الجاهلية، ويزعمون أنّ الله -عزّ وجلّ- قد أمرهم بذلك، قال الله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)،[١] فكشف العورات وإهمال سترها يفضي إلى شرٍّ خطيرٍ، ويعدّ وسيلة لانتشار الفواحش والأخلاق السيئة، وهذا حاصل في المجتمعات التي تركت الستر، وتفاخرت بالتعرّي، فانتشرت فيها الرذيلة وما عاد للفضيلة وجود، أمّا الإسلام فقد جاء يأمر بستر العورة وصيانتها، وبذلك تُحفظ الفضيلة في المجتمع المسلم.[٢]
ولأنّ الشيطان حريص على إغواء الإنسان فقد عمل على دفعهم لكشف عوراتهم، وذلك كما فعل بآدم -عليه السلام- وزوجه، وفي ذلك قال الله -تعالى- محذّراً الناس: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)،[٣] يظهر من ذلك أنّ التشجيع على التعرّي وكشف العورات الحاصل في بعض مجتمعات هذا الزمن إنّما هو مكيدة شيطانية لنزع الفضيلة منها، كما يظهر من قصة آدم وحواء -عليهما السلام- أنّ الستر نعمة من ربّ العالمين، يمنّ بها على الناس، وهتك ذلك الستر يمثّل عقاباً منه، فلمّا عصى آدم وحواء -عليهما السلام- ربهما -جلّ جلاله- نزع عنهما لباسهما فظهرت عوراتهما.[٢]
عورة الرجل والمرأة
ورد في تحديد عورة الرجل في الإسلام إجماع العلماء على أنّها من السّرة إلى الركبة، فلا يصحّ منه إبداء ما دون ذلك لرجلٍ أو امرأةٍ إن لم تكن زوجته، أمّا عورة المرأة فقد قال العلماء أنّها على قسمان؛ عورة النظر، وعورة اللباس، فأمّا عورة النظر فقالوا هي عورة المرأة أمام المرأة، وتكون من السرّة إلى الركبة، فلا يجوز للمرأة أن تنظر لغيرها من النساء في ذلك الموضع، ولا يجوز لها كذلك أن تُبدي ذلك الموضع من جسدها أصلاً، وذلك لنهي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن نظر الرجل إلى عورة الرجل، أو نظر المرأة إلى عورة المرأة، والنهي هنا يفيد التحريم، وأمّا عورة اللباس فتكون بستر العورة ابتداءً، ثمّ تقدّر بحسب العُرف، وينظر في ذلك إلى عُرف الصالحات لا الفاجرات، وقد قال العلماء فيه إنّ المرأة تُظهر أمام المرأة ما تُظهره أمام محارمها من الرجال، وهو ما يظهر من وجهها، ورأسها، وعنقها، ويديها إلى الساعد، وقدمها وساقها عند الحاجة؛ وذلك لأنّ الله -عزّ وجلّ- في الآية الكريمة ذكر المحارم من الرجال، ثّم عطف عليهم النساء، حيث قال: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ)،[٤] وأمّا عورة المرأة أمام الرجال لأجانب عليها غير المحارم لها، فهي سائر جسدها، عدا الوجه والكفين ففيهما خلاف.[٢][٥]
حُكم لبس القصير
فضّل العلماء أن تكون المرأة محتشمةً على الدوام، فتحرص ألّا يظهر منها أمام محارمها أو النساء الأخريات إلّا ما اضطرّت لإظهاره، مع تأكيدهم أنّ ساق المرأة لا تعتبر عورة أمام هؤلاء، فإذا ارتدت لباساً قصيراً يستر العورة المحددة أمامهم؛ أي من السرّة إلى الركبة، ويظهر شيئاً من ساقها جاز لها ذلك مع أفضليّة تركه، واشترطوا لجواز ليس القصير الساتر للعورة ألّا يكون فيه تشبّه بالكافرات، وألّا يكون ضيّقاً كذلك فيصف العورة، ويحدّدها تحديداً دقيقاً.[٦][٧]
ورأى فقهاء آخرون أنّ الأصل في لباس المرأة المسلمة أن يكون سابغاً مشتملاً على جميع بدنها عدا الوجه والكفّين، ولا يجوز لها لبس القصير إلّا إذا كانت في بيتها، وليس في بيتها سوى زوجها، وقالوا إنّ عورة المرأة على المرأة بين السرة والرّكبة، لكنّ ذلك لا يعني ألّا تستر المرأة أمام النساء إلّا ما بين سرّتها وركبتها، بل عليها ستر جسدها ما استطاعت، فإن قدّر أن ظهر شيء من ساقها أو رقبتها أو غيره فلا بأس في ذلك.[٨]
الأمراض الناتجة عن كشف العورات
إنّ ترك الحرص على ستر العورات والالتزام بأحكام العورة واللباس يؤدي إلى كثير من الأمراض المجتمعية الخطيرة، منها:[٩]
- تفشّي وانتشار زنا المحارم؛ فإن ترك المرأة للستر، وارتدائها للملابس الضيقة أو الشفافة التي تتنافى مع الستر أمام محارمها قد يؤدي إلى اشتعال شهوة الرجال منهم، ممّا يؤدّي إلى محاولتهم تفريغ هذه الشهوة بالبنات الصغيرات، أو المراهقات من العائلة.
- التهاون التدريجيّ في إظهار العورة المغلّظة، فإنّ المرأة إذا أهملت ستر جسدها، وأخذت بلبس الضيّق والشفاف؛ ستصل تدريجياً إلى كشف عورتها المغلظة دون حياءٍ أو إنكارٍ.
- الوقوع في الفواحش والمحرّمات المخالفة للفطرة الإنسانية، فإنّ التهاون في كشف العورات وفي ارتداء ما لا يصحّ في الشرع قد يؤدي إلى وقوع الفتنة بين النساء أنفسهنّ، فتعجب بعضهن ببعض ممّا يؤدّي إلى ظهور الشذوذ.
- المشاكل الأسريّة، لِما قد يفضي إليه ترك الستر وإهماله من مشاكل قد تصل إلى تصوير المرأة بلباسٍ سافرٍ، ثمّ نشره على شبكات التواصل أو غيره، وهو ما يؤدي إلى خلافات أسريّة حادّة قد تصل إلى الطلاق.
- تعرّض المرأة المسلمة للتحرّش من الرجال الذين تستثار شهواتهم برؤية اللباس غير المحتشم.
المراجع
- ↑ سورة الأعراف، آية: 28.
- ^ أ ب ت “كشف الالتباس في أحكام العورة و اللباس”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 27.
- ↑ سورة النور، آية: 31.
- ↑ “عورة المرأة أمام الرجال الأجانب عنها”، www.fatwa.islamweb.net، 2009-10-17، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16.
- ↑ “حكم لبس المرأة للقصير بين المحارم”، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ “حكم لبس المرأة الثوب القصير إلى نصف الساق أمام النساء”، www.fatwa.islamweb.net، 2011-11-20، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ “ما حكم لبس المرأة الثوب القصير أمام النساء؟ “، www.ar.islamway.net، 2007-10-18، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ هناء بنت عبد العزيز الصنيع، “ويلات التعري”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.