حكم الموسيقى

فقه الحلال والحرام في الإسلام

الأحكام الشرعيّة في الإسلام جاءت بهدف تنظيم حياة النّاس، وإقامة المسلمين على واقع يضمن لهم السّعادة في الدّار الدنيا والدّار الآخرة، وينطلق هذا الفهم من أنّ الإسلام دين عالميّ، ختم به الله -تعالى- الرّسالات؛ فأصبحت شريعة الإسلام بذلك ناسخةً للشرائع التي قبلها، ولذلك فإنّ المسلمين مطالبين بالانقياد والاستسلام لأمر الله تعالى؛ فيأتمرون بأمره وينتهون بنهيه، لأنّهم يعتقدون أنّ الحلال ما أحلّه الله تعالى، والحرام ما حرّمه الله تعالى، فقد قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[١] والأحكام الشرعيّة تنتقل في أغلبها بين الحِلّ والحُرمة والإباحة، ويحكم ذلك كلّه النّص الشرعيّ الوارد في القرآن الكريم أو في السنّة الصحيحة، وما يتبع ذلك من فَهْم العلماء للمعنى المراد والحُكْم المستنبط من تلك النصوص، ومن المسائل التي تناولها الفقهاء: حُكْم الموسيقى، فما هي الموسيقى، وما هو حكمها؟

حكم الموسيقى

وردت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة وأقوال الصحابة -رضي الله عنهم- التي اعتمد عليها العلماء في تحريم آلات الموسيقى أو المعازف، ولا يخرج من هذا التّحريم إلّا ما ورد به النّص الشرعيّ، فقد قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)،[٢] ويرى أهل التّفسير أنّ لهو الحديث يشمل كلّ باطل، ومنه: آلات العزف والطّرب، واستندوا كذلك على قول الله -تعالى- للشيطان: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)،[٣] وجاء عن ابن القيّم -رحمه الله- أنّ صوت اليراع أو المزمار أو الطبل من أصوات الشياطين.[٤]
وفي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ليكونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ ، يستحلُّونَ الحِرَ والحريرَ ، والخمرَ والمعازِفَ)،[٥] والحديث عند العلماء يُشير إلى حُرمة الموسيقى من أكثر من وجه؛ فكلمة يستحلّون؛ دليل على حُرمة الموسيقى في الشّرع، وأنّ من يستحلّها يكون قد خرج بها عن أصل حكمها، وممّا يُتأكّد به على حُرمتها أنّ ذكرها جاء مُقترناً مع أمور أخرى منهي عنها؛ كفعل الزّنا وشُرْب الخَمْر؛ فدلّ على حرمتها، ومن الأحاديث التي ساقها العلماء للاستدلال بها على حُرمة الموسيقى ممارسةً وسماعاً قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (صوتانِ ملعونانِ في الدنيا والآخرةِ: مزمارٌ عندَ نعمةٍ، وَرَنَّةٌ عندَ مصيبةٍ)،[٦] فجاء النّهي عن صوت المزمار الذي يظهر بالأفراح وعند النّعمة بصيغة اللعن؛ للدّلالة على الحُرمة.[٤]
وفرّق العلماء بين السّامع لأصوات الموسيقى من غير قصد أو من غير إرادة، والمُستمع لها بتتبّع النّغم واللحن والقاصد لها؛ فالأوّل لا يشمله النّهي، ولا يقع عليه إثم، وإنّما النّهي والتّحريم مختص بالمُستمع.[٤]

حُكْم الدّف

الدّف مُستثنى من التّحريم، وهو المصنوع من جلد مُحاط بإطار دائريّ، وقد يكون فيه جلاجل تُوضع أحياناً في جوانب حوافّه، وقد اتّفق العلماء على جواز الضرب بالدّف للنّساء في الأعراس والأفراح كالعيد، ولكن إذا خلى من الجلاجل، والمذهب المالكيّ والإمام أحمد وبعض علماء الشافعيّة ذهبوا إلى استحباب الضرب على الدّف دون الجلاجل، والخلاف بين الفقهاء على الدّف التي وُضعت به الجلاجل، لكنّ الأمر فيه سَعة ما دام أنّ آلته مشروعة، وأجازه كثير من العلماء للرّجال أيضاً في مظاهر الفرح المشروعة والجهاد، ومنعه جمهور الحنابلة وغيرهم، ومرجعهم في ذلك أنّ النًصوص التي أباحته خُصّصت بالنساء دون الرّجال،[٤] وأشار الإمام ابن تيمية -رحمه الله- إلى مبرّرات منع الدّف للرّجال؛ فقال: (إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يَشرع لصالحي أمّته وعبّادهم وزهّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات المُلحّنة مع ضرب بالكفّ أو ضرب بالقضيب أو الدّف)،[٧] وقال أيضاً: (رخّص النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أنواع من اللَّهو في العرس ونحوِه كما رخّص للنّساء أن يضربْن بالدّف في الأعراس والأفراح، وأمّا الرّجال على عهده فلم يكنْ أحد منهم يضرب بدفّ ولا يصفّق بكفّ).[٧]

تعريف الموسيقى وأنواعها

يُحسنُ بالباحث في هذه المسألة أنْ يتعرّف على معنى الموسيقى، وعلاقتها بمصطلح المعازف، مع ضرورة بيان أنواع الآلات التي تنتج أصواتاً باللحن أو النّغم، ويُطلق عليها بناءً على الأصوات الخارجة منها: الموسيقى، وفيما يأتي بيان المقصود بالموسيقى وبيان أحكامها:

تعريف الموسيقى

الموسيقى بهذا اللفظ ليست من المصطلحات العربيّة، بل إنّها ترجع إلى لغة اليونان، وتُشير عندهم إلى فنّ استخدام آلات العزف، وهو علم يُتحصّل بالتدرّب على طرائق الإيقاع الصوتيّ وتطويع الأنغام وتشكيل الألحان باستخدام آلات خاصّة،[٨] والعرب يطلقون مصطلح العَزْف على الأصوات التي تنتجها آلات الطرب واللهو، ومثالها: الأنغام والألحان وغيرها، والمعازف هي الآتها، ومنها ما عَرِفه النّاس قديماً؛ كالطّبل والدّف والمزمار وغيرها، ومنها ما عُرف حديثاً؛ كالبيانو والكمنجة وغيرهما، ومن هنا فإنّ الموسيقى والعزف بهذا المفهوم مصطلحان لهما نفس الدّلالات.[٩][٨]

أنواع الآلات الموسيقية

الآلات الموسيقية كثيرة جداً، قديمها وحديثها، لكنّها على اختلاف أشكالها وأنواعها ومسمّياتها ومصادرها والأصوات الصادرة عنها، إلّا أنّها يمكن أنْ تنحصر في أربعة أنواع:[٩]

  • آلالات التي تُصدر صوتاً متزامناً مع ضربها باليد أو بأداة أخرى؛ كالعصا، أو عند تلامس أجزائها ببعضها، وتسمّى هذه الآلات بنقر أو القرع، ومن الأمثلة عليها: الطبلة المعروفة، والأوركسترا وغيرها.
  • الآلات التي تُنتج صوتاً نتيجة دفع الهواء بأجزائها بالنّفخ؛ ومثالها: القيثارة.
  • الآلات التي يكون الصوت فيها ناتجاً عن الاحتكاك المتحرّك، ويكون صوت النّغم فيها ارتفاعاً وانخفاضاً بقدر الشدّ أو الضغط على حركة الأوتار التي تكون مصنوعة منها، وهي في الغالب من الجلد أو من النايلون، ومثالها: الرّبابة والعود.
  • الآلات التي تكون مُصمّمة على العزف الذاتيّ، حيث تُصدر صوت النّغم أو اللحن دون حاجة لآلة أو عازف، وإنّما يتمّ تخزينها وسماعها على أجهزة التّخزين والسّماع الإلكترونيّة الحديثة.

المراجع

  1. سورة النور، آية: 51.
  2. سورة لقمان، آية: 6.
  3. سورة الإسراء، آية: 64.
  4. ^ أ ب ت ث سعد مطر (17-5-1433)، “حكم عزف الموسيقى وسماعها”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-3-2018. بتصرّف.
  5. رواه ابن القيم، في تهذيب السنن، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 10/153، صحيح.
  6. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5033 ، صحيح.
  7. ^ أ ب ابن تيمية (1995)، مجموع الفتاوى، المملكة العربية السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 565، جزء 11.
  8. ^ أ ب محمد الجريتلي (24-10-2009)، “المعازف وما يتعلق بها من أحكام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2018. بتصرّف.
  9. ^ أ ب سعد مطر (12-7-2010)، “حكم عزف الموسيقى وسماعها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2018. بتصرّف.