ما كفارة الحلف بالله

الحَلْف بالله

يقع المسلم أحياناً في مواقف يحتاج بها للقسم بالله -تعالى- ليؤكّد صدقه ونيّته وعزمه على إتيان أمرٍ ما، أو لنفي أمرٍ في بعض الأحيان، وأحياناً يُقسم المسّلم ثمّ يجد أمراً خيراً من الأمر الذي قسم به فيقع في الحيرة بالبرّ في القسم أم بفعل الأمر الأصوب من الأمر الذي قسم به، وبعض الأشخاص لا يحلفون بالله -تعالى- إلّا بأمرٍ صادقٍ ومنهم من يحلف لغواً، ومنهم من يحلف كاذباً، ويجبّ على المسّلم الذي لم يبرّ بيمينه أن يكفّر ذنبه بعدم العمل بما أقسم به، والله -تعالى- نهى المسلمين عن الإكثار من الأيمان دون حاجة، وأمر بحفظ الأيمان، فقال: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ).[١]

معنى الحَلْف والكفّارة

إذا حلف الإنسان على شيء ثم رأى غيره خيراً منه فإنّه يكفّر عن يمينه ثمّ يقضي الله -تعالى- بالأمر الخير والأفضل، وفيما يأتي بيان معنى الحَلْف والكفّارة:

معنى الحَلْف بالله

يأتي لفظ حَلَفَ يميناً بمعنى أقسم،[٢] فالحلف بالله -تعالى- والقسم به بنفس المعنى، والهدف منه توكيد وتقوية للخبر وللوعد بذكر اسم من أسماء الله -تعالى- أو صفة من صفاته.[٣]

معنى الكفّارة وحُكْمها

يختلف معنى الكفّارة في اللغة عن معناها اصطلاحاً، وفيما يأتي بيان ذلك:[٤]

  • الكفّارة لغةً: من الكفر؛ وهو السّتر والتّغطية، وسميت بذلك لأنّها تغطّي الإثم وتستره.
  • الكفّارة اصطلاحاً: هي ما يُخرجه الحانث فديةً وتكفيراً عن يمينه من طعامٍ أو كساءٍ أو عتق رقبة.
  • حُكْم الكفّارة: تعدّ الكفّارة في الإسلام واجبة، وجاء الأمر فيها في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة، حيث قال الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)،[٥] وقال أيضاً: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ)،[٦] فقد فرضها الله -عزّ وجلّ- حتى تحلّ يمين الشّخص الذي يريد أن يحنث فيها، وقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (وإذا حلفتَ على يمينٍ، فرأيتَ غيرَها خيراً منها، فكفِّرْ عن يمينِك وأْتِ الذي هو خيرٌ).[٧]

كفّارة الحَلْف بالله

تنقسم الأيمان إلى عدّة أنواع؛ هي: اليمين المنعقدة، واليمين الغموس، واليمين اللّغو، وبيانها وبيان كفّاراتها فيما يأتي:

اليمين المنعقدة

وهي اليمين التي نوى بها صاحبها عمل أو عدم عمل شيءٍ ما،[٨] وورد ذكر كفّارة الحنث بها في القرآن الكريم؛ حيث قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[٥] فكفّارة الجنث باليمين المنعقدة بالتخيير بين ثلاثة أنواع من الكفّارات؛ وهي:[٩][١٠]

  • إطعام عشرة مساكين ممّا اعتاد الحانث باليمين أن يأكل منه ويُطعم منه أهله، ومقداره كما قدّره العلماء ما يقارب 750 غراماً من الأرز، والأفضل إخراج نصف صاع من الطعام؛ أي ما يقارب كيلو ونصف، ويجوز صُنع الطعام ودعوة عشرة مساكين إليه.
  • كِسوة عشرة مساكين.
  • عتق رقبة مؤمنة.
  • صيام ثلاثة أيّام لِمن لم يجد أو لم يستطع إخراج الطعام والكساء والعتق.

اليمين الغموس

وهي أن يحلف الإنسان بأمرٍ من الأمور كذباً، وسمّيت بالغموس لأنّها تغمس صاحبها في الإثم أو في النّار، حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (الكبائرُ: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالديْنِ، أو قال: اليمينُ الغَموسُ)،[١١] وذكر العلماء أنّ اليمين الغموس ليس لها كفّارة؛ لعظَمِها، وإنّما يلزم من المسلم التوبة إلى الله تعالى، باستثناء الشافعيّة الذين قالوا بأنّ لها كفّارة.[١٢]

يمين اللغو

يدلّ يمين اللغو على معنيين؛ أوّلهما: أن يحلف المسّلم باسم من أسماء الله -تعالى- على أمرٍ من الأمور لغواً دون التأكّد من الأمر، وجاء عن عائشة رضي الله عنها: (أُنزِلَتْ هذه الآية: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، في قولِ الرجلِ: لا واللهِ، وبَلَى واللهِ)،[١٣] وثانيها: أن يحلف المسّلم على أمرٍ يظنّه صواباً، أو يظنّه حصل فعلاً، ثمّ يتبين أنّه كان على خطأ، واختلف العلماء في كفّارة يمين اللغو؛ فمنهم من قال بعدم الكفّارة للأمر الذي ظنّه صواباً ثمّ ظهر أنّه غير ذلك، ومنهم من قال إنّ من حلف ثمّ ظهر له غير ما يخالف الأمر الذي حلف عليه فهو غير مُؤاخذ؛ لأنّه لم يكن يعلم،[١٤] وتفسير الآية الكريمة: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ)،[١٥] أنّ الله -تعالى- لا يُحاسب العباد على الأيمان التي تخرج لغواً، وإنّما يُحاسبهم على الأيمان المنّعقدة.[١٤][١٦]

أحكام كفّارة اليمين

هناك عدّة أحكام تتعلّق بكفّارة اليمين؛ وبيان بعضها فيما يأتي:[١٧][١٨]

  • يدفع الحانث باليمين كفّارة حنثه باليمين لعشرة من المساكين؛ لأنّ القرآن الكريم حدّد العدد بعشرة، وإن اجتهد الحانث في البحث عن المساكين ولم يجد إلّا شخصاً واحداً فعليه أن يدفع الكفّارة له مدّة عشرة أيّام.
  • جوّز الحنفيّة والأوزاعيّ للحانث أن يُخرج قيمة الطعام مالاً، لكنّ جمهور العلماء حدّدوا الكفّارة بإطعام الطعام دون تحديد له؛ دلالةً على إخراج الكفّارة بما أعتاده أهل البلد.
  • ذهب الإمام مالك والإمام الشافعيّ والإمام أحمد في قولٍ لهما إلى جواز تفريق أيّام الصّيام لمن أراد أنّ يكفّر عن يمينه بالصّيام، بينما اشترط الإمام أبو حنيفة وغيره التتابع في الصّيام.
  • يجوز إخراج كفّارة اليمين على التّراخي.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 224.
  2. “تعربف ومعنى الحلف بالله”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-3-2018. بتصرّف.
  3. “الحلف بالله تعالى”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  4. “كفارات اليمين بالله -جلّ جلاله- في السنة “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة المائدة، آية: 89.
  6. سورة التحريم، آية: 2.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 7146، صحيح.
  8. “اليمين اللغو واليمين المنعقدة”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  9. “مقدار كفارة اليمين من الطعام”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  10. “ما هي كفارة اليمين بالتفصيل؟”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 6870، صحيح.
  12. “كفارة اليمين الغموس”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 4613، صحيح.
  14. ^ أ ب “اللغو في اليمين”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  15. سورة المائدة، آية: 89.
  16. “من حلف دون أن يشعر فيمينه لغو”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  17. “حكم تأخير الكفارة وتقسيطها”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.
  18. “هل يجوز دفع الكفارة لشخص واحد أو شخصين؟”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-5. بتصرّف.