حكم مصافحة المرأة الأجنبية

مفهوم المصافحة

المصافحة في اللغة العربية هي الأخذ باليد، والتصافح مثله كذلك، فإذا قيل: إنّ الرجل يصافح الرجل؛ فالمعنى أنّه وضع صُفْحَ كفه في صُفْح كفه؛ وصفحا الكفين في اللغة: وجهاهما؛ ومنه حديث المصافحة عند اللقاء، وهي مفاعلة مأخوذة من إلصاق صفح الكف بالكف، وإقبال وجه المصافح على وجه من يصافحه.[١]

حكم مصافحة المرأة الأجنبية

حكم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة

يحرم في الشريعة الإسلامية مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية الشابة،[٢] وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة،[٣] لما روته أميمة بنت رقيقة -رضي الله عنها- عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت: (أتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نِسوةٍ يُبايِعْنَه فقُلْنَ: نُبايِعُك يا رسولَ اللهِ على ألَّا نُشرِكَ باللهِ شيئًا ولا نسرِقَ ولا نزنيَ ولا نقتُلَ أولادَنا ولا نأتيَ ببهتانٍ نفتريه بينَ أيدينا وأرجُلِنا ولا نعصيَك في معروفٍ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (فيما استطَعْتُنَّ وأطَقْتُنَّ) قالت: فقُلْتُ: اللهُ ورسولُه أرحمُ بنا مِن أنفسِنا هلُمَّ نُبايِعْك يا رسولَ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنِّي لا أُصافِحُ النِّساءَ إنَّما قَولي لمئةِ امرأةٍ كقولي لامرأةٍ واحدةٍ أو مثلِ قَولي لامرأةٍ واحدةٍ).[٤]

حكم مصافحة المرأة الأجنبية العجوز

اختلف الفقهاء في حكم مصافحة المرأة الأجنبية العجوز على النحو الآتي:

  • ذهب الجمهور إلى جواز وإباحة مصافحة المرأة العجوز المُسنّة التي لا تُشتهى، فقالوا: بإباحة مس يدها؛ وذلك لانعدام خوف الفتنة، وقال الحنابلة: لقد كره الإمام أحمد مصافحة النساء.[٢]
  • ذهب الشافعية إلى تحريم المس والنظر للمرأة الأجنبية مُطلقاً، حتى ولو كانت المرأة عجوزاً؛ ولذلك فمصافحة المرأة الأجنبية العجوز حرام عند الشافعية.[٢]

واستدل الشافعية بعدة أدلة على التحريم، ومنها الحديث الذي يرويه معقل بن يسار -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لَأَنْ يُطعَنَ في رأسِ أحَدِكُمْ بِمَخْيَطٍ من حَدِيدٍ خَيرٌ له من أنْ يَمسَّ امْرأةً لا تَحِلُّ لَهُ).[٥]

وتتعلق بالمصافحة أو المس للمرأة في الشريعة الإسلامية أحكام ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً، فمتى جاز المس؛ فإنّه يجوز سفر الرجل مع المرأة، ويجوز أن يخلو بها في حال كان يأمن على نفسه وعليها من الوقوع في الزلل، فالخلوة بين المحارم من الرجال والنساء مباحة ما عدا الأخت بالرضاع، والصهرة الشابة، وبناءً عليه فإنّه متى يحرم المس يحرم السفر وتحرم الخلوة، فلا يجوز شرعاً أن يخلو رجل وامرأة وهي ليست زوجته، وليست ذات محرم منه، ولا يجوز له السفر معها كذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تسافرُ المرأةُ إلَّا معَ ذي محرمٍ، ولا يدْخُلُ عليها رجلٌ إلا ومعَهَا محرمٌ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أريدُ أنْ أخرُج في جيشِ كذا وكذا، وامرَأتي تريدُ الحجَّ؟ فقالَ: اخرُجْ معَها)،[٦] وقوله: (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بًامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بًالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن)،[٧] وهذه خلاصة أحكام المصافحة للمرأة الأجنبية في الشريعة الإسلامية.[٢]

المجاملة بالمصافحة

وبعض المسلمين رجالاً ونساءً، يشعرون بالحرج من رفض المصافحة إذا مدّ أحدهم يده للمصافحة، ويرون أنّ المصافحة ترد الحرج، ويُصافحون من باب المجاملة؛ فالرجل يشعر بالحرج الشّديد في حال إذا حصل ومدّت إليه امرأة أجنبية عنه يدها لمصافحته، وكذلك المرأة قد يمدّ رجلٌ يده إليها ليصافحها، ويدّعي بعض المسلمين إضافةً إلى اختلاطهم رجالاً ونساءً الاضطرار إلى المصافحة للمُدرِّسة أو للطالبة الزميلة في المدرسة، أو في الجامعة، أو في الوظيفة، أو في العمل، أو الاضطرار للمصافحة في الاجتماعات وفي اللقاءات التجارية وغيرها، وهذا في الحقيقة ليس عذراً مقبولاً، فالواجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ التغلّب على النفس والهوى، والثبات على الحق، وعلى المبدأ، واتباع الحكم الشرعيّ، وأن يكون ذا شخصيةٍ قويةٍ، يؤثر في الناس، وينقل لهم الخير، ويدعوهم له، ويكون قوياً ثابتاً على دينه، وألا يستحيي من الحقّ الذي أقرّه الله سبحانه وتعالى لنا شرعاً.[٨]

والأصل في مثل هذا الموقف إذا تعرّض له المسلم رجلاً كان أو امرأةً فإن الحكمة تقتضي أن يعتذر بأدب ولباقة، ويوضّح بكل ذكاء وفطنة أنّه لا يقصد الإهانة، أو التقليل من شأن أحد، أو التكبّر على الآخرين؛ ولكنها تعاليم الإسلام، ولا بأس أو ضير إن استغربوا في البداية، ولعلها تكون فرصة ليتعلموا عن أحكام الإسلام ويعرفوا أحكام الشريعة الإسلاميّة، وكيف شرعت الأحكام التي من شأنها أن تحفظ المسلمين والمجتمع الإسلامي.[٨]

النية السليمة ليست مبرراً

ولا شكّ في أنّ مصافحة الرجل لامرأةٍ أجنبيةٍ عنه ومسّها من أعظم أسباب الفتن، وتؤدي إلى ثوران الشهوات، وبالتالي الوقوع في الحرام، ولا يقولنَّ قائلٌ أو يدّعي، أو يبرر: بأنّ النيّة سليمة، والقلب الحمد لله نظيف، فإنّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهو صاحب أطهر قلب، وأسلم نيّة، وأعفّ نفس، لم يصافح ولم يمسّ أي امرأةٍ أجنبيةٍ أبداً، حتى إنّه لما بايعته النساء لم يبايعهنَّ بالمصافحة كفّاً بكفٍّ كما يبايع الرّجال، بل بايعنه وبايعهنّ قولاً وعهداً.[٨]

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 514، جزء 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 2658-2657، جزء 4. بتصرّف.
  3. مجموعة من طلاب العلم (16-7-2001م)، “تحريم مصافحة المرأة الأجنبية”، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2017م.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أميمة بنت رقيقة، الصفحة أو الرقم: 4553، أخرجه في صحيحه.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 5045، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1862، صحيح.
  7. رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 5/26، حسن صحيح.
  8. ^ أ ب ت محمد صالح المنجد (5-7-2000م)، “حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية”، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2017م.