ما حكم تشقير الحواجب
ما حكم تشقير الحواجب
إنّ تشقير المرأة لحاجبيها هو أمر جائز، وذلك لأنّه لم يرد أي شيء يحرم هذا الأمر، وبالتالي فإنّه يبقى على الأصل، إذ أنّه ليس من النّمص الذي تمّ تحريمه، وليس فيه أي تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى، ولكن يحرم على المرأة فعله في حال كان فيه تدليس على الخاطب، في حال أراد أن يتزوّج من تلك المرأة، وذلك لأنّ الخاطب لا بدّ أن يرى المرأة على هيئتها الطبيعيّة، وفي العادة لا يقوم الخاطب بالتدقيق في شكل خطيبته عند رؤيتها للمرة الأولى، وبالتالي لا يظهر له التّشقير الذي يراه القريب من المرأة في العادة، كما أنّ التشقير يحرم في حال كان فيه أيّ تشبه من المرأة بالكفّار، وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن التشبّه بهم. (1)
ولا يعدّ التشقير جزءاً من النّمص المحرّم، مع أنّ تركه أفضل، وقد أفتى بجوازه جمع من العلماء المعاصرين، ومنهم: الشّيخ ابن باز، والشّيخ ابن عثيمين، وقد قال الشّيخ محمد المنجد:” أمّا بالنسبة للتشقير فقد سألنا عنه علماءنا، وسألت عن هذا شيخنا عبد العزيز بن باز – رحمه الل ه- وشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – فأجازا ذلك، وقال الشّيخ محمد: إنّ التّشقير تلوين “.
كما أنّ لا يجوز إطلاق القول بأنّ مادّة التّشقير تعتبر مادّةً عازلةً للماء هو أمر غير دقيق، إذ ربّما كانت المواد المستخدمة مختلفةً، فمنها ما يعزل الماء، ومنها ما لا يعزله، أو أنّه يزول بمجرّد الغسل، والفتوى ينبغي أن تخرج منضبطةً بالضوابط والقيود الشرعية، لا أن تعتمد وتبنى على مجرد الوعظ والتخويف والتهويل.
حكم نمص الحواجب
لقد ورد تحريم نمص المرأة لحواجبها في جملة من الأحاديث، منها ما في الصّحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:” لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والنّامصات، والمتنمّصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله “، قال عبد الله:” ما لي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله:” وما آتاكم الرّسول فخذوه ” “.
وكذلك ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:” لُعنت الواصلة والمستوصلة، والنّامصة والمتنمّصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء “، وهناك اتفاق عند الفقهاء على تحريم نتف الحاجبين لغير المزوجة، وللمزوجة إذا لم يأذن زوجها في ذلك.
وقد اختلفوا في ما عدا ذلك، وسبب اختلافهم يرجع إلى أمرين:
- أنّهم قد اختلفوا في معنى النّمص، هل هو النّتف خاصّةً، أم مطلق الأخذ من الشّعر، سواء أكان ذلك بالنتف أو الحفّ.
- أنّهم قد اختلفوا في علة المنع، فمنهم من رأى أنّها التدليس والغشّ، وأجازوا ذلك بإذن الزّوج، ومنهم من رأى أنّها تغيير لخلقة الله ابتغاء الحسن، وذلك كما هو مصرح به في الأحاديث، ومنعوا ذلك الأمر مطلقاً، سواءً أأذن الزّوج أو لم يأذن، ويعتبر هذا هو الصّواب في المسألة، ويدلّ عليه أمور، منها:
- أنّه لم يرد أي استثناء للمرأة المتزوّجة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
- أنّ النّمص والوشم والوصل يعتبرون جميعاً من جنس واحد، وقد علل النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – تحريمه بعلة وهي أنّ فيه تغييراً للخلق لأجل الحُسن، وقد ثبت أنّه – صلّى الله عليه وسلّم – لم يرخص للمرأة المتزوّجة أن تصل شعرها، حتى مع إذن زوجها، بل وأمره لها بذلك، فقد جاء في الصّحيحين وهذا لفظ البخاري: عن عائشة رضي الله عنها أنّ امرأةً من الأنصار زوّجت ابنتها فتمعّط شعر رأسها، فجاءت إلى النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – فذكرت ذلك له، فقالت:” إنّ زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال: لا، إنّه قد لُعن الواصلات “.
- أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – لم يتركنا في حاجّة إلى البحث عن سبب التحريم في هذه الأمور، بل صرّح بذلك في قوله:” للحسن المغيّرات خلق الله “، فلا وجه لأن يقال:” إنّ العلة هي التدليس فيباح ذلك بإذن الزّوج “.
وأمّا ما هو معنى النّمص على وجه الخصوص، فقيل: أنّه نتف شعر الوجه، وقيل: هو الأخذ من شعر الوجه، وقيل: إنّ ذلك مختص بالحاجبين، قال أبو داود في سننه بعد ذكر الحديث السّابق:” والنّامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقّه، والمتنمّصة المعمول بها “، وقد قصر الحنابلة التّحريم على النتف وأجازوا الحلق، وقد خالفهم في ذلك الشّافعية والمالكيّة، فمنعوا مطلق الأخذ، وممّا يرجّح اختصاص النّمص المحرّم بالحاجبين، ما جاء عن عائشة رضي الله عنها من الترخيص للمرأة أن تحفّ جبينها لزوجها، أخرجه الطبري ، كما قال الحافظ في الفتح. (2)
الحكمة من النهي عن النمص
إنّ مسألة النّمص تدخل تحت بند التجميل، وهو نوعان:
- الأوّل: ما كان منه من أجل إزالة عيب مشين مشوِّه للخلقة، وبالتالي فإنّه لا بأس به ولا حرج فيه، وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قد أذن لعرفجة بن سعد رضي الله عنه، وكان قطعت أنفه في الحرب، أن يتخذ أنفا من ذهب، وذلك فيما رواه الترمذي.
- الثّاني: أنّ التّجميل الزّائد وهو ما لا يكون من أجل إزالة العيب، بل من أجل زيادة الحسن، وهذا هو النّوع المحرّم، لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قد لعن النّامصة والمتنمّصة، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وذلك حديث متفق عليه.
وفي حال كان واضحاً أنّ تعديل الحاجبين الذين ليسا مشوهي الخلقة تشويهاً واضحاً ومشيناً يعتبر من النّمص الملعونة صاحبته على لسان محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك إحداث الرّموش، وهذا في حال لم تكن العين في حاجة ماسّة إليها، فهو من تغيير خلق الله، خصوصاً إذا كانت هذه الرّموش ثابتةً، أمّا في حال كانت توضع حيناً وتزال حيناً فإنّ الأفضل هو تركها، على أن شبهها بوصل شعر الرأس واضح ممّا ينحو بها منحى التحريم. (3)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 15540/ متى يحرم تشقير الحاجبين/ 20-4-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 22244/ النمص…معناه…وأدلة المانعين منه/ 11-9-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم20855/ الحكمة من النهي عن النمص/ 13-8-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net