احكام الطلاق الرجعي
إنّ الطلاق الرّجعي هو ما يجوز معه للزوج أن يردّ زوجته في عدّتها، وذلك من غير استئناف عقد، وهو الطلاق الذي يكون دون الطلقة الثّالثة بالنّسبة للمدخول بها، أمّا لغير المدخول بها فإنّها تبين منه بمجرّد الطلاق، ولا عدّة له عليها.
أحكام الطلاق الرجعي
إنّ للطلاق الرّجعي عدّة أحكام تشمل مدّة العدّة، وكيفيّتها، وما يجوز للمرأة في هذه الفترة. ففي حال طلق الرّجل زوجته طلاقاً رجعيّاً فإنّه يحلّ له العودة إليها في فترة العدّة بالرّجعة، وذلك دون الحاجة إلى عقد جديد، وفي حال مضت عدّتها يستطيع العودة إليها بعقد جديد فقط. (1)
عدّة الطلاق الرجعي
إنّ المرأة المدخول بها في حال طلقت فهي إمّا أن تكون من ذوات الحيض، أو لا تكون كذلك، فإن كانت من ذوات الحيض، فإنّ عدّتها تكون ثلاثة قروء؛ وذلك لقوله تعالى:” والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء “، البقرة/228، وأمّا القروء فهي جمع قرء، وهو لفظ مشترك بين كلمتي الحيض والطهر. والأرجح أنّ المراد هنا هو الحيض. قال ابن القيّم:” إنّ لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشّارع إلا للحيض، ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر … إلخ “.
وعلى ما تقدّم فإنّ عدّة المدخول بها إذا طلقت وكانت تحيض فإنّها تكون ثلاث حيضات، وإمّا إن كانت من غير ذوات الحيض، فإنّ عدّتها تكون ثلاثة أشهر فقط، وينطبق ذلك على الصّغيرة التي لم تبلغ، والمرأة الكبيرة التي لا تحيض، قال تعالى:” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ “، الطلاق/4. وأمّا المرأة الحامل فإنّ عدّتها تكون بوضع حملها، وذلك لقوله تعالى:” وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً “، الطلاق/4. (2)
ما يحل للمرأة في العدة
يجب على المرأة خلال فترة عدّتها الإحداد، ومعنى ذلك أن تمتنع عن الزّينة، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:” ولا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميّت فوق ثلاث؛ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً “، متفق عليه.
ويكون ذلك من خلال تجنّبها للطيب واللبس المعصفر، أي ما صبغ بالعصفر، ولبس المطيّب من الملابس والمزعفر، أي ما وضع عليه أيّ نوع من أنواع الطيب والرّائحة، وأن تجتنب كذلك الدّهن، والتكحّل، والخضاب، و أن لا تلبس الحلي والمجوهرات.
ولكن في حالات الضّرورة فإنّه من الممكن أن تتكحّل المرأة إذا اشتكت شيئاً من عينها، أو في حال اشتكت من رأسها فإنّ لها أن تضع الدّهن، وإن لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فيمكن لها أن تلبسه، لكن لا تقصد به الزّينة، لأنّ حالات الضّرورة مستثناة من ذلك.
ويمكن لها أن تقوم بما سوى ذلك من الجلوس مع محارمها، أو العمل في بيتها، أو الاعتناء بأولادها. (3)
أحكام الطلاق
إنّ للطلاق مجموعةً من الأحكام، تشمل ما يلي: (4)
- الوجوب: وهو أن يؤالي الرّجل من زوجته، أي يحلف أن لا يطأها، وتمضي عليه أربعة أشهر ولم يطأها، وفي هذه الحالة يجب عليه الطلاق، وذلك لقوله تعالى:” لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “، البقرة/ 226-227.
- النّدب: وهو أن يشتدّ الخلاف بين الزّوجين، وتصبح مدّته طويلة، فيستحبّ حينها الطلاق لهما.
- الجواز: وهو أن توجد حالة تقتضي وقوع الطلاق، مثل دفع بعض الضّرر، أو جلب بعض النّفع لأحد الزوجين، فيجوز الطلاق لهما.
- الحرمة: وهو أن يكون الزوج غير قادر على الزّواج في حال طلق امرأته، ويخاف بشدّة على نفسه أن يقع في الحرام، فيحرم عليه طلاقها.
- الكراهة: وهي أن يكون بين الزّوجين وئام وصلاح، وكلّ واحد منهم قائم بحقوق صاحبه، ففي هذه الحالة يكره الطلاق لهما.
ركن الطلاق
معنى ركن سائر التّصرفات الشّرعية القولية عن الحنفية: الصّيغة التي يعبّر بها عنه، أمّا عند جمهور الفقهاء: فإنّهم يتوسعون في معناه، ويدخلون فيه ما يسمّيه الحنفيّة أطراف التّصوف.
ويعدّ الطلاق بالإجماع من التّصرفات الشّرعية القولية، فركن الطلاق عند الحنفيّة هو الصّيغة التي يعبّر بها عنه، أمّا عند المالكيّة فإنّ للطلاق أربعة أركان هي: أهلٌ، وقصدٌ، ومحلٌ، ولفظٌ. أمّا عند الشّافعية فإنّ أركان الطلاق خمسة هي: مُطَلِّقٌ، وصيغة، ومحلٌ، وَوِلاَيَةٌ، وقصدٌ. والأصل في الصّيغة التي يعبّر بها عن طريق الكلام، وقد ينوب عنها الكتابة أو الإشارة، ولا يمكن أن ينعقد الطلاق بغير ذلك. (1)
حكمة تشريع الطلاق
نبّه الإسلام إلى ضرورة حسن اختيار شريك الحياة عند الزّواج، فقد قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:” تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأَْكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ “، صحيح ابن ماجه، وقال صلّى الله عليه وسلّم:” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَِرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك “، رواه مسلم، وقال – صلّى الله عليه وسلّم – لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عِنْدَمَا خَطَبَ امْرَأَةً:” انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا “، رواه الألباني.
إلا أنّ كلّ ذلك لا يضمن أن تستمرّ السّعادة في الحياة الزّوجيّة، فلربّما كان طرف من الطرفين مقصّراً في حقّ الطرف الآخر، وربّما جدّ في الحياة الزّوجية ما يثير الشّقاق والنّزاع بينهما، فيجب في البداية نصح الزّوجين ومحاولة الإصلاح بينهما، قال تعالى:” وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا “، النساء/19.
وإذا كانت أسباب النّزاع فوق احتمال الزّوجين، وخرج الأمر عن طاقتهما، فقد شرع الإسلام حينها الطلاق، ليستأنف كلّ من الزّوجين حياتهما الخاصّة، قال تعالى:” وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا “، النساء/130.
ولهذا فإنّ الفقهاء قد قالوا بوجوب الطلاق في بعض الحالات، وبندبه في حالات أخرى، على كلّ الأضرار التي من الممكن أن تقع نتيجته، وذلك لتقديم الضّرر الاخفّ، حسب القاعدة الفقهيّة الكليّة:” يختار أهون الشّرين “، والقاعدة الفقهيّة القائلة:” الضّرر الأشدّ يزال بالضّرر الأخفّ “. (1)
المراجع
(1) بتصرّف عن الموسوعة الفقهية الكويتية/ وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 10424/ عدة المطلقة طلاقاً رجعياً حددها الشارع/20-9-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 26691/ المحظور على المعتدة عن وفاة والمباح/ 23-12-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن كتاب النكاح والطلاق أو الزواج والفراق/ جابر بن موسى الجزائري/ مطابع الرحاب/ الطبعة الثانية.