ما سبب تسمية عام الفيل بهذا الاسم

هلاك الأمم الظالمة

ذكر التاريخ الكثير من القصص عن أمم ودول وجماعات وأفراد، حلّت بهم عقوبة الله -تعالى- فأبادتهم عن بكرة أبيهم، فلم تنفعهم شدة قوتهم، ولا كثرة أسلحتهم، ولا ذكائهم ورجاحة عقولهم لمّا أتاهم أمر الله عز وجل، وقد أخبرنا الله -تعالى- عنهم في كتابه الحكيم حيث قال: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)،[١] ومن الجدير بالذكر أن الله -تعالى- قد وضع سنناً ثابتة لا محاباة فيها لكل الأمم، فما من أمة تسلك سبيل الغابرين في ممارسة الظلم، ومقارفة الذنوب، والأمن من عقوبة الله -تعالى- إلا وحل بها ما حل بمن سبقهم، وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أسباب العقوبات العامة للأمم، حيث قال: (في هذِهِ الأمَّةِ خَسفٌ ومَسخٌ وقَذفٌ ، فقالَ رجلٌ منَ المسلِمينَ: يا رسولَ اللَّهِ ، ومتَى ذاكَ ؟ قالَ: إذا ظَهَرتِ القِيانُ والمعازِفُ وشُرِبَتِ الخمورُ).[٢][٣]

سبب تسمية عام الفيل بهذا الاسم

عادة ما يسبق الحوادث العظيمة، وقوع بعض الإرهاصات التي تدل على اقتراب حدوثها، وقد سبق مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إرهاصات وعلامات دلت على اقتراب مولده، ففي نفس العام الذي وُلد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدث أمر عظيم جعل العرب يُسمّون ذلك العام باسم عام الفيل، وكان سبب التسمية أن أبرهة الحبشي خرج في ذلك العام على رأس جيش جرار، وصحب معه الفيلة ليهدم الكعبة المشرفة، ولما وصلوا إلى الحرم أرسل الله -تعالى- عليهم طيراً أبابيل تحمل حجارة ألقَتها عليهم فهلكوا جميعاً، وقد دل القرآن الكريم على وقوع هذا الحدث العظيم، حيث قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)،[٤][٥]

وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الحادثة في حديث نبوي، حيث رُوي عن مسورة بن مخرمة -رضي الله عنه- أنه قال: (سار النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به راحلتُه، فقال الناس: حلْ حلْ. فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ القصواءُ! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ)،[٦] وقال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: (كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء).[٥]

قصة أصحاب الفيل

وردت قصة أصحاب الفيل في العديد من كتب التاريخ، وقد ذكرها محمد بن إسحاق، وابن كثير في كتب السيرة، حيث بدأت أحداث القصة عندما لفت انتباه أبرهة بن الصباح عامل النجاشي في اليمن جموع العرب في موسم الحج، فبنى كنيسة عظيمة يُضرب المثل في حسنها وجمالها، ثم كتب إلى النجاشي يخبره بأنه سيُحوّل حج العرب إلى كنيسته، فبلغ الخبر إلى العرب وسمعوا به، وعندها ذهب رجل من بني كنانة إلى كنيسة أبرهة، وأحدث فيها، ثم وضع القذارة على جدرانها، ولما وصل الخبر إلى أبرهة غضب لذلك غضباً شديداً وسأل عن الفاعل، فأخبروه بأنه واحد من العرب الذين يحجّون إلى الكعبة، وأنه فعل ذلك لمّا سمع بأمر تحويل حج العرب إلى تلك الكنيسة، فأقسم أبرهة أن يسير إلى الكعبة ويهدمها، وأرسل إلى النجاشي يطلب منه الإذن بذلك، وأن يمده بالفيَلة ليهدم بها الكعبة، فأرسل إليه فيل عظيم الحجم والقوة يقال له محمود.[٥]

بعد ذلك خرج أبرهة على رأس جيش جرار متوجهاً إلى الكعبة، ولمّا سمعت به العرب قرروا التصدي له والدفاع عن الكعبة، فخرج ملك من ملوك اليمن اسمه ذو نفر لقتال أبرهة، ولكنه سرعان ما هُزم ووقع في الأسر، واستمر جيش أبرهة بالتقدم نحو الكعبة، وفي الطريق مر على ديار خثعم، فخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ومعه عدد من القبائل العربية، ولكنهم هُزموا أيضاً، ووقع نفيل في الأسر، فقال لأبرهة: (أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاسْتَبْقني خيرا لك)، فاسْتَبقاه النجاشي، وأخذه ليدله على الطريق، ولما مروا بأرض الطائف خرج إليه رجال من ثقيف على رأسهم مسعود بن معتب وقال لأبرهة: (أيها الملك، نحن عبيدك، ونحن نبعث معك من يدلك)، وأرسلوا معه رجل يُقال له أبو رغال، فخرج معهم ليدلهم على الطريق، ولما وصلوا إلى منطقة قريبة من مكة المكرمة تُدعى بالمغمس مات أبو رغال، فجعلت العرب قبره فيما بعد مرجم.[٥]

ثم بعث أبرهة أحد رجاله واسمه الأسود بن مفصود على رأس مجموعة من الجنود لِيَغيروا على أنعام أهل مكة، فأغاروا عليها وكان من بين ما سلبوه مئتي بعير لعبد المطلب، وبعدها بأيام ذهب عبد المطلب إلى معسكر أبرهة وطلب مقابلته فأذن له بذلك، ولما دخل عبد المطلب على أبرهة عظّمه وأكرمه، وكره أن يجلس على سريره ويجلس عبد المطلب على الأرض، فنزل وجلس معه على الأرض، فقال عبد المطلب: (أيها الملك إنك قد أصبت لي مالا عظيما فاردده عليَّ)، فقال له: (لقد أعجبْتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك)، قال: ولم؟ قال: (جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم فأهدمه فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير لك؟)، فقال عبد المطلب قولته المشهورة: (أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه)، قال: (ما كان ليمنعه مني)، قال: (فأنت وذاك)، ثم أمر أبرهة جنده بإعادة البعير، ثم خرج عبد المطلب وأخبر قريش الخبر وطلب منهم أن يتفرقوا في الجبال.[٥]

وفي اليوم التالي تجهّز أبرهة وأمر جنده بالتوجه نحو الكعبة، فساروا إلى أن اقتربوا من الكعبة فبرك الفيل على الارض ولم يتحرك، فحاولوا إجباره على القيام بكل الوسائل ولكنه أبى ذلك، فوجهوه إلى اليمن فقام يهرول، ثم وجهوه إلى الكعبة فبرك مرة أخرى، وبينما أبرهة وجنوده يحاولون إجباره على التقدم نحو الكعبة، أرسل الله -تعالى- عليهم مجموعات هائلة من الطيور تأتيهم من جهة البحر ومع كل طائر ثلاثة أحجار بحجم حبة الحمص، حتى أظلتهم فالقت عليهم الحجارة، فما أصابت تلك الحجارة أحد منهم إلا هلك، وفر الجيش وتساقط الجنود الواحد تلوا الآخر، وأصابت الحجارة أبرهة فتساقط لحمه، حتى وصل إلى اليمن كالفرخ، ثم مات بعدها.[٥]

تاريخ حادثة الفيل والعبر المستفادة منها

حدثت واقعة الفيل في شهر محرم قبل ولادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمسين يوماً، وهو ما يوافق شهر فبراير من عام 571م، ويمكن استخلاص عدد من العِبر من تلك الحادثة، ومنها:[٧]

  • إن قدرْ الكعبة المشرفة عظيم عند الله تعالى، وقد تكفل -سبحانه- بحمايتها من غطرسة الطغاة كما فعل بأبرهة وجنوده.
  • إن أعداء الإسلام موجودون في كل زمان، ولا يملّون من صدّ الناس عن دين الله تعالى، فالصراع بين الحق والباطل قائم لا ينتهي.
  • إن مولد محمد صلى الله عليه وسلم في نفس العام الذي حصلت فيه تلك الأحداث يدلّ على نبوته، حيث كان ذلك تمهيداً لبعثته عليه الصلاة والسلام.
  • إن مصير الطغاة في كل مكان وزمان سيكون كمصير أبرهة الأشرم وجنوده.

المراجع

  1. سورة العنكبوت، آية: 40.
  2. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 2212، حسن.
  3. “أسباب هلاك الأمم في ضوء القرآن والسنة”، 20-4-2014، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-1-2019. بتصرّف.
  4. سورة الفيل، آية: 1-5.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح “أصحاب الفيل”، 14-4-2013، www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-1-2019. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
  7. “حادثة الفيل”، 26-7-2003، www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-1-2019. بتصرّف.