لماذا سمي مسجد القبلتين بهذا الإسم

تحويل القبلة

كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والمؤمنون معه يتّجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى في بداية الأمر، واستمرّ الأمر على ذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنوّرة بستة عشر أو سبعة عشر شهراً، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان يرغب في أن يصلّي إلى جهة الكعبة المشرّفة، حيث قال لجبريل عليه السّلام: (ووددت أن أصرف وجهي عن قبلة اليهود، فقال جبريل: إنّما أنا عبد، فادع ربك وسله، فجعل عليه السلام يقلّب وجهه في السماء يرجو ذلك)، فأمر الله تعالى بذلك، حيث قال: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ)،[١] فكانت حادثة تحويل القبلة في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة النبويّة، ومن الجدير بالذكر أنّ الرسول كان يقصد من تغيير قبلة الصلاة عن جهة بيت المقدس مخالفة اليهود، كما أنّه كان يخالفهم في جميع أمورهم، والخلاف الأساس بين المسلمين واليهود هو خلافٌ في العقيدة؛ أي بين الإسلام والكفر، وكذلك يجب أن يكون المسلم مستقلاً بذاته، بحيث لا يقبل التنازل عن مبادئه أو الانصهار في مبادئ غيره، فالله تعالى أمر المسلمين بمخالفة أعدائهم في حميع شؤون الحياة، وكذلك أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّ في تحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة رحمةً بالمسلمين في جمعهم إلى جهةٍ واحدةٍ، فلا يتصوّر من الأمّة الإسلاميّة أن تختلف في اتجاه قبلة الصلاة الخاصّة بها، فلا فرق في القبلة بين المسلمين على اختلاف ألوانهم أو أجناسهم أو موطنهم، وبذلك تكون الأمّة الإسلاميّة أمةً واحدةً بكيانٍ واحدٍ، متجهين إلى جهةٍ واحدةٍ؛ لتحقيق هدفٍ واحدٍ، فربّهم واحدٌ، ورسولهم واحدٌ، وقبلتهم واحدةٌ.[٢]

مسجد القبلتين

كانت جماعةٌ من المسلمين تصلّي إلى جهة المسجد الأقصى، فإذا بمنادٍ ينادي من خلفهم يأمرهم بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة في المسجد الحرام، فاستجاب الصحابة -رضي الله عنهم- لذلك، فحوّلوا وجوههم وأجسادهم إلى المسجد الحرام، وكان المسجد الذي حصلت به تلك الحادثة يعود إلى بني سلمة، وقد أقاموه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وبعد حادثة تحويل القبلة التي حصلت به أُطلق عليه مسجد القبلتين، ويقع في المدينة المنورة، كما أنّه من أبرز معالمها، ويقع في الطرف الغربي منها، على مساحةٍ تقدّر بأربعة آلاف مترٍ مربّعٍ، وله قبّتان، قُطْر إحداهما ثمانية أمتار، وقطر الأخرى سبعة أمتار، أمّا ارتفاع كلاهما فيقدّر بسبعة عشر متراً، أمّا من الداخل فيوجد فيه محرابان؛ أحدهما يتّجه إلى الشام، والآخر إلى الكعبة المشرفة، وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- بتجديد المسجد وترميمه، وكذلك قام الشجاعي جمال الشاهين بتعمير المسجد وترميه وتجديد سقفه، وذلك في عام ثمانمئةٍ وثلاثةٍ وتسعين من الهجرة، وجدّد المسجد أيضاً السلطان سليمان القانوني عام تسعمئةٍ وخمسين من الهجرة.[٣]

دروسٌ وعبر من حادثة تحويل القبلة

اشتلمت حادثة تحويل القبلة على العديد من الدروس والعبر التي أرادها الله تعالى، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:[٤]

  • كانت حادثة تحويل القبلة محنةً وابتلاءً، فأمّا المسلمون فأطاعوا أمر الله تعالى، وأمّا المشركون فظنّوا أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يُوشك أن يرجع عن دينه كما رجع عن القبلة، وأمّا اليهود فقالوا: إنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- خالف قبلة الأنبياء من قبله، ولو كان نبيّاً لما خالف قبلتهم، وأمّا المنافقون فقالوا بأنّ النبي لا يعلم إلى أين يتوجّه، فإن كانت القبلة الأولى هي الصحيحة فإنّه قد تركها، وكذلك فإن كانت القبلة الثانية هي الصحيحة فقد كان على باطل، إلّا أنّ الله تعالى قال: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)،[٥] وبذلك كانت حادثة تحويل القبلة امتحاناً واختباراً من الله تعالى لعباده، وإظهاراً للمتّبعين أوامر الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
  • كانت حادثة تحويل القبلة من العلامات التي تدلّ على صدق نبوّة النبيّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فالله تعالى أخبر في القرآن الكريم ممّا سيكون من حادثة تحويل القبلة، وما سيرافقها من الشكوك والاتّهامات، إلّا أنّ الإخبار بذلك كان قبل وقوعه؛ أي أنّه أمرٌ غيبيّ، ممّا دلّ على نبوّة محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، كما أنّ في ذلك بيانٌ لكيفيّة حلّ المشاكل وعلاجها.
  • تمييز المسليمن بالقبلة التي يتوجّهون إليها في صلاتهم وعباداتهم، كما أنّ في ذلك تمييزاً للمكان وتخصيصاً له عن غيره، وبذلك يُنمّى شعور التميّز والتفرّد عند المسلم.
  • نهي المسلمين عن التشبّه بمن هم دونهم في الخصائص والميزات، ومن ذلك أيضاً النهي عن التشبّه في الأفعال والسلوكات، كما أنّ الواجب على المسلمين عدم التشبّه بعادات الجاهليّة التي كانت سائدةً، وكذلك يجب تميّز المسلمين بالأهداف والغايات والاهتمامات.
  • تميّز الأمّة الإسلاميّة بأنّها أمّةٌ وسطٌ؛ أي أنّها توازن بين الجانب الماديّ والروحيّ، مع تزويد العبد بما يحقّق ذلك، مع العمل على الرقي بالحياة وحفظها وامتدادها، كما أنّ الأمّة الإسلاميّة أمّةٌ معتدلةٌ ومتوازنةٌ في التفكير والشعور؛ فالأمّة الإسلاميّة تتمسّك بما لديها من مبادئٍ وقيمٍ ومناهجٍ وأصولٍ، وكذلك الاعتدال والتوازن في التنظيم والتنسيق، فتوجّه وتهذّب ضمائر البشر، وكذلك الوسط في الارتباطات والعلاقات دون أن تلغي دور الفرد وشخصيته ومقوماته.
  • سرعة الاستجابة والثقة في القيادة، وبذلك تتحقّق القيادة والخلافة السديدة للأمّة الإسلاميّة.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 144.
  2. “تحويل القبلة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2018. بتصرّف.
  3. “مسجد القبلتين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2018. بتصرّف.
  4. “تحويل القبلة دروس وعبر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2018. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 143.