موضوع حول جامع الفنا
ساحة جامع الفنا
تقع ساحة جامع الفنا في مدينة مراكش شماليّ المغرب، ويعود تاريخ الساحة إلى عهد تأسيس المدينة الحمراء “مراكش” عام 1071م، وهي عبارة عن فناء شعبيّ واسع للتسوّق والترفيه ورواية التاريخ بطريقة خفيفة ومحبّبة للجمهور، حيث يتمّ تقديم عروض فنيّة شعبيّة ذات طابع مغربيّ تتخلّلها حلقات ممتعة ومتنوّعة من فقرات الحكواتيين، والفقهاء، ورواة السيرة النبويّة، ولاعبي الخفة، والمهرجين، والعرافين، ومروضي الأفاعي، ومخضبات الحناء البارعات، التي تبدو وكأنها قطعاً من أحداث تاريخيّة وقعت في زمن غابر، وغادرت كتب التاريخ المغربيّ لتمثل أمام الحاضرين، ويرسم رجال حلقاتها بريشتهم الخاصة علامات الدهشة والإعجاب على وجوه الرواد، وسط تصفيق الحضور وزغاريد النساء.
تحيط الساحة العالمية الكثير من المحال والدكاكين والمقاهي والفنادق والأسواق والمطاعم الشعبية التي تقدم أكلاتها المغربيّة المشهورة لزبائنها في الهواء الطلق، ما يعطي المكان رونقه المميّز، وكأن الزمان فيه غير الزمن الحالي، حيث تشكل هذه الساحة تراثٌ إنسانيٌ مرئي، ورمزٌ مغربيٌ يشعّ بالحضارة والثقافة والتسامح بين الأديان، ومحطة جذب للسكان المحلّيين والسياح الأجانب من كل أنحاء العالم ومن كافّة الألوان والأطياف، فقد عشقها الفنان وألفها السياسي وولع بها المثقفون والمفكرون، وحتّى رؤساء الدول.
تبدأ عادةً الحلقات في الساحة من ساعات الصباح الأولى بلوحات الحكواتيين ثم تنطلق حلقات الرقص والغناء والسحر والسيرك وترويض الأفاعي حتى ساعات منتصف الليل، الذي تزينه الفوانيس التقليدية، والموائد المتجوّلة بالفواكة وكؤوس الليمون البارد وأشهر وألذ الأطباق المغربيّة كالكسكس والبسطيلة والطاجن المغربي وغيرها، ويقدم السياح -بخلاف ثمن التبضع وشراء المنحوتات المغربية والقفطان المغربي وغيرها من الصناعات المغربيّة التقليدية- بعض الدراهم لرجال الحلقات مقابل عرضهم ويقابلهم الرجال بالدعاء والتمنيات بالخير والبركة.
سبب التسمية
تشير العديد من الروايات التاريخية إلى أن ساحة جامع الفنا كانت على مر العصور فناءً لتنفيذ أحكام الإعدام بحق المتمردين والمجرمين، وربما من هنا جاءت التسمية، والبعض يميل إلى نسبة الإسم إلى الدمار الذي يرادف معنى “الفناء”، فيما تدلّ بعض الروايات على أن أصل التسمية يعود للعصر السعدي الذي كانت تشكل فيه الساحة فناءً واسعاً لمشروع المسجد الأكبر الأعظم في القرن السادس عشر بعد الميلاد، ومنها ما ترجع تسميته بالفنا بسبب قربه من قصر الحجر المرابطي الذي “فنا” ووجدت أثاره أسفل جامع الكتيبة.
الحلايقيّة
يتجوّل رجال الحلقات في الساحة وسط أجواء صاخبة ومميزة وشبيهة بالأساطير، فتجد من ينفخ المزامير، ومن يقرع الطبول، وهناك من يروي القصص والأحاجي، ومن يردّد الأغانيّ الشعبية والأهازيج، ومن يجول بالساحة يلاعب الأفاعي ويمارس ألعاب الخفة، ويجاورهم من يسمونه ب”العشّاب” أي من يداوي المرضى بالخلطات العشبية والزواحف المحنطة، وغيرها من الأنشطة الأخرى التي يمتع بها الجمهور، وعلى الرغم من قلّة دخلهم فهم لا يتقاضون سوى بضعة دراهم تبعاً لما يجود به الجمهور عليهم كمكافأة مالية وفقاً لاستمتاعهم باللوحات العفوية.
كما أنّ بعض هؤلاء “الحلايقيّة” الرحالة كانوا يتجوّلون خارج الساحة ليجوبوا أسواق القرى والمناطق الصحراوية البعيدة، ويعرضوا لوحاتهم على أكبر عدد من الجمهور، فكان منهم رواةً للسيرة النبوية، وآخرين حكواتيين يعرضون قصصاً من أهم الكتب، ليستخلص الجمهور منها العبر والحكمة، وهنا يظهر جانب آخر مهم بالإضافة للجانب الترفيهي فيما يعرضوه هؤلاء الحلايقة، ألا وهو الجانب التثقيفي الذي يتمثل بنقل المعلومة، والعبر المستفادة، ويسير بجانب “فنانين” الحلقات في الساحة، ثلّةٌ من البائعين المتجوّلين الذين يبحثون عن قوت يومهم في أزقة الفناء، كبائعي السلال القصبية، والحقائب الجلدية، والعصائر الطبيعية، والفوانيس التقليدية وغيرها.
دعوات للحفاظ على فعاليات جامع الفنا
تتصاعد الدعوات لحماية هذا التراث الإنسانيّ الذي صنّفته اليونسكو كإرثٍ عالميٍ مشتركٍ، وإعادة تنظيم حلقات ساحة جامع الفنا الشهيرة، بما يليق وأهميتها الثقافية والتاريخيّة باعتبارها (ذاكرة المغرب الحيّة)، ونظراً لكون الساحة عبارة عن سوقٍ مفتوحٍ، فقد سمح ذلك لبعض أصحاب الحرف العشوائية بإحداث الفوضى، وتطبيق قانون الأقوى في المكان، دون مراعاة لخصوصيّة الساحة وجماليتها المعهودة، ما أدّى إلى تراجع أعداد فنانين “الحلايقيّة” جراء استيائهم من الوضع الراهن، الأمر الذي سيؤثّر سلباً على نسبة السيّاح الوافدين للساحة.