أين دفن عيسى عليه السلام
عيسى عليه السلام
هو المسيح عيسى بن مريم بنت عمران عليهما السّلام، ومَثَله في خلقه كمثل آدم عليه السلام، حيث خلقهما الله من تراب وليس لهما أب، فقد كانت ولادته معجزة، حيث حملت به أمّه مريم سيدة نساء العالمين العذراء دون زوج بإرادة من الله عزّ وجلّ، وهو نبيٌّ من أنبياء الله سبحانه وتعالى، ومن أولي العزم.
أرسل الله سيدنا عيسى إلى بني إسرائيل وأيّده بأكثر من معجزة، حيث كان يحيي الموتى، ويُعيد البصر للمكفوفين، كل ذلك بإرادة من الله عز وجل، وليس بإرادته فهو بشر، حيث أرسله الله برسالة توحيده إلى الأرض، فأين دُفن هذا النبي العظيم؟
مكان دفن عيسى عليه السلام
إنّ المعتقد الدّينيّ لدى طائفة النّصارى بأنّ عيسى عليه السلام قد تمّ تعذيبه، ثم صلبه، ثم قتله، وهذا ما ينفيه طائفة المسلمين كافّة، حيث جاء كلام الله في كتابه العزيز القرآن الكريم واضحاً جليّاً بالنسبة لهذه المسألة، والتفصيل كالتالي:
الرّفع إلى السماء
لمّا رأى بنو إسرائيل التفاف النّاس حول عيسى عليه السلام، والاستماع إلى مواعظه، وكثرة أنصاره من الحواريين، قاموا بتحذير بعض الملوك من دعوة عيسى عليه السلام الّتي قد تؤدّي إلى سلبهم ملكهم، فقاموا بالبحث عنه في كلّ مكان ليقتلوه ويحافظوا على ملهكم وينجوا بأنفسهم.
أوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى عليه السّلام بالأمر، حيث قال تعالى: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”، (سورة آل عمران، الآية: 55)، فاختبأ سيدنا عيسى عليه السّلام في بيت أحد الحواريين، وكانوا اثني عشر حوارياً، واستمرّ البحث عنه حتى دلّ الناس عليه، ووصل الجنود إلى البيت.
في هذه اللحظات تم رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء حيث قال تعالى: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)”، (سورة النساء).
إلقاء الشبه
جاء في كتاب التفسير الكبير للإمام الرازي، وفي شرحه لسورة النساء وتحديداً للآيتين الكريمتين المشار إليهما آنفاً أنّ مسألة الشبه اختلفت فيها مذاهب العلماء، حيث ذكروا وجهين لها، وهي كالتالي:
- الوجه الأول: أنّه عندما همّ اليهود للدخول إلى المكان المتواجد فيه عيسى عليها السلام، قام الله عز وجل برفعه، فعندما لم يتبين لهم وجوده في البيت خافوا من أن تقع الفتنة، فقاموا بأخذ إنسان آخر، وقتلوه، ثمّ صلبوه، وخدعوا عامّة الناس، حيث لم يكن أغلبهم يعرف شكل المسيح، ولكنهم كانوا يعرفون اسمه فقط.
- الوجه الثاني: أنّ الله عز وجل ألقى شبه عيسى عليه السلام على إنسان آخر، ولهذا الوجه عدة روايات، وهي كالتالي:
- أنّ اليهود عندما عثروا على سيدنا عيسى عليه السلام أمروا أحد رجالهم ويُدعى طيطايوس بالدخول لإحضار عيسى، وبهذه اللحظة رفع الله عيسى عليه السلام إلى السماء، ثم ألقى شبهه على المدعو طيطايوس.
- أنّ اليهود وكّلوا رجلاً بحراسة سيدنا عيسى، فأخذه إلى الجبل، ثم رُفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وقام الله بإلقاء شبه عيسى عليه السلام على ذلك الموكل بالحراسة، وقُتل وهو يقول لست بعيسى.
- أنّه عندما همّ اليهود بأخذ عيسى عليه السلام قال لأصحابه، من يشتري الجنة بأن يُلقى عليه شبهي، فقال أحدهم أنا، فألقى الله شبه عيسى عليه، فتم إخراجه، ورُفع عليه عيسى السلام.
- أنّه كان هناك شخص منافق يَدّعي أنّه من أصحاب عيسى عليه السلام، فقام بإرشاد اليهود إلى مكانه، عندها ألقى الله شبه عيسى عليه، فتم قتله، ثم صُلب.
يُرجّح بعض العلماء الذين يذكرون قصة سيدنا عيسى عليه السلام الرواية التي تقول بأن عيسى عليه السلام عرض الجنة على أحد أصحابه، فوافق أحدهم، ثم أُلقي عليه شبه عيسى عليه السلام، فتم أخذه، وقتله، وصلبه.
النزول إلى الأرض
ما كان رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وعدم دفنه في الأرض، إلا سبباً لنزوله وعودته للأرض مرّة أخرى، حتى ينتصر الحق، فسينزل سيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض قبل مدّة قصيرة من يوم القيامة، وسيكون ذلك أثناء الحرب الواقعة بين المهدي المُنتظر وأتباعه من جهة، والمسيح الدجال وأتباعه من جهة أخرى، ومكان نزوله عليه السلام سيكون عند المنارة البيضاء في دمشق، وسينضمّ للمهدي في محاربة الدجال، حيث قال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: “لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يُقبل أحد”، (رواه البخاري).
بعد أن يموت المهدي، ستنتقل القيادة إلى عيسى عليه السلام، حيث سيحل السلام، والعدل، وينتشر الإسلام، حتى ظهور يأجوج ومأجوج، ويعيثوا الفساد في الأرض، ويلجأ عيسى عليه السلام لله عزّ وجل بدعائه، فيُرسل الله عز وجل عليهم الدود، فيقضي عليهم، ومدة الحياة التي سيعيشها عيسى عليها السلام على الأرض ستكون أربعين سنة، ثم بعدها ستُقبض روحه الطاهرة، وسيقوم المسلمون بصلاة الجنازة عليه، ويدفنوه في المدينة المنورة، بجانب قبر النبي محمد عليه الصلاة والسلام.