أين غلبت الروم

تعريف بسورة الروم

قال تعالى في بداية سورة الروم: (الـم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )؛ هذه السورة العظيمة سورةٌ مكيةٌ نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة بخمسِ سنين، وقيل ستُّ سنين، فما هو سبب نزول هذه الآية الكريمة؟ وما المكانُ الذي غُلبت فيه الروم وسمّي بأدنى الأرض؟

استمرّ الصراعُ بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية الشرقية لسنين طويلة، وقد كان الصراع بين هاتين الدولتين على أشده؛ للسيطرة على بلاد الشام وفلسطين، فقد حكمت الدولة البيزنطية تلك البلاد وبسطت سيطرتها عليها، وفي سنة ستمائةٍ وأربع عشرةَ للميلاد قامَ زعيمُ الفرس “خسروا أبرويز” بالهجوم على أنطاكية إحدى أهم المدن في الإمبراطورية البيزنطية؛ حيث تمكّن من السيطرة عليها، كما قام بالهجوم على بلاد الشام ودمشق ثمّ فلسطين واحتلالها، واستباح بيتَ المقدس وخرّبَ ديارها وقتلَ الآلاف، وقد حدثت المعركة بين جيش الفرس وجيش الرومان في بلاد الشام، لكن اخْتُلِفَ في معنى أدنى الأرض، التي ذكرها القرآنُ الكريم كمكانٍ هُزم على أرضه جيش الروم، فأين كان هذا المكان؟

بيان معنى أدنى الأرض

قيلَ في معنى أدنى الأرض أنّه مكانٌ في بلاد الشام بين أذرعات وبصرى الشام؛ حيث كانت السيطرة الرومانية على هذه البلاد لسنينَ طويلة، وقد كان هذا المكان هو أقرب مكان يسيطر عليه الروم من الجزيرة العربية، وبالتالي فهو أدنى الأرض بمعنى أقرب الأراضي الرومانية إلى الجزيرة العربية، فالدنوّ معناه لغةً: القرب الذي قد يكونُ مكانياً أو زمانياً أو وصفاً لحال، فيقالُ: دَنا الرجلُ من المكان؛ أي اقترب منه، ويقال كذلك عن الحياة التي نعيش فيها الحياةُ الدّنيا لقرْبِها.

وهناك قولٌ آخر في بيان المكان الذي حدثت فيه هزيمةُ الروم، فقيلَ إنّه كان في منطقة البحر الميت تحديداً، وإنّ هذا القولَ يَدُلُّ على وجهٍ من وجوه الإعجاز القرآني؛ حيث تحدثت الآيات الكريمة عن هذا المكان بتسميته أدنى الأرض قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وقد جاء العلمُ الحديث ليؤكدَ على أنّ منطقة البحر الميت والأغوار هي أخفضُ بقعةٍ على وجه الأرض؛ إذ تهبط عن مستوى الأرض بما يقارب أربعمائة متراً، وهذه المنطقة هي المكان الذي سكن فيه قومُ لوط -عليه السلام-، حيث عذّبهم الله بقَلْب قريتهم رأساً على عقب.