أين كان يعيش قارون
قارون
يعد قارون من الشخصيات الأيقونية التي وردت في القرآن العظيم، والتي سجلت لنفسها مكاناً في الذاكرة الشعبية والعقل الجمعي بشكل كبير جداً، فصارت مضرباً للمثل في الغنى والثراء، فمن يمتلك اليوم أموالاً بكميات كبيرة جداً يقال عنه أنه يمتلك أموال قارون.
قارون هو واحد من أغنى أغنياء قوم رسول الله موسى -عليه السلام-، ولشدة غناه كانت مفاتيح الخزائن التي توضع فيها ثرواته الكثيرة ترهق من يحملها، وقد كان قارون وزيراً لدى فرعون الطاغية اختص بشؤون العبرانيين، وقد حدد لنا القرآن المكان الذي عاش فيه قارون المتكبر وهو مصر، إذ إنه من بني إسرائيل ممّن عاشوا في مصر قبل أن يخرجوا منها تحت قيادة رسول الله موسى، قال تعالى في كتابه الحكيم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ).
مال قارون
بعد أن آتى الله قارون ما آتاه من نعم وخيرات وكنوز لها أول وليس لها آخر، بدأ بالتكبر والتجبر على خلق الله وعباده، وأول من تجبر عليهم قومه وبنو جلدته بنو إسرائيل، وقد حاول العقلاء أن ينصحوه بتعديل مساره قبل أن يأتي الله تعالى عليه وعلى أمواله، وأن يسلط عليه غضبه، من خلال الإنفاق والادخار لآخرته، فقد انحرف قارون بغناه عن الطريق القويم المستقيم وأنفق لدنياه على حساب آخرته ونسي الفقراء والمحتاجين والمعوزين الذين لهم حق في أمواله وفي ثرائه الفاحش هذا، ولكن قارون أبى وعاند واسكتبر، وقد خلد الله تعالى قوله ورده في كتابه الكريم ليكون عبرة وعظة لغيره، قال تعالى: (قال إنّما أوتيته على علم عندي)، فمن شدة عماه واغتراره بنفسه نسي أن ينسب الفضل في غناه الفاحش هذا إلى الله تعالى الذي رزقه ومكنه وأعلى من شانه في الدنيا.
عندما كان قارون يخرج إلى الناس بأبهى حلة وزينة، كانت قلوبهم تنخلع من أماكنها لشدة افتتانهم به، وبأحواله، فكل من رآه من الناس تمنّى أن يكون مكانه، وقد كان العقلاء من القوم وأهل العلم يحذرون الناس من مغبة الافتتان به وبأحواله، فهذا الافتتان يعمل على تدمير فطرة الإنسان، إذ يجب على الإنسان أن يصبر على أحواله مع سعيه الدائم لتحويلها وتبديلها إلى الأفضل، دون أن يفرّط في حق الله تعالى، فإذا ما صبر فتح الله تعالى عليه في الدنيا قبل الآخرة، وأعلى من شأنه في عليين.
نهاية قصة قارون كانت كارثية، ولكنها تتناسب مع ما اقترفته يداه من تجبّر، وتكبّر، وغرور لا حصر له، فقد جاء عقاب الله تعالى شديداً عليه، قال تعالى: (فخسفنا به وبداره الأرض)، ففي لمحة بصر اختفى كل شيء.