أين ولد الإمام مالك
الإمام مالك بن أنس
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن الحارث الأصبحيّ، وأمّه عالية بنت شريك الأزدية، كان يُكنى بأبي عبد الله، وقد وُلد في العام الثالث والتسعين للهجرة، ومن صفاته الخَلقية أنّه كان طويل القامة، عريض المنكبين، عظيم الهامة، أشقر اللون، أزرق العينين، أبيض الشعر واللحية، أصلع وله لحيةٌ عظيمةٌ، وقد وصفه عيسى بن عمر قائلاً: (ما رأيت قط بياضاً، ولا حمرةً أحسن من وجه مالك، ولا أشدّ بياض ثوبٍ من مالك)، وقال عنه أبو عاصم النبيل شيخ الإمام البخاري: (ما رأيت مُحدثاً أحسن وجهاً من مالك)، وقد أثنى العلماء على الإمام مالك، حيث قال الشافعي: (لولا مالك، وابن عيينة لذهب علم الحجاز)، وقال: (مال بن أنس معلمي ومنه أخذت العلم)، وأثنوا على علمه، فقال الإمام البخاري: (أصحّ الأسانيد كلّها مالك عن نافع عن ابن عمر)، وقد توفي في الرابع عشر من ربيع الأول، سنة مئة وتسعٍ وسبعين للهجرة، في خلافة هارون الرشيد، عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاماً، فصلّى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن العباس، ودُفن في البقيع.[١]
ولادة الإمام مالك بن أنس ونشأته
وُلد الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، التي هاجر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعاش الرسول فيها، وأنزل الله -تعالى- الوحي عليه فيها مراراً وتكراراً، وأقام دولة الإسلام على ثراها، وفيها أظهر الله الحق على الباطل، فكانت أرض العزّ والهدى، ومنها فتحت البلاد، وتوفّي فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ودفنوا فيها، وفي البقيع دُفن أغلب الصحابة -رضي الله عنهم- من المهاجرين والأنصار، وفيها عاش الفقهاء السبعة، وقد أكرم الله -تعالى- المدينة المنورة فوكّل بها ملائكة تحرسها فلا يدخلها الدجّال ولا الطاعون، وبارك فيها فجعلها مناراً للعلم والخير، فبقي الدين فيها قائماً، والسنة معلومة، والعلماء مجتهدون، وفي ظل هذا الحفظ الرباني والخير والعلم نشأ الإمام مالك بن أنس، فكان في طفولته غلاماً، ذكياً، عاقلاً، برّاً، تقياً، سريعُ الحفظ، والإتقان، وقد طلب العلم سبع سنين عند ابن هرمز الذي كا له أثراً كبيراً في شخصية الإمام مالك، ومسيرة حياته، ثمّ جلس لربيعة الرأي، ونافع مولى ابن عمر، وروى عنه ثمانين حديثاً عُرفت بالسلسلة الذهبية، ثمّ أخذ مالك ينتقل بين علماء عصره، ويرتقي في العلم، إلى أن أصبح إمام دار الهجرة، وأصبح الناس يأتونه من أقصى البلاد، ليأخذوا عنه العلم، والحديث النبوي الشريف، ونقل فتاواه، وآرائه، وقد استقرّ الإمام مالك في المدينة المنورة لم يغادرها إلّا للحج، على الرغم من كثرة محاولات الخلفاء العباسيين إقناعه بالانتقال إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية، بل إنّ الكثير من العلماء قالوا بأنّ الإمام مالك بن أنس هو المقصود من حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: (يوشِكُ أنْ يضرِبَ الرَّجلُ أكبادَ الإبلِ في طلبِ العلمِ فلا يجِدُ عالِماً أعلمَ مِن عالمِ أهلِ المدينةِ)،[٢] وفي الحقيقة إنّ الكثير من العلماء قد مدحوا الإمام مالك وأثنوا عليه، ومنهم الإمام الشافعي الذي قال: (لم يبلغ أحد مبلغ الإمام مالك في العلم: لحفظه، وإتقانه، وصيانته، وقد جعلت مالكاً حجّةً بيني وبين الله عزّ وجلّ)، وكان يصفه بالنجم الثاقب، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: (القلب يسكن إلى حديثه وإلى فتواه، حقيق أن يسكن إليه، مالك عندنا حجة لأنّه شديد الاتباع للآثار التى تصحّ عنده).[٣]
محنة الإمام مالك
تعرّض الإمام مالك في حياته لمحنةٍ شديدةٍ، ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ الحكّام في زمانه كانوا يُكرهون الناس على الحلف بالطلاق عند البيعة، وكان الإمام مالك -رحمه الله- يروي في ذلك الوقت حديث الذي ورد فيه: (ليس على مقهورٍ يمينٌ)،[٤]
فاعتبر الحكّام رواية الحديث تشجيعٌ للناس على نقض البيعة، فقاموا بضرب الإمام بالسياط، حتى تركت السياط في ظهره أثراً كأنّها شرّحته تشريحاً، وربطوه بالحبل فخلعوا كتفه حتى كان بعدها لا يستطيع تسوية ردائه، وقال إبراهيم بن حمّاد أنّ الإمام مالك كان إذا أراد أن يقوم من مجلسه حمل يده باليد الأخرى، وقال الدراوردي: (لمّا أُحضر الإمام مالك لضربه في البيعة التي أفتى بها -وكنت أقرب الخلق منه- سمعته يقول كلمّا ضُرب سوطاً: اللهمّ اغفر لهم فإنّهم لا يعلمون، حتى فُرغ من ضربه)، وقال الجياني: (بقي مالك بعد الضرب مطابق اليدين، لا يستطيع أن يرفعهما، وارتكب منه أمر عظيم، فو الله ما زال مالك بعد ذلك الضرب في رفعة من الناس وعلوٍ وإعظامٍ، حتى كأنّما كانت تلك الأسواط حلياً حلي بها)، وقد كان للواقعة أثرٌ كبيرٌ في نفوس أهل المدينة، وطلاب العلم الذين كانوا يلزمون دروس الإمام مالك؛ إذ رأوا ما حلّ بشيخهم على الرغم من أنّه لم يدعُ إلى فتنةٍ، ولم يسيء لأحدٍ من الحكّام، بل كان ملتزماً في حدود العلم والإفتاء، وممّا زاد حزنهم ونقمتهم على ما فعله الحكام أنّ الإمام عاد ليكمل حلقات العلم، وفق منهجه القديم من غير أن يدعو إلى فتنةٍ، ودون أن يخرج عن إطار العلم والتعليم، ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام قد عفى عن ضاربه، فقد رُوي أنّه عندما أفاق من إغمائه بسبب الضرب بالسياط كان وله الناس فقال: (أشهدكم أنّي جعلت ضاربي في حلٍّ)، ولمّا سأله طلابه عن سبب عفوه عن ضاربه قال: (تخوفت أن أموت فألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأستحي منه أن يدخل بعض أهله النار بسببي)، وبعد ذلك بمدّةٍ غضب المنصور على ضاربه، وأذاقة العذاب نفسه، وضُرب بالسياط ضرباً شديداً.[٥]
المراجع
- ↑ “إمام دار الهجرة مالك بن أنس”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3736، أخرجه في صحيحه.
- ↑ “محنة الإمام مالك بن أنس”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 7605، حسن.
- ↑ “الإمام مالك .. إمام دار الهجرة”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12. بتصرّف.